الفهم والاحتجاج  / د. شيخنا  حجبو

عند انطلاق البعثات الوزارية الاستقصائية لحال المواطنين في عواصم الولايات ،وبعد مباشرتها لعملها والدخول مع المواطنين في حصر احتياجاتكهم الأساسية  وتحديد الاولويات فيها ،حصلت بعض الانتقادات على إرسال تلك البعثات ،وقال اهل تلك الانتقادات ،انه بدل إرسال البعثات 
والانفاق عليها ،كان من الأحرى دعم الجهات والبلديات
لتتولى القيام بدورها التنموي المحلي ، واعتبر هؤلاء
المنتقدون ان البعثات ،انما صادرت اختصاص الجهات والبلديات ،جهلا منهم لطبيعة الدور الذي انتدبت له تلك البعثات ،وما سيؤول إليه حاصل عملها الاستقصائي  الميداني
مع الفاعلين المختلفين والمواطنين العاديين في الداخل ،فضلا عن اشراك المنتخبين المحليين على اختلاف 
مؤسساتهم ،بلديات كانت ام جهات ام برلمانيين ام نقابيين...
ولو تحرى هؤلاء المنتقدون ،وانتظروا ما ستؤول إليه مخرجات نتائج تلك البعثات لما استبقوا ذاك بالنقد والتقويم 
العاري من الموضوعية ،فقد فاتهم ان مخرجات عمل البعثات
ستعكف عليه لجنة صياغة ، تُشَرِحه وتصنفه ،وتحدد ما فيه
من أمور تعني الجهات والبلديات ويدخل في اختصاصها التنموي ،وتحدد ما يخرج عن ذلك المجال  فتتكفل الدولة بمعالجته واحالته لمؤساساتها التنموية التي تتدخل في كل القضايا التنموية ذات الطابع القومي  كالمشاريع الكبرى التي تحتاج لمزانيات اكبر واضخم من تلك التي  تمتلكها المؤسسات الانتخابية المعنية بالتنمية المحلية والتي يقتصر مجالها التنموي على خدمات متفاضلة المستوى في التنمية المحلية .
آن مجال التنمية المحلية للبلدية اقل من مجال التنمية المحلية للجهة ،ومجاليهما اقل من مجال التنمية المحلية ذات الطابع القومي .
ومعنى ذلك أن مخرجات عمل البعثات سيصنف وفق ثلاث
درجات ،فيه ما يخص البلديات  وسيرد لها وتعكف على انجازه، ونفس الشيئ بالنسبة للجهات كذلك، هذا إن كانت البعثات في دراستها لحاجيات واولويات السكان مع المنتخبين والفاعلين المحليين، قد شملت فيه كل تلك المستويات، اما اذا كانت قد ارتفعت عن ذلك واقتصرت على المجالات التنموية الكبرى التي تخرج عن نطاق التنمية 
المحلية التي تدخل في اختصاص الجهات والبلديات ،وهو الأمر الحاصل عندنا ،فإن تلك الانتقادات ،لا يكون لها من محل ،ولا تنم الا عن عدم الفهم فقط،ومن البديهي انه ما دام صاحب الجهة وصاحب البلدية مشروكان في تشخيص وتحديد حاجات واولويات السكان في دوائرهم الانتخابية
،فإنهما لن يعرضا اي مشاكل تنموية في اختصاصهم،ولن تطرح في جدول النقاش البتة ، نسوق مثالا لنقاش حصل في آدرار ، طرح فيه احد المتدخلين بناء مرحاض، فكان رد البعثة آن مثل هذه الأمور لا يمكن أن تكون ضمن القضايا التي يجب أن تطرح ، لان مثل تلك القضايا من اختصاص البلدية وتدخل في نطاق مهمتها التنموية ،اما عمل البعثة وما تبحث عنه فهو تلك المشاكل المطروحة بالحاح وليس في مقدور 
الجهات والبلديات حلها، لأنها خارجة عن نطاق اختصاصها وتحتاج تدخل الدولة ،نظرا  لطابعها التنموي الكبير والذي يتطلب  ميزانيات كبرى ،وله مؤسسات تتدخل فيه كمؤسسة
تآزر مثلا. 
اما ما يدخل في نطاق الجهات والبلديات ،فهو امر يخصهم
وهم موظفون عموميون بالانتخاب ولهم مجالهم التنموي ،عليهم اتقانه على الوجه المطلوب ،وان لم يفلحوا في ذلك فالصناديق في انتظارهم ،وعلى الاحزاب الا تعيد ترشيحهم ،ان كانوا  قد فشلوا ، وعلى الساكنة ان تحتج ان تقدموا للترشح ،وبذلك يتحقق في المستقبل إحترام ارادة المواطنين واحترام حقهم في التنمية على من يتولاها.
وهنا يتبين لنا أن الاحتجاج مقرون بالفهم ،ولو كان أولئك 
المنتقدون المحتجون على إرسال البعثات لكونها تدخلا في اختصاص مؤسسات التنمية المحلية، قد فهموا الهدف من إرسال تلك البعثات وفهموا المجال الذي ستوظف فيه مخرجات عملها ،لما انتقدوا ارسالها ،وفهموا ان لا علاقة للبلديات والجهات بمخرجات عملها الاستقصائي ،ولكن البعض من اهل هذا الفضاء الافتراضي ،غالبا ما ينقصهم الفهم للأمور  فيركبوا موجة من النقد غير الموضوعي ،وغير المؤسس على معرفة بالامور ،وتلك لعمري خاصية المنتقد المجبول على النقد فقط، وقد فاته ان النقد سلاح بناء ان استخدم بوعي ومعرفة ،وهدام ان استخدم بعكس ذلك ،والانتقاد والاحتجاج الذي حصل في إرسال البعثات كان انتقادا ينقص صاحبه الفهم الدقيق للأمور ،وسيتبن له ان عمل البعثات سيشكل مادة دسمة لوضع سياسات تنموية جائت كحصيلة لمنهج تشاركي كان المواطن فاعلا حقيقيا فيه 
بدل ان كانت السياسات توضع من غير اشراك المستهدف
منها اصلا ( المواطن ،والمواطن الضعيف خاصة ).
                       

22. يناير 2025 - 9:39

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا