أردت أن أعنون مقالي حول غزة بعنوان مركب فأحجمت الكلمات عن التركيب، فكلما ركبت عنوانا وجدت غزة أقوى من التركيب، لذلك وجدتني أعنون بها فقط "غزة"
غزة الأيقونة المعجزة
غزة القضية الأسطورية
غزة القصة التاريخية العميقة
غزة القسام، غزة القدس، غزة الصمود، غزة المقاومة
أحس و أنا أكتب عنك أنني أمام شأن عظيم، و مقام كريم.
كأن الحروف حين أسطرها تنبض بالهيبة و القدسية، و كأن الكلمات تغني أنشودة العز و الكرامة، و كأن الجمل تتجسد إنسانا غزاويا يمشي متبخترا على البساط الأحمر.
فأنت معجزة القرن التي مزقت صفقة القرن.
أنت صورة موجزة لما ينبغي أن تكون عليه الأمة الإسلامية و العربية من الإيمان و الثبات و الأداء.
خذلك القريب و تكالبت عليك الأعداء، فأعتى قوى العالم اليوم رمتك بثقلها و جهزت جيشها بالعتاد الحديث و الجنود المجندة، و رغم ذلك لم يستطيعوا إخضاعك، و رجعوا مقهورين، لم يحققوا هدفا سوى كشف القناع عن وجههم القبيح الذي لطالما جملوه بمساحيق الديمقراطية الزائفة، و القانون الأعرج و الإنسانية المتوحشة.
اليوم عرفنا من خلالك ماذا يعني أن تكون إرهابيا بمفهوم الحداثة الغربية المتهورة، و ماذا يعني أن تكون إنسانا مسالما سويا تحب الحياة بمفهومهم.
فالحفاظ على حرقة الوطنية و التمسك بالمبادئ و التشبث بالدين، هو الإرهاب الذي يخافونه.
و التخلي عن الوطن مقابل المساعدات، و بيع الضمير و ترك الدين، هو السلم و المسالمة التي يريدون.
دروسك يا غزة ستبقى محفورة في ذاكرة كل حر أبي، يتعلم منها معنى الحياة من أجل الموت و الموت من أجل الحياة.
يتعلم منها كيف يكون إنسانا ثابتا لا ينحني إلا لله الواحد الأحد الذي خلقه.
يتعلم منها كيف يصفع عدوه صفعة قاضية، و لو كان في سجن و تحت القصف و التدمير و بين أنقاض ركام المنازل.
أتذكر و أنا أكتب عنك الجيل الأول من الصحابة،
يذكرني حالك و قد ضاق الخناق عليك و تخلى عنك الجميع و أنكفأ عليك العدوان الصهويني يقتل و يعذب، حال آل ياسر و هم يعذبون، و الرسول يقول لهم "صبرا يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة"، ثم أقر التاريخ و هو يكتب عن سمية أم آل ياسر بأنها أول شهيدة في الإسلام بعد أن تحدت أيا جهل و ثبتت على دينها رغم العذاب و التنكيل.
يذكرني حال أسراك و هم يعذبون و العدو يقتل و يبيد و يستبد حال بلالا حين يكرر "أحد... أحد ... أحد"، و قد وضع كفار قريش صخرة على بطنه في رمضاء مكة، ثم اقرأ التاريخ يحكي عن بلال في غزوة بدر و هو يبحث عن أمية ليقتله شر قتلة و يحقق الله ذلك له.
و يذكرني حالك و أنت تحاصرين من كل الجوانب فلا غذاء و لا ماء و لا دواء و لا كهرباء، حال حصار بني هاشم و بني المطلب و بني عبد منافي و مقاطعتهم في الشعب، من طرف مشركي قريش، ثم أقرأ التاريخ و هو يكتب أن الرسول صلى عليه و سلم يخبر عمه أبا طالب بأن الله قد سلط الأرضة على صحيفة قريش فلم تدَعْ فيها اسمًا لله إلا أثبتته فيها، ونفت منها الظلم والقطيعة والبهتان.
و يذكرني حالك و أبطالك يحفرون الأنفاق مقاومين عن دينهم و عرضهم و أرضهم و الحصار يخنقهم، حال رسول الله صلى الله عليه وسلم و المسلمين في المدينة حين حاصرهم الأحزاب و تآمر عليهم اليهود و المشركين، فأشار سلمان على رسول الله صلى الله عليه و سلم بحفر الخندق، فأخذ بمشورته و شارك الرسول صلى الله عليه و سلم في الحفر و هو يربط على بطنه الشريفة بحجر من شدة الجوع، ثم أقرأ التاريخ و هو يحدثنا أن الأحزاب جاءتهم ريح فتفرقوا و انهزموا شر هزيمة.
و يذكرني حالك و انت تُخرجين الأسرى بصفقة مشرفة، حال عبدالله بن حذافة، و هو أسير عند الروم ، حين عجز قيصر عن إخضاعه، رغم انواع الترغيب و الترهيب، ليعرض عليه في نهاية المطاف تقبيل رأسه مقابل إطلاق سراحه، فيقبل بشرط إطلاق سراح جميع أسرى المسلمين، ثم أقرأ التاريخ و هو يكتب بعد أن أطلق سراحه، أن عمر بن الخطاب قبل رأسه و قال: حق على كل مسلم أن يقبل رأس إبن حذافة.
و حق على كل مسلم أن يقبل رأس كل غزاوي.
فأنتم تمثلون لنا يا غزة الكثير،الكثير
ونحن في العالم الإسلامي و العربي حين ننظر شمالا و جنوبا و غربا و شرقا لا نجد إلا التيه و الإستسلام و الخضوع، فننظر إليكم فإذا بنا نتنفس الأمل و نستشرف المستقبل بكم، و نستعيد برؤيتكم بعض رونق الحياة الصادقة، الهادفة، العامرة بقوة الحق و نضارة الإيمان.
فطوبى للأمة بكم و طوبى للأمة بقسامكم و جهادكم و كل فصائلكم.
و سلام عليك يا غزة العزة، و رحمة الله و بركاته.