من فتق الواقع إلى رتق المشروع الوطني الجامع / إزيدبيه المصطفى عبد الله

قراءة في أزمة النخبة ومسارات التجديد
المجتمع، السلطة، والنخبة ثلاث قوى مرهون بتفاعلاتها مدى استقرار الدولة. إذا وجد اتزان بين أدوارها تحقق الاستقرار السياسي والاجتماعي والنمو الاقتصادي. وإن حدث العكس اختل الميزان. وفي السياق الموريتاني، نحن بعيدون عن خلق علاقة صحية بين هذه الأركان، وهو ما يجعلنا نسير بتخبط فضفاض.
فهل يوقظ المجتمع نخبته أم تنهض من تلقاء نفسها؟ فالنخبة عبر الزمن لها الدور الحاسم في صياغة واقع الأمم وتوجيهها نحو المستقبل. لكن هل تسمح حالة التمزق والتشرذم التي تعيشها النخبة الموريتانية ببعث الأمل في الإصلاح؟ وإن كان الجواب نعم، فهل نملك ردًا على التساؤل: كيف؟ الرد على هذا التساؤل يتطلب تشخيصًا للواقع كي نخرج منه بخلاصات قد تفيدنا في وضع تصور يتيح لنا إعادة توجيه البوصلة.
أولاً: أزمة النخبة بين المظاهر والجذور
1. الانفصال عن الواقع وأسبابه
ضعف التواصل مع الشعب جعل النخبة غير قادرة على إدراك ماهية المعاناة التي يعيشها المجتمع. يعزى ذلك إلى غياب مشاركة شعبية حقيقية وهيمنة ثقافة النخبوية الضيقة، حيث تنشغل النخبة بأجندات فردية أو جماعية لا تلامس أولويات الشعب.
2. غياب المشروع الوطني الجامع 
حالة التشرذم والانقسام الفكري والسياسي، وكذلك الولاءات الضيقة (القبيلة، العرق) كلها عوامل حالت دون خلق مشروع جامع. تعود جذور هذا الوضع إلى ضعف الولاء الوطني وسيطرة الولاءات القبلية والجهوية، ما يعرقل تصور رؤية استراتيجية موحدة.
3. الأزمة الأخلاقية والسياسية
هيمنة ثقافة الفساد والمحسوبية داخل الأوساط النخبوية أدت إلى تآكل الثقة بين الشعب ومؤسسات الدولة. يُضاف إلى ذلك الانتهازية السياسية التي تغلب المصلحة الفردية على المصلحة العامة، مما يعكس انهيار منظومة القيم.
4. ضعف البناء المؤسسي
غياب التخطيط الاستراتيجي، ضعف المؤسسات، واستغلال النفوذ أدى إلى استدامة الفشل في تحقيق العدالة والتنمية. 
5. التبعية الفكرية والسياسية 
اعتماد بعض النخب على الدعم الأجنبي  أثر على السياسات وفرض أجندات لا تتماشى مع الاحتياجات الوطنية
6. التوترات الاجتماعية والاقتصادية
اتساع الفجوة الطبقية و ضعف السياسات التنموية وغياب العدالة الاقتصادية كلهاعوامل تغذي التوترات الاجتماعية والاقتصادية.
ثانيًا رؤية لإعادة البناء
1. صياغة مشروع وطني جامع
* إطلاق عقد اجتماعي جديد: يستند إلى العدالة والمساواة و الإرث الثقافي المشترك لدعم الوحدة الوطنية وتجاوز الخلافات .
* تعزيز الهوية الوطنية: من خلال سياسات ثقافية وتعليمية تُعلي من قيم المواطنة.
2. إصلاح المؤسسات السياسية والاجتماعية
* تعزيز استقلال المؤسسات: إعادة هيكلة القضاء والإدارة لضمان الشفافية والنزاهة.
* إصلاح النظام الانتخابي وتعزيزالديمقراطية
3. مكافحة الفساد 
 إنشاء هيئات رقابية مستقلة: لتعزيز الشفافية ومحاسبة المتورطين في الفساد وتعزيز ثقافة المساءلة.
4. تحقيق العدالة الاجتماعية
 معالجة الفجوات الاقتصادية من خلال سياسات تنموية شاملة تُعزز التوازن بين المناطق.
5. الاستثمار في التعليم والتثقيف السياسي
6. تعزيز قيم الشورى والتكافل : استلهام روح الشورى كأساس لصنع القرار المشترك، وتعزيز التكافل وثقافة التسامح و السلم الأهلي
إن الانتقال من “فتق الواقع” إلى “رتق المشروع الجامع” يتطلب إرادة صادقة، وقيادة جريئة، وإصلاحات شاملة تستند إلى قيم العدالة والمساواة. بإعادة بناء النخبة على أسس أخلاقية ووطنية، وهوماسيمكننا من تحقيق التماسك الاجتماعي وتوجيه موريتانيا نحو مستقبل مستقر ومزدهر، يكون فيه المشروع الوطني الجامع هو البوصلة التي تجمع الجميع تحت راية واحدة.
إزيدبيه المصطفى عبد الله

22. يناير 2025 - 9:49

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا