سلسلة أزمة مجتمع: عبارة عن مشروع مجتمعي بأسلوب التخطيط الإستراتيجي المتبع في بناء الدول والكيانات الاجتماعية مساهمة مني مع غيري من النخبة الثقافية الموريتانية في التأطير والتأصيل لمفاهيم علمية حديثة تتجاوز انساق وبني الحداثة المعرفية بغية
انتشال المجتمع والدولة الموريتانية من براثن التخلف والجهل والمرض إلي رحاب المدنية الرحبة حيث العلم وآلياته هما المقود والقاطرة لأي مسعي تنموي يراد به تجاوز الواقع الراكد ومواكبة روح العصر شكلا ومضمونا كأبرز التحديات الوجودية في زمن العولمة المتسارع الأنفاس والمتلاحق الوتائر. حيث أدرك المخططون الاستراتجيون أن التراكم المعرفي الهائل أوجد طفرة معلوماتية كنتاج للثورة الهائلة في عالم الاتصالات والتي جعلت العالم بحق قرية كونية وغيرت مفهومي الزمان والمكان التقليديين حيث قرا في وطرنا كمفهومين ثابتين ذي أبعاد ثلاث في مخيالنا الجماعي ليحل محله زمكاني افتراضي سايبيري (ذي ابعاد أربعة شديدة التداخل) يوغل في بسط نظمه وأنساقه المعرفية دون هوادة. هذا البعد الإستشرافي هو ما جعل المخططون والمسئولون عن إدارة الشأن العام يدركون أن آليات التفكير الكلاسيكي في مواجهة استحقاقات الواقع التنموية لم تعد تجدي للتصدي لإشكاليات تتجدد كل ثانية مما يستدعي تفكيرا مغايرا وطرائق مستحدثة وأنساقا شمولية صارت ميسم علوم الاناسة في آخر عقدين.
في الجزء الأول من سلسلة "أزمة مجتمع" قدمنا توصيفا للواقع التنموي الراهن في موريتانيا وبلغة الأرقام التي غدت اللغة الأكثر إقناعا في عالم اليوم, أما في الجزء الثاني من هذه السلسلة فقد كتبنا عن الخطة الوطنية للتنمية الشاملة التي ستنتشل موريتانيا من وهدة التخلف والجهل والمرض إلي رحاب المدنية الرحبة وقد جاءت علي شكل دراسة لمتطلبات التنمية الشاملة في بحر 24 شهر من بدأ التنفيذ وخلصت الدراسة إلي أن موريتانيا تحتاج بشكل استعجالي إلي توفير 26,239 مليار دولار أمريكي لتحقيق تنمية شاملة في سقف زمني قدره سنتين تطال أهم القطاعات بالدولة (1.قطاع الصحة. 2.قطاع الزراعة. 3.الإسكان. 4.التعليم. 5.الكهرباء والمياه. 6.المواصلات والطرق. 7.الخدمات البلدية. 8.الحالة المدنية. 9.الجاليات في الخارج. 10.الدبلوماسية الخارجية.) وهنا سيتبادر إلي الذهن سؤال مفاده كيف يمكن لموريتانيا بمواردها الحالية أن توفر مبلغا كبيرا كهذا؟ الإجابة عن هذا السؤال ستشكل محور الجزء الثالث من هذه السلسلة.
المنعطفات التاريخية الحادة
كل شعوب الأرض وأممها مرت بمرحلة التخلف التي تعيشها الدولة الموريتانية منذ نشأتها وحني الآن وتفاوتت واختلفت معظم شعوب الأرض في طريقة خروجها من دائرة التخلف إلي رحاب التطور والمدنية الحديثة إلا أن طرق التحول تلك والتي شكلت منعطفات تاريخية حادة في تاريخ تلك الشعوب والأمم اتسمت بقواسم مشتركة عامة أبرزها:
1. إن الله قيض لتلك الشعوب وجود رجالات دولة استثنائيين يجيدون قراءة التاريخ واستلهام تجارب الشعوب التي سبقتهم في المضمار, رجال علي قدر كبير من الوطنية وحب الوطن والخير, رجال افنوا ذواتهم في سبيل نهضة ورفاه وسؤدد أوطانهم.
2. الاعتماد على العلم وعلى التعليم وعلى النهوض العلمي: حيث تشير كثيرٍ من الدراسات والإحصائيات إلى أن مردود التعليم الأساسي يعطي 5 أضعاف مردود الاستثمار الصناعي. كما أثبتت الكثير من الدراسات في البلدان الصناعية المتقدمة أن 60% إلى 80% من تحسن في مستوى المعيشة والاقتصاد للدول يعود إلى التقدم التقني العلمي وإلى الإنسان ،وأن 20% فقط يعزى إلى تراكم رأس المال وإن 64% من القيمة المضافة في البلدان المتقدمة مصدرها النهوض العلمي ورأس المال البشري.
3. وجود مشروع مجتمعي واضح الملامح يحتوي خطة تنمية شاملة في آماد زمنية محددة و بمستهدفات ومخرجات إستشرافية وفق الدراسات العلمية وتلتف حول هذا المشروع المجتمعي كافة شرائح ومكونات المجتمع.
4. تطبيق النظام في جميع مظاهر الحياة العلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
5. تقدير أهمية الوقت فهو رأسمال الشعوب والأفراد لذا يتم تحديد كل شيء وفق قاعدة الاستخدام الأمثل للوقت بدءا بالمنزل والمدرسة والمكتب والمصنع إلي هرم السلطة السياسية.
6. احترام التراتبية الوظيفية واحترام تسلسل الرتب بين العاملين مما يؤدي الي طاعة العاملين التامة للرؤساء والتجاوب بين الرؤساء والمرؤوسين والاحترام المتبادل بين الجميع والتعاون المشترك في جميع الأعمال. الشيء الذي يؤدي الي محبة المرؤوس لرئيسه وعطف الرئيس على مرؤوسه.
7. العمل دوماً ضمن فريق عملٍ واحدٍ, فكرة Team work.
8. احترام القوانين والأنظمة وسلوكيات العمل والقيم الإنسانية.
9. الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي.
التأخر والتقدم
تكاد تجمع الدراسات العلمية في حقول الاناسة والاجتماع والاقتصاد وعلم النفس السلوكي أن ظاهرة التقدم التي تتسم بديناميكية مفرطة وتجدد لافت وظاهرة التأخر التي تتصف بالجمود والتحجر والمراوحة في ذات المكان هما نتاج عقلية بالمقام الأول وان وجود الموارد الطبيعية من عدمها ليست اشتراطا موضوعيا بقدر ماهي عاملا مساعدا في الحالة الأولي ومعول هدم في الحالة الثانية.(والاستثناء الوحيد في العالم هو الدول العربية النفطية ونيجيريا, حيث تشير بعض الدراسات الصادرة من مراكز بحثية رصينة في الولايات المتحدة الأمريكية أن العرب لو استثمروا 5% من عائدات النفط في العلم كما فعلت الصين واليابان وماليزيا لكانوا ماردا عملاقا ضمن جوقة الكبار.).
هنا لا ينبغي علي القاريء الكريم أن يخلط بين الخطة الوطنية للتنمية الشاملة التي وصفتها بشيء من التفصيل في الجزء الثاني من هذه السلسلة وبين التقدم فتلك الخطة عبارة عن خطة استعجالية لإنشاء بنية تحتية لائقة في موريتانيا حتى ينعم المواطن الموريتاني بمكتسبات وحق العيش الكريم في القرن الواحد والعشرين أما التقدم فهو موضوع آخر يحتاج إلي تغيير عقلية الإنسان الموريتاني المتخلفة وبالتالي تغييرات سلوكيات ومعوقات تشكل كوابح وعوائق جدية في وجه أي تقدم منشود لعل ابرز هذه المعوقات:
1. عقلية الفساد المستشرية بين معظم شرائح المجتمع الموريتاني.
2. العقلية القبلية والعشائرية والمناطقية.
3. الاستخفاف بقيمة العمل حيث لازالت شرائح عديدة من المجتمع الموريتاني وتحديدا البيظان تستنكف وتترفع عن الأعمال المهنية كالنجارة والسباكة والحدادة والدهان وأعمال الورش والميكانيكا وتنظيف الشوارع تبليط الطرق وما إليها وتعتبرها مهنا وضيعة غير لائقة وتحصر مفهوم العمل اللائق في العمل المكتبي والوظيفي والتجارة.
4. عقلية الاسترزاق السياسي.
5. الصراع السيزيفي المفتعل بين العلمانيين والإسلاميين في موريتانيا.
6. شروخ وتصدعات الوحدة الوطنية.
7. غياب روح الوطنية واعتبار الوطن كعكعة يجب اقتسامها.
8. اختزال الوطن في القبيلة أو الجهة أو المنطقة أو المدينة.
9. الهوس المرضي في تعاطي السياسة.
10. غياب العقلية العلمية الاستشرافية واستشراء التفكير الغيبي الميتافيزيقي.
11. الاستخفاف بمكتسبات العصر من تراكم معرفي.
12. القناعة والرضي بواقع الحال.
13. عدم الإلمام بالحقوق الفطرية والقانونية الطبيعية والمكتسبة للمواطن في الدولة المدنية.
14. عدم إدراك المأزق الوجودي لواقع الدولة الموريتانية وبالتالي عدم إدراك وتقدير حجم المخاطر والتحديات التي تواجهها موريتانيا.
15. غياب الدولة شبه الكلي عن ساحة التأثير الفعال.
16. عدم وضوح الرؤية لدي معظم الانتليجسيا الوطنية.
17. الحنين الجارف الي الماضي حد الهوس.
18. التطرف الديني.
19. غياب ثقافة التحاور وعدم تقبل الاختلاف والتغاير حيث تستشري ثقافة الإقصاء و التهميش ويقيينية الطرح والادعاء بامتلاك ناصية الحقيقة المطلقة.
20. ظاهرة العبودية التي لازال قسم من المجتمع الموريتاني يرزح تحتها.
هذه المعوقات وغيرها الكثير لا شك أنها ستقف حجرة عثرة وستشكل تحديات جدية أمام أي مسعي حقيقي للنهوض بموريتانيا, هذا إلا إذا قامت النخبة الثقافية بدور ريادي واستباقي باستحداث ثورة مفاهيمية تطال كافة البني والأنساق المعرفية الكابحة والتي تحرم الموريتاني من التماهي مع عصره.
توجد في العالم العديد من الدول التي كانت تعيش أوضاعا متخلفة وتعاني من مشاكل جدية وخطيرة أكثر مما تعانيه موريتانيا حاليا, هذه الدول غدت الآن من أهم الفواعل الاقتصادية والعلمية في العالم مثل ماليزيا وكوريا الجنوبية وأندنوسيا والصين وسنغافورة.
ماليزيا
التجربة الماليزية جديرة بالتأمل وخصوصاً أنها تتميز بكثير من الدروس والعبر التي من الممكن أن تأخذ بها الدول النامية كي تنهض من كبوة التخلف والجهل والمرض والتبعية. فماليزيا التي يقارب سكانها الآن من 30 مليون نسمة في رقعة جغرافية لا تتعدي ثلث مليون كلم مربع كانت من أفقر دول العالم عندما استقلت العام 1957 حيث كان 78 % من سكانها يعيشون تحت خط الفقر و60% من ميزانيتها هبة من بريطانيا و30% من الأمم المتحدة و6% عائدات تصدير المواد الزراعية.
تتكون ماليزيا من خليط من الاثنيات والعرقيات هي المالايو 50.4% من السكان والبوميبوترا11% و23.7% من الماليزيين من أصول صينية و7.1% من أصول هندية هذا فضلا عن اثنيات جاوية وتايلاندية وثلاث أرباع سكان ماليزيا مسلمون وقد اشتهر المالاويون بالكسل والتراخي والترفع عن مزاولة المهن رغم فقرهم المدقع, وقد قال المبعوث الأممي بيير كارديف في العام 1959 (ماليزيا دولة ميؤوس منها فعقلية الناس متخلفة وسلوكياتهم معوقة ولا يمكن أن تقوم لها قائمة في يوم من الأيام......) وقد عاشت ماليزيا لمدة ربع قرن وهي تواجه مشاكل عويصة حتي تسلم رئاسة الوزراء رجل دولة استثنائي هو المفكر مهاتير محمد العام 1981حيث حول ماليزيا في عقدين من الزمن من دولة في ذيل القائمة وتتخبط في مشاكل التخلف والتبعية إلي عملاق اقتصادي عالمي ينعم أبنائها بالرفاه والمواطنة الحقة حيث تبوأت ماليزيا المرتبة 122 من اقتصاديات العالم في العام 1991 بعد عقد من الإصلاحات الجذرية وانطلاق النهوض ومن ساعتها وهي منطلقة وبسرعة حيث وصلت إلي المرتبة 65 في العام 1996 و43 في العام 2002 و المرتبة 15 في العام 2010 وقد دخلت نادي 10 الكبار في العام 2013 كتاسع اقتصاد كوني ويتوقع الاقتصاديون أن تحل ماليزيا محل ألمانيا وتحتل في العام 2023 المرتبة الرابعة خلف الصين وأمريكا واليابان. ودخل ماليزيا القومي ألان يتعدي نصف تريليون دولار.
للعلم القليلون يعرفون أن نظام ماليزيا ملكي, وماليزيا الدولة الإسلامية الوحيدة التي تخصص خمس ميزانياتها للتعليم وبها احد احدث نظم التعليم والتربية في العالم وهي تخصص قرابة 5% من ميزانيتها للبحث العلمي وقد خطط الماليزيون هذا العام للحصول علي جائزة نوبل واحدة علي الأقل كل سنة.
موريتانيا
هنا نصل إلي مربط الفرس, فما السبيل إلي توفير مبلغ 26,239 مليار دولار أمريكي للقيام بإنشاء بنية تحتية عصرية شاملة في كامل عموم موريتانيا؟ وفي حالة توفير هكذا مبلغ فما هي الآليات التي تضمن تنفيذ والقيام بهكذا مشروع مجتمعي في ظل استشراء عقلية الفساد والتلاعب بالمال العام؟
الخطة الوطنية للتنمية الشاملة
للقيام بالمشاريع التنموية العملاقة والاستعجالية كالخطة الوطنية للتنمية الشاملة هناك ثلاث طرق عادة للحصول علي التمويل الكافي ولو مرحليا هي:
أولا : بالاعتماد علي الموارد المحلية وترشيد الإنفاق وتحديد سلم الأولويات عبر إتباع سياسات تعظيم العائدات كما ونوعا.
ثانيا: الاعتماد كلية علي الاقتراض الخارجي وهذا يتطلب من جهة قدرات ومهارات وإلمام بالتخطيط الاستراتيجي وقدرات تفاوضية خاصة لدي الطرف الموريتاني لا تتوفر في معظم رجالات الدولة الحاليين ومن جهة أخري يتطلب ضمانات ائتمانية مفقودة في الحالة الموريتانية.
ثالثا: إتباع سياسة الخلط بين الاعتماد الجزئي علي الموارد المحلية عبر تعظيم العائدات وفتح باب الاستثمار الأجنبي في قطاعات التنمية المحلية وهذا الأمر يتطلب اشتراطات لوجستية وأساسيات بنيوية لا تتوفر في موريتانيا حاليا.
في مثل الحالة الموريتانية أري أن السبيل الوحيد أمامنا هو الاعتماد علي الموارد الذاتية وإتباع سياسة تعظيم العائدات التي ستعود علينا برساميل تفوق 30 مليار دولار في عام واحد إذا وضعت الدولة خطة شاملة للتنمية يساهم فيها أساسا الخبراء والكفاءات العلمية الموريتانية المغتربة بالخارج شريطة عدم تسييس هذا الأمر, خيار الاعتماد علي الموارد الذاتية سيكون السبيل الأكثر نجاعة نظرا إلي الاعتبارات التالية:
1. صعوبة الحصول علي قروض أجنبية بهذا الحجم بعد فقدان جهات الاقتراض للثقة في الحكومات الموريتانية المتعاقبة طيلة 3 عقود من الزمن نتيجة للفساد وعدم جدية تلك الحكومات في التعاطي مع القروض التنموية.
2. غياب التشريعات التفضيلية الجاذبة للاستثمار الأجنبي.
3. صعوبة إعادة هيكلة الاقتصاد الموريتاني المهتريء والمتآكل بعد عقود من الإهمال والتلاعب والفساد والعبثية.
4. عدم إدراك الحكومات الموريتانية المتعاقبة لمكامن قوة الاقتصاد الموريتاني نظرا لعدم الإلمام بأسس التخطيط الاستراتيجي وغياب الحس الإستشرافي.
5. عدم وجود يد عاملة فنية مهرة كافية من العوامل الطاردة للاستثمار الأجنبي.
6. الاضطرابات والاحتقان السياسي اللذين يلازمان موريتانيا منذ عقد من الزمن.
7. التشوهات البنيوية للاقتصاد الموريتاني وغياب الشفافية وعدم وجود أرقام حقيقية كمؤشرات للمستثمر الأجنبي.
8. ضيق الأفق السياسي للدبلوماسية الخارجية الموريتانية وضعف الأداء لمعظم سفراء وقناصل موريتانيا وعدم إدراكهم لمحركات وأساسيات المصلحة العليا للبلاد جعلت الدولة الموريتانية مع الوقت تخسر الكثير من الأصدقاء وتخلق المزيد من الأعداء في المحافل العالمية.
هذه العوامل وغيرها تجعل من الصعوبة بمكان الحصول علي قروض خارجية بهذا الحجم, عليه ليس أمامنا إلا الاعتماد علي مواردنا الذاتية التي لا ندرك قيمتها.
الاعتماد علي الموارد الذاتية
لموريتانيا 11 موردا اقتصاديا كفيل كل واحد منها إن أحسن استغلاله بجلب عائدات سنوية بمليارات الدولارات لكن عقلية التخلف وتهميش الكفاءات العلمية وغياب روح المواطنة ومنطق المصالح الضيقة وسياسة الولاء والموالاة هو ما جعل ولاة الآمر قاصرين عن إدراك مكامن القوة في اقتصادنا الوطني, هذه المكامن متمثلة في:
1. السياحة. 2. التعدين. 3. الصيد البحري. 4. الزراعة. 5. المحظرة التقليدية. 6. تجارة العبور. 7. الجاليات الموريتانية بالخارج. 8. الطاقة الشمسية. 9. النفط. 10. الصناعة التحويلية. 11. التمور.
الموارد الثلاث الأولي لا تحتاج إلا إلي أشهر قليلة من الإعداد الجيد والتسويق الفعال لتدر بعائدات مجزية خلال سنة واحدة فقط تكفي للشروع بالخطة الوطنية للتنمية الشاملة في حين أن بقية الموارد تحتاج إلي إعادة تأهيل وبناء لا تقل عن ثلاث سنوات لتبدأ العائدات. لذا سأكتفي هنا بالحديث عن هذه الموارد الثلاث علي أن أتطرق لبقية الموارد في الجزء الرابع من هذه السلسلة.
السياحة
هالني في معرض حديثي عن السياحة في موريتانيا مع طيف عريض من النخبة الثقافية أنهم يختزلون السياحة في جانب واحد هو السياحة الترفيهية التي تحتاج إلي بنية تحتية لا تتوفر في موريتانيا وفاجـأني أكثر أن معظم التكنوقراط الموريتانيين الذين تحدثت معهم لا يعون أن موريتانيا مؤهلة لتكون دولة سياحية بامتياز بل الغريب أن لا أحدا ممن تحدثت معهم اطلع علي تقرير لجنة الخبراء السنوي رقم LCTU67893 في المنظمة الدولية للسياحة الصادر في 23 أكتوبر 2012 الذي ينص علي أن موريتانيا تمتلك كل المقومات لتكون الدولة الرابعة عالميا في مجال السياحة الصحراوية.
بناءا علي خبرتي في السياحة وتحديدا التسويق السياحي أستطيع القول أن المقومات التي تمتلكها موريتانيا في مجال السياحة الصحراوية يفوق ما تمتلكه دولا كالأردن أو ليبيا أو الجزائر التي تعتبر دولا رائدة في مجال السياحة الصحراوية.
الخطوات الإجرائية بشكل موجز
1. إنشاء لجنة عليا من الخبراء والمختصين في الحقل السياحي يضعون خطة عمل متكاملة تشمل:
إعداد كتيب استرشادي عن المنتج السياحي الموريتاني باللغات العربية والانجليزية والاسبانية والألمانية والفرنسية والايطالية والروسية واليابانية والصينية والسويدية في طبعة فاخرة بمعدل 5000 نسخة لكل لغة ( بأسعار السوق العالمية فإن أرخص طبعة فاخرة توجد في مدينة جوانجزو بالصين(83 سنت للمطوية الواحدة): رسوم الطبعة الفاخرة لمجمل الكتيبات الاسترشادية شاملة الترجمة = 4150 دولار أمريكي(لكل 5000 نسخة) x10 (عدد اللغات) + 4200 دولار أمريكي (رسوم الشحن في حاوية نوع 40xHQ من جوانجزو الي ميناء الصداقة في نواكشوط), الإجمالي = 45700 دولار أمريكي.
مطوية تعريفية (Brochure) بالمنتج السياحي الموريتاني لكل موقع سياحي اضافة لمسار الجولة السياحية (itinerary)التي تتراوح من 4 أيام/ 5 ليالي إلي 9 أيام/ 10 ليالي وحسب المعلومات الشحيحة التي تحصلت عليها فموريتانيا لديها 7 مدن تاريخية و46 واحة وموقع سياحي في عموم الصحراء الموريتانية, إذن يتم إعداد 53 مطوية سياحية بعشر لغات بواقع 10000 نسخة لكل مطوية وفي طبعة فاخرة ( بأسعار السوق العالمية فإن أرخص طبعة فاخرة لمطوية من 6 أوجه A4 توجد في مدينة جوانجزو بالصين(25 سنت للمطوية الواحدة): رسوم الطبعة الفاخرة لمجمل المطويات شاملة الترجمة = 2500 دولار أمريكي(لكل 10000 نسخة) x10 (عدد اللغات) + 25000 دولار أمريكي x 53 (عدد المواقع السياحية) + 4200 دولار أمريكي (رسوم الشحن في حاوية نوع 40xHQ من جوانجزو الي ميناء الصداقة في نواكشوط), الإجمالي = 1329200 دولار أمريكي.
إقامة 7 قري سياحية صحراوية (مخيمات صحراوية ثابتة) بجوار المدن التاريخية السبعة بسعة استيعابية تقدر بــــــــ5000 إلي 10000 سائح مع خدمات تضم من 3 إلي 6 مطاعم ومن 25 إلي 50 دورة مياه جماعية بمقاييس صحية وفق معيار QFS ومولد كهربائي ومسرح و5 مطابخ ومعشب نباتي و مضمار لركوب الإبل والخيل 10 خيم للصناعات التقليدية و10 خيم لطقوس الشاي الموريتاني (أتاي) ومركز طبي أولي سعة 10 أسرة. تكلفة إنشاء المخيم الواحد شاملة كل التجهيزات المذكورة أعلاه = 92250 دولار أمريكي(الميزانية التشغيلية السنوية لكل مخيم شاملة الحراسات ورواتب العاملين والوقود والنظافة والطاقم الطبي 26000 دولار أمريكي), التكلفة الإجمالية للمخيمات السبعة = 771750 دولار أمريكي.
المخيمات 43 الأخرى عبارة عن مخيمات متنقلة لذا يمكن استخدام نفس التجهيزات عليه سنكتفي بحساب تكلفة 5 مخيمات متنقلة سعة المخيم الواحد 200 سائح يخيم فردية وثنائية وثلاثية ورباعية وثمانية وجماعية 20 سرير. تكلفة المخيم الواحد = 4000 دولار أمريكي , الإجمالي = 20000 دولار أمريكي.
استيراد 2000 سيارة دفع رباعي بمواصفات السياحة الصحراوية من الصين, سعر السيارة الواحدة 4300 دولار أمريكي(أسعار أغسطس 2013) الإجمالي= 8600000 دولار أمريكي.
المشاركة في أهم 11 معرض سياحي عالمي من المعارض 81 التي تقام سنويا في مواعيد ثابتة هي (معرض أي تي برلين ومعرض ميلانو ومعرض طوكيو ومعرض فانكوفر ومعرض شيكاغو ومعرض باريس ومعرض لندن ومعرض كييف ومعرض جنيف ومعرض ستوكهولم وأخيرا معرض مدريد). تكلفة المشاركة بوفد من 5 أشخاص من الشباب الموريتاني حسن الشكل والهندام الذين يجيد لغة البلد المقام فيه المعرض إضافة إلي اللغة الانجليزية ولمدة أسبوع = 18000 دولار أمريكي (شاملة متوسط سعر تذكرة ذهاب وإياب علي الدرجة السياحية (Y Class) للشخص الواحد= 2800 دولار+ مصروف الشخص الواحد لمدة أسبوع متضمنة السكن والأكل والمواصلات 100 x 7= 700 دولار + متوسط ايجار ستاند (كشك العرض)بأبعاد 2x3 متر=500 دولار).
مصاريف دعاية وتسويق لدي شركة دعاية دولية متخصصة 5 مليون دولار أمريكي.
إجمالي المصاريف = 7184650 دولار أمريكي.
2. القيام تحملة تحسيسية شاملة علي عموم التراب الوطني تشرح أهمية العناية والمساهمة في دعم المنتج السياحي الوطني وتبيان أهميته وجدواه علي الاقتصاد الوطني.
3. القيام بدورات تأهيلية لـــــ50 إلف شاب وشابة للعمل بشكل دائم في القطاع السياحي كمرشدين وأدلاء ومقدمي خدمات برواتب مجزية بعد التأهيل لا تقل عن 1000 دولار في الشهر(أي 300000 أوقية).
4. توظيف 1000 شاب وشابة في مكاتب الحجوزات وتنسيق الجولات ممن يجيدون التعامل مع الحاسوب ويتقنون لغات أجنبية وفي مقدمتها اللغة الانجليزية.
5. توظيف 250 شاب وشابة كموظفي استقبال في المطار بعد تأهيلهم في دورات خاصة.
6. ضرورة توفير الأمن والأمان للأفواج السياحية عبر إشراك رجال الأمن والجيش والدرك والحرس في تأمين القوافل أثناء الجولات علي أن يعطي لكل من المشاركين نفس 1000 دولار في الشهر خلاف راتبه الأصلي.
7. تحسيس الموطنين بعدم إزعاج السياح أو التعرض لهم وسن القوانين الصارمة والرادعة ضد المخالفين.
8. ضرورة إدراج في الكتيبات الاسترشادية و في المطويات تعليمات السلامة التي تشمل عادات وتقاليد بلدنا المسلم(في الأردن وليبيا تشدد التعليمات علي الاحتشام وتمنع تعاطي الخمور أو زيارة أماكن العبادة) والسواح بمجرد قراءتهم لهذه التعليمات يتقيدون بها حرفيا.
9. هناك العديد من التفاصيل الفنية التي لا يسمح المقام بسردها.
10. خطة التسويق يجب أن تستهدف علي الأقل جلب مليون سائح في فترة السياحة الصحراوية التي عادة ما تبدأ من 5 سبتمبر لغاية 5 مارس.
11. في السنة الأولي ونظرا لعدم وجود قطاع سياحي احترافي خاص فانه علي الدولة أن تتولي هذه المهمة علي أن يحل بدلا منها القطاع الخاص تدريجيا. وتقتصر مهمة الدولة بعدها علي الإشراف والتنسيق والجباية وتقديم الدعم اللوجيستي.
إذا نجحت الخطة التسويقية في استجلاب مليون سائح الي موريتانيا خلال موسم السياحة الصحراوية (6 أشهر في السنة) فان متوسط عائدات الجولات التي تتراوح من 4 أيام/ 5 ليالي إلي 9 أيام/ 10 ليالي عادة تكون بين 1280 إلي 4110 دولار أمريكي عن السائح الواحد, أي صافي أرباح (بعد اقتطاع كافة المصاريف التسييرية بما فيها الإيواء والإعاشة والرواتب والتنقل وما إليه) يقدر بـمليار ومائتان وثمانون مليون دولار إلي أربعة مليارات ومائة وعشرة ملايين دولار أمريكي وهذا يسمي الربح المباشر العائد من تسعيرة الجولات السياحية, أما الربح غير المباشر والذي يشمل رسوم ركوب الإبل وشراء العاديات والتحف والتذكارات والصناعة التقليدية والتسوق فهذه يذهب ريعها إلي أصحابها مباشرة وتكتفي الدولة بجباية الضرائب التي لا ينبغي أن تتجاوز 10% من قيمة الخدمة المقدمة أو السلعة المباعة. أي قرابة المليار دولار أمريكي بمعني أن الدولة ستكسب في 6 أشهر 5مليارات دولار أمريكي.
التعدين
هنا سأكتفي بإيراد خام الحديد فقط حيث تقول الإحصائيات أن إنتاج موريتانيا من خام الحديد يقدر بـــــ 12 مليون طن سنويا وبعائدات سنوية تتراوح من 435 إلي 550 مليون دولار أمريكي. هذا لأن موريتانيا تبيع الحديد خاما بسعر يتراوح بين 119 إلي 122 دولار للطن الواحد. في حين أن سعر خام الحديد المصنع تتراوح بين 4572 الي 7654 دولار أمريكي حسب مواصفات ونوع الحديد والحديد الموريتاني ثاني أجود أنواع الحديد عالميا. والطلب علي الحديد الخام متذبذب في الأسواق العالمية بسبب روسيا التي تنتج ربع إنتاج خام الحديد في العام في حين أن الطلب علي منتجات الحديد المصنعة في تزايد مستمر منذ 12 سنة. ماذا لو أقامت موريتانيا بإنشاء مصنع عملاق أو مصنعين لتصنيع فقط مليون طن من خام الحديد لحققت عائدات تقدر بــــ7,7 مليار دولار أمريكي.
تكلفة إنشاء مصنع حديد وصلب بطاقة إنتاجية قدرها نصف مليون طن سنويا تقدر بـــــــــــ233 مليون دولار أمريكي. ويقوم بتشغيل 3500 عامل
يمكن لموريتانيا إنشاء مصنع كهذا عبر القيام بدراسة جدوى كاملة عند احدي بيوتات الخبرة العالمية وتقديمها لأحد الصناديق السيادية 146 الموجودة في العالم والتي بها 63% من نقد العالم ومتلهفة للاستثمار علي أن تقدم موريتانيا شروطا تفضيلية كأن يكون الصندوق شريك في الأرباح بنسبة 10% ولمدة عشر سنوات مثلا.
تخيلوا معي لون أن موريتانيا تقوم بتصنيع كامل إنتاجها أي 12 مليون طن سنويا , يعني 92,4 مليار دولار أمريكي (للعلم تقوم الصين بتصنيع 683,3 مليون طن ولازالت تعاني من عجز يقدر بـــــ14% من احتياجات سوقها المحلية).
الصيد البحري
موريتانيا تصدر ما متوسطه 95 ألف طن من السمك سنويا يدر عليها 303 مليون دولار, علي أساس أن سعر طن السمك هو 3189 دولار أمريكي. في حين أن سعر طن سمك السردين المعلب يتراوح من 17890 إلي 38570 دولار أمريكي فلو فرضنا أن موريتانيا قامت بإنشاء مصنع لتعليب السردين بمواصفات وتقنية يابانية وبطاقة إنتاجية سنوية قدرها 30 ألف طن فإنها ستحقق عائدات قدرها 1,2 مليار دولار أمريكي.
................ يتبع إن شاء الله
د. الحسين ولد الشيخ العلوي
10/12/2013
الحمامات / تونس