لتذهب الديمقراطية إلي الجحيم / محمد محمود ولد بكار

حينما صدر مقاله " محوا للعار " طلبت من السيد محمد يحظيه ولد أبريل الليل لقاء شخصيا عاجلا فكان رده بأنه هو من سيزورني في مكتبي في جريدة العلم ضحى الجمعة ،ودون أن يشوب مسلكه أي تذلل قدم إليَ في نفس الموعد ،كنت أقدرالمهابة السياسية التي تكلل هامة

 ذلك الرجل و التزامه الإيديولوجي، ومع ذلك أطلعته دون مواربة علي مخاوفي من أن مقاله يمثل مرجعية للجهود الرامية للتأجيج والإطاحة بالرئيس المنتخب سيدي ولد الشيخ عبدالله عبر قنوات غير ديمقراطية وتأثيرات ذلك على محظيتنا الديمقراطية ، تناولنا أطراف حديث صريح وعميق ،لكن المفكر الكبير فاجأني في نهاية الحديث بقوله : من قال إننا نريد الديمقراطية .

الديمقرطية ليست من إنتاجنا ،لقد جاءت ضمن الإملاءات ....أطرقت مليا من هول الخلاصة وإزدادت مخاوفى، فالشخص الذي يخاطبني من صناع الرأي العام في البلد وقوي الفراسة ... حصلت على لقاء عاجل بالفريق محمد ولد الغزواني، بادرته بالحديث " .....تعلم السيد الفريق أن تسويق إنقلاب 2005 كان من أصعب المهام رغم انسجام الطبقة السياسية حول تأييده والدفاع عنه ، الأهداف الكبيرة التي دفع بها الموريتانيون للعالم هي التأسيس لنظام ديمقراطي جاد يدعم فرص التناوب السلمي وينهي طموح الجيش في السلطة ،وها أنتم اليوم ومن مواقعكم العسكرية تحركون البرلمانيين والسياسيين للتأثير علي الحياة السياسية وتعطلون مسار المؤسسات الدستورية ،هذا ضد وعكس العقد السياسي والأخلاقي الضمني مع الشعب والذي تم تجسيده في حزمة الإصلاحات القانونية عبر الأيام التشاورية .... أجابني بعد أخذ ورد "... نحن نموت دفاعا عن الرئيس سيدي وعن الديمقراطية ..." لم يمض على ذلك اللقاء شهران حتي أطيح بالرئيس سيدي بانقلاب عسكري كان ولد الغزواني هو الشخص الثاني في ذلك الإنقلاب ، ووضع كلا من سيدي والديمقراطية في السجن . ليس هنالك بد من التذكير بأن أكثر الذين كانوا يفيضون غبطة وسرورا هم منتخبو الشعب وكانوا هم الذين روجوا للإنقلاب قبل وقوعه ودافعوا عنه في المحافل الدولية بعد ذلك ،الموقف الذي يستحق التوبيخ من العقل البشري .

زعيم المعارضة الديمقراطية هو الآخر انضم لذلك الإنسجام ورحب بإنقلاب عسكري علي مشروعية سياسية أولي في البلد ، كانت من أولوياتها وضع حد لعبثية العسكرالمستمرة منذ 1978 . الديمقراطية ليست هدفا عند الموريتانيين بقدرما هي شعار يلوح به السياسيون في الهواء ويهوون به إلي الأرض : مطية يركبها الجميع، بين الذي ينقلب عليها رافعا شعار إصلاحها أو الذي يرفع شعار حمايتها من أجل أن توصله للسلطة أو لمآرب شخصية وعندما يتحقق أيا من تلك الأهداف ، لتذهب الديمقراطية إلي الجحيم . . مرة أخري وأثناء التفاعل السياسي طالبت المعارضة الديمقراطية بتعليق الدستور "الوثيقة الأم " لقاء البحث عن إتفاق بين الفرقاء ينهي الأزمة السياسية ،وكأن الدستور الذي ألبسناه حلته الخامسة ـ أخذا بكل الإصلاحات ـ لا يتضمن أي مواد تعالج الخلل في الممارسة السياسية ، أليس من العبث إحاطته بكل هذه الطنافس والبهرجة المعنوية التي توحي بقدسية لا أثر لها في الواقع ، فالكل يعرف أنه لايزن جناح بعوضة حينما نتعرض لأزمة دستورية . ومع كل ذلك لازلنا نتعارض مع أنفسنا حينما نظهر وكأننا نسعي بنشاط غير عادي إلي إستكناه مغزي الديمقراطية من إصلاحه . إن الواقع وعلي نحو قاطع يكمن في انعدام تعلقنا بالديمقراطية وفق أهميتها الحقيقية بإقامة معايير شاملة ومفتوحة للمشاركة في النظام الأساسي تسمح وباستمرار، لجماعات جديدة ومصالح إجتماعية جديدة بالتعبير عن ذاتها بالإنضمام للتوافق العام .

إن غياب هذا الفهم الصحيح داخل النخب هو النتيجة التي توصل إليها ذلك العجوز المتبصر من أن الديمقراطية ليست من إنتاجنا ، ولاتملك أي جذور بأرضنا ، وبالتالي لم تستطع عقولنا ولا وعينا ولانضالنا أن يخلق أي نوع من التعلق بها. ا

لحوافز التي يملكها القادة السياسيون والطلائع في الدفاع عن النظام الأساسي ومنحه القوة اللازمة للدفاع عن نفسه في مواجهة الإستبدادات لا توجد عند الموريتانيين . ولا يوجد التفويض لأي وثيقة لتملك القدرة علي حل المشاكل التي وضعت أصلا من أجلها . فكل الإصلاحات تبقي دوما في محلها الذي هو في الأساس حبر علي السجلات والوثائق ولاتحظي بالممارسة ولا المتابعة . فأي شكل بعد ذلك من الديمقراطية نريد بناءه ،إن الديمقراطية التي نسعي لبنائها هي تلك التي تحافظ علي أصحاب العقول الصغار في الواجهة وتحتفظ ببعض المظاهر الشكلية التي لاتسمح بالتناوب مطلقا . فلايثير كثيرا من العجب أن التاريخ مليء بالقيادات أو من الطلائع البليدة القائدة وغير الواعية للتغييرات الإجتماعية والسياسية التي تجري أمام أنظارها بفعل الإستبدادات العديدة . لايوجد من بمقدوره تخمين إن كانت هذه الإستبدادات لن تهددنا ثانية وثالثة ورابعة .......وإلي أي مدي من الزمن ستظل مشكلة مطروحة لنا .

التساؤل أكثر إلحاحا وجدية مع إستمرار النخب في تبني الإخفاقات في مجال الديمقراطية والحوكمة والتصفيق المذل لها. فلا تزال الأغلبية تحتفي بمسار التراجع الذي يقوده محمد ولد عبد العزيز وبأسطع نحو في ثلاث محطات الأولي 2008 في انقلابه العسكري الذي خلف دمارا هائلا للتوافق السياسي حول الأهداف العليا للإنسجام : نظام شرعي شمولي يدعمه الجميع ويهدف إلي حل أزمة التناوب السلمي علي السلطة . ووقف التوترات الإجتماعية التي تسبب فيها غياب مناخ الثقة في النظام وفي المؤسسات التي ظلت تعمل خارج المبادئ العامة وأهداف الدستور الوطني التي هي الحرية والعدالة والمساواة . خلق نظام يعمل بهدوء وقادر علي معالجة المصالح المتأزمة التي يخلقها عالم اليوم. إضافة إلي الآثار الجانبية المترتبة علي ذلك الإنقلاب: ذبول الهيبة والمكانة العظيمة التي حظيت بهما موريتانيا في المحافل الدولية عقب نجاح مرحلتها الإنتقالية بصفتها وصيتها ،فقد أمست موريتانيا ضيف شرف علي كل مأدبة ديبلوماسية ، وحاضرة في كل المحافل ونموذجا يحتذى في المقالات الرصينة التي تتحدث عن الديمقراطية في العالم الثالث قبل أن تتراءي خيبة الأمل في الأحكام الصادرة في نبرة الكتاب والمفكرين عقب ذلك ، كما خسرت بصفة تلقائية كل تلك الهبات والتمويلات الكبيرة لتعزيز قدراتها الإقتصادية والسياسية تكريما لها علي النجاح .

ولم يتوقف الضرر عند هذا الحد فقد إنهارت الثقة في الأسس والمرجعيات القانونية وذهبت جهود الأيام التشاورية الحاسمة والأولي من نوعها في البلد ، سدي. كما أضحت المنشآت الديمقراطية هي الأخري غير ذات مصداقية ، وعاد الطموح لممارسة السلطة للجيش ، وهو أسوأ ما في الأمر . لقد أحدث هذا الدمار نارا كبيرة ظلت نخبة الموالاة تتراقص علي ضوئها ناسية أومتناسية أنها ترقص علي ضوء المحرقة التي ستحرق النظام والآفاق في البلد .

أما المحطة الثانية فتتجلي بأسطع نحو في صياغة كافة التبريرات لتحطيم المؤسسات الدستورية ومبدأ فصل السلطات وطمس جميع الإصلاحات وإعاقة عمل المؤسسات الدستورية أي الوقوف ضد فاعليتها ،وتمجيد قدرة الفرد الخارقة القادرة علي صنع المعجزات وقتل سلطان القانون ، فقد عاد القضاء أدراجه مرات إلي الوراء وإنغمس في تصفية حسابات شخصية وسياسية مكشوفة منذ الوهلة الأولي ، كما حافظت "الهابا" علي نمط من التبعية المخل بالشرف حيث منحت قانتين ومحطتين إذاعيتين لمحمد ولد عبد العزيز بالوكالة ولبعض مخبري السلطة والمتعاملين معها للبقاء في مستوي من الحضور .

أما المحطة الثالثة فتتمثل في تحطيم جميع جهود الفرقاء في إعادة بناء الثقة في النظام وفي المسار من خلال الإخلال بالتعهدات والإلتزامات ودفع اللجنة المستقلة للإنتخابات إلي الإخفاق القاتل بسبب التبعية لجهاز الدولة وعدم النزاهة والحياد والعودة بالدولة إلي التدخل السافر في العملية السياسية لصالح الطرف الحاكم بشكل فج وغير مسبوق .فليهنأ الشعب الموريتاني بالعيش عشرين سنة القادمة تحت حكم الطغمة ولتذهب الديمقراطية إلى الجحيم.

29. ديسمبر 2013 - 12:28

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا