قطاع الداخلية ركيزة الحكم وزينته وهو منبع أخبار المواطنين وأحوالهم وهو الأداة الزاجرة لكل أدوات النفوذ بحكم ترأس ممثليه في المناطق الداخلية على كل السلط والمصالح، فهو وجهة الساسة وممثلوا الجماعات القروية والمحلية في يسرهم وعسرهم، وفرحهم وترحهم، ظالمين ومظلومين،
وممثلوا هذا القطاع في الداخل في الغالب أطر أكفاء من أهل التجربة والشأن حكاما وولاة وأعوانا، وأطر القطاع على المستوى المركزي متميزين بحكم مؤهلاتهم وتجاربهم ، وقد ساهم هذا القطاع في تأسيس الدولة الموريتانية أيام نشأتها فقد كان المعلمة الوحيدة التي بينت أن أبناء موريتانيا قادرين على حكمها بفضل وزراء وولاة لهذا القطاع استطاعوا بكل جدارة مواجهة التحدي وبرهنوا على قدرتهم على تهدئة المخاطر التي هددت في مراحل معينة كيان الدولة الموريتانية حين كانت القبلية والجهوية في أوجهما فكانوا أكثر قدرة على التعاطي مع كل المستجدات أكثر من سلفهم الفرنسيين الذين خلفوا تركة القبلية قائمة وبشكل فظيع ، لقد بقيت أسماء وزراء هذا القطاع وولاته وحكامه خالدة في ذاكرة أجيال موريتانيا يبلغها كل جد لاب، وكل اب لأبن، اعترافا من ذلك الرعيل وذلك الجيل لوفاء الأبطال.
لقد كانت حقيبة الداخلية أهم وزارات السيادة وأكثرها حضورا وكان وزرائها في غالب الأحيان أصحاب فلسفات معينة من حيث ثقافتهم وتجربتهم وولائهم للرؤساء وهي الوتيرة التي سار عليها كل الرؤساء أيام قوتهم ويلاحظ أن الانقلابات والزوابع التي وقعت للرؤساء وقعت أيام إسناد الحقيبة لوزراء غير مجربين.
فخامة الرئيس لم يكن ذلك شأن الرؤساء الموريتانيين بل سار على هذا النهج كل القادة والرؤساء في العالم وهو الدرب الذي تيقنوا أنه السبيل لتثبيت الحكم وظل سائدا حتى يومنا هذا .
فهذا الملك محمد السادس وبعد أن قرر قبول التعددية وإشراك أحزاب أخرى يستثني ممثليه في الأقاليم الداخلية وسفراءه في الخارج من اجتهادات واقتراحات الحكومة، فيبقون ممثلين لجلالة الملك لا سلطة لأحد عليهم، ويختار للحقيبة المهندس محمد حصاد خريج بول تكنيك بفرنسا ووزيرا منذ العام 1993 ،ومديرا للخطوط الملكية ورئيسا للجمعية الدولية لأرباب النقل الجوي ومن قبله عين محمد العنصر الذي ترأس هيئة البريد وتولى وزارة الفلاحة والتنمية في المغرب ووزير دولة في حكومة عباس الفاسي قبل أن عين وزيرا للداخلية في حكومة بنكران، وهو مع كل هذا ظل أمينا عاما للحركة الشعبية منذ العام 1986 ، أما إدريس البصري الذي سبق الاثنين فقدراته وعلاقته وولاءه للأسرة وللحسن الثاني منذ 1970 معروفة.
وهذا الطيب بلعيز وزيرا لداخلية الجزائر وهو وزير منذ 2003 للتشغيل والتضامن الوطني، ووزيرا للعدل، حافظا للأختام، ورئيسا للجنة الوطنية لإصلاح العدالة 1999، وعضو مؤسس للجمعية الدولية للمسئولين عن الفساد.
وفي السنغال أوكلت الحقيبة للسياسي والاقتصادي المخضرم أمباي تشام ومن قبله بكاي جوب وعثمان أنغوم وماكي صال الرئيس الحالي.
إن جميع هؤلاء إضافة إلى مؤهلاتهم الأكاديمية والسياسية يتقنون في غالبهم أكثر من ثلاث لغات فلا يستطيع أي من معاونيهم التطاول عليهم بقدراته في هذا المجال وهم قادرون على مناقشة نظرائهم من وزراء الداخلية في العالم ولن يستعينوا بأحد في ترجمة بعض المرسلات التي يكون طابعها في بعض الأحيان سريا.
فخامة الرئيس حاولت أن أعطي أمثلة حية من شبه المنطقة ناهيك عن قادة آخرين احتفظوا بهذه الحقيبة لأنفسهم مدركين أنها أداة الحكم وفسيفساؤه التي بها يتجمل وتحتاج إلى كثير من الولاء والحضور.