بدأت شركة معادن نحاس موريتانيا "MCM" استغلال النحاس والذهب في منجم "أم أكرين" بداية سنة 2005، حيث لم يكن العمل مرغوبا فيها لضعف الرواتب التي تسدد للعمال، ومشقة العمل الذي تقوم به آن ذاك، ولكن ،
ومع نهاية العمل التحضيري، بدأ العاطلون عن العمل بالتوافد ، من داخل الولاية ومن خارجها، على الشركة للتسجيل على لوائح عمالها، وبما أن النظم التعليمية للبلد لا تواكب التطورات الاقتصادية، فكانت غالبية عمالة هذه الشركة الفتية ــ في تلك الفترة ــ خصوصا في المجال التقني والفني، من الأجانب، الذين حازوا حصة الأسد من حيث القيمة والاعتبار.
ومنذ ذلك الحين، أي فترة بداية الإنتاج، بدأت الشركة في سياستها الانتهاكية والاستعمارية، بدأ باستنزاف الثروة المعدنية، في تجاوز صارخ لكل القوانين والنظم والأعراف، وحتى الدين ، خصوصا بعد ما تبين لها أن الدولة هي من يمهد لها الطريق، ويحميها ضد كل من تسول له نفسه الدفاع عن حقه أو عن وطنه! ولعل المتأمل في ضحايا هذا المجتمع الصغير، يدرك ذلك بسهولة. فقد مات الكثير من حيوانات المنطقة سبب تلوث البيئة الطبيعية، بما في ذلك المياه السطحية والجوفية، بل وتلوث المناخ بصفة عامة . و يعتبر انتشار الموت الفجائي، وحالات الإجهاض التي عرفتها المدينة ـ في فترة قريبة ـ خير دليل على ذلك، كما قد تلوثت البيئة العلمية بسبب نزوح الطلاب عن الدراسة والعمل في الشركة التي لا تميز في اكتتابها بين القاصر والبالغ ، كما أن لها الدور البارز في تحطيم القيم الأخلاقية لمجتمعنا المحافظ ، من خلا انتشار المخدرات ، وجرائم الاغتصاب.
ولعل طريقة اكتتاب عمال الشركة، وفصلهم ، توضح تجليات أبشع صور تلك السياسة، حيث شرَّعت الشركة لنفسها قانونا اكتتاب يعتمد على المحسوبية والزبونية والجهوية والقبلية ، وحتى العنصرية، ونفس الشيء ينطبق على الفصل التعسفي والتسريح الجماعي، الذي عودتنا عليه هذه الشركة، صبيحة كل يوم، بعدما تتأكد أن المفصول أصبح مريضا لا يمكنها الاستفادة منه ، حينها ترميه في عالم الفقر بعدما أعجزته وأمرضته ، بل وأكثر من هذا كله ، تلاعبت الشركة بأجور العمال وملحقاته، وغيرها من الحقوق التي لا يحصل العامل منها إلا على القليل، وبشق الأنفس اولا .
وحين سولت لهؤلاء العمال أنفسهم أن يطالبوا بحقوقهم القانونية ، وبتحريض من بعض النقابيين، الذين سرعان ما نكصوا على عقبيهم ، بعد أن باعهم بعض أصحاب الضمائر الميتة بثمن بخس دراهم معدودة ، لا تساوي دمعة واحدة لأم "المشظوفي"، ولا دقيقة في مخفر شرطة "الشركة"، بل إن المكسب الذي حصل عليه العمال، تم الالتفاف عليه من الرفاق المناديب، وانقلب إلى ضده، فأقسموا بأغلظ الأيمان أن يسيروا مطأطئي الرؤوس مدة حول ونصف، على الأقل "18شهرا" وهكذا خلا لك الجو فبيضي واصفري... أكل الثور الأبيض والأسود والأحمر، إنه المنطق الاستعماري "فرق تسد"، ليس من طبيعته العهد ولا من شيم قومه، لكنه الجبروت والتحكم المطلق، قالها قبل أربعة أشهر: "سأفصل 250 عاملا نظرا لأسباب ..... " ـ واهية طبعا ـ ظن العامل البسيط أنه "مواطن" والمنجم "مواطن" وأن الأمر ربما يعني العمال الأجانب!؟
باركت الدولة قرار المستعمر الجديد، طالبة منه فقط تأجيل تنفيذه حتى يدلي هؤلاء بأصواتهم لرب عملهم ، وسرعان ما سخرت الدولة أمنها لهؤلاء العلوج، وشذاذ الآفاق، ليتم خرق القانون تحت حماية رجال القانون: (الدرك والشرطة). وقبل ليلة من جريمة الفصل الأخير، الذي قامت به إحدى مقاولات MCM وهي: (SMBTD_APRESCOGE ) رقص بعض سكان المدينة وعمالها على نغم كلام السياسيين خارج المدينة وظنوا من خلال ذلك الكلام أن لهذه المدينة أبناء يحمونها ضد كل خطر محدق يلحقها أو يلحق ساكنتها، لكن الخيط الأبيض سرعان ما كشف ذلك الوهم ليجد "زيد" بعدما يضع بطاقته في بوابة الباب الآلي للشركة أن الباب قد أمر وأن دخوله هو و 165 من زملائه إلى عالم البطالة والفقر شيء محقق .
لكن الملفت للنظر أن الفصل بهذا العدد ـ الكبيرـ تشترط له مدونة الشغل الموريتانية والاتفاقية الجماعية للشغل شروطا يجب توفرها، ولكن نسي المشرع الموريتاني أن هذه الشركة فوق كل القوانين، فخرجت عن تلك القواعد لتقول للعامل الضعيف المفصول: أنت المغترب لأنك في وطن يحميني ضدك، لا العكس، لهذا سرحتك بطريقة غير قانونية، ولا أخلاقية، ودون سابق إنذار، مع الإصرار والترصد، لم يخضع هذا الفصل لأي معيار! بل استهدف، بصفة خاصة ومقصودة، الفئات الضعيفة والهشة، ففصل الشيخ الهرم الضعيف المعيل الملتزم، وأُبقي على الشاب القوي الغني الذي لا تعرف فيه الشركة سوى النوم، كما تم فصل المعاق، بعد أن سلب مصدر رزقه ـ أعضائه ـ وفصل الرجل الضعيف ذا الاخوات العشر ومن الأبناء ايضا مثلا ، أقل ما يمكن أن يقال أن هذا فصل تعسفي وانتقام من عدو، وقريبا سيُفصل آخرون، وليذهب الجميع إلى الجحيم.. هذا هو منطق المستعمر الكندي الجديد، والتعلم أيها المواطن البسيط، والعامل الحبيب، أن ما قامت به الشركة، قليل من كثير، ولعل الأيام القابلة ستكشف لك عن ما هو أسوأ، فالتناضل من اجل نفسك وأبنائك ووطنك، تحرك فما أرى غيرك يقدر، تحرك لترد عن نفسك وعن غيرك هذا الظلم الجائر، وتأكد بأنك لن تجد حقك على طبق من ذهب، فالحقوق تنتزع ولا تعطى، وأهديك قول أمير الشعراء:
وما نيل المطالب بالتمني **** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا