مكنت الانتخابات البلدية والتشريعية التي جرت يومي 23 نوفمبر و 21 ديسمبر 2013، في عموم موريتانيا؛ من رسم خارطة جديدة للمشهد السياسي في البلد، ومن استخلاص جملة من الدروس والعبر التي يتعين على الفاعلين السياسيين في هذا المشهد أخذها في الاعتبار والتعامل معها على محمل الجد، خلال المراحل اللاحقة من أدائهم ونمط تعاطيهم مع جمهور الناخبين في كل الدوائر والتجمعات الجهوية و المحلية..
ولعل أبرز ما يستوقف المراقب اليقظ، والمحلل الفطن، في تلك المعطيات الجديدة؛ من حيث أبعادها وسياقها والإشارات المنبعثة منها؛ هو الخصوصية البارزة والتميز الملحوظ الذين انفردت بهما مقاطعة مقطع لحجار بولاية لبراكنة؛ على اختلاف مكوناتها الاجتماعية وتعدد دوائرها الانتخابية وتشعب خلفيات ناخبيها..
أثبت أطر هذه المقاطعة التي ظلت تصنف على أنها "متمردة"، في ظل مختلف أنظمة الحكم المتعاقبة على السلطة في البلد منذ الاستقلال، متانة اللحمة بينهم وبين القواعد الشعبية العريضة في كافة قرى وبلديات مقاطعتهم، وفي عاصمتها أيضا.. فلم يحقق أي من الأحزاب السياسية التي نافست الاتحاد من أجل الجمهورية أي فوز في دائرة واحدة، لا على مستوى البلديات ولا على مستوى النيابيات، حيث خاض هؤلاء الأطر حملة سياسية محكمة لصالح الحزب الذي يمثل توجهات وسياسات برنامج رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز؛ الذي سبق أن أثبت لهم تجاوبه التام مع مطالب السكان وحقق أهمها، بعد عقود من المعاناة والتهميش والحرمان..
الدرس الثاني المستخلص من نتائج الاقتراع الأخير في مقطع لحجار تمثل في صدق التزام ومواقف الطبقة السياسية المحلية وأطر المقاطعة..
فبعد أن كان هؤلاء يتبنون موقفا مخالفا لسياسات النظام، في فترة سابقة، ومنحوا الفوز لحزب من المعارضة الحالية؛ هاهم ـ اليوم ـ يمنحون الثقة لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية عملا لا قولا، ما يعني أن هذه المقاطعة تنعم بعملة نادرة في باقي ربوع الوطن، ألا وهي صدق المواقف واقتران الوعد بالإنجاز..
أما الدرس الثالث فهو استمرار تطور الوعي السياسي لدى نخبة مقطع لحجار وأطرها.. ذلك أن تقلب موازين القوة السياسية في هذه المقاطعة، وفق تقييم أطرها وسياسييها، ينطلق من تشخيص عميق وتحليل دقيق لمختلف الأطروحات السياسية والبرامج الانتخابية، وفوق ذلك، حصيلة أداء كل مرحلة على انفراد.
وهناك درس آخر لا يقل أهمية عن سابقيه يعكس تميز مقطع لحجار؛ بلا منازع؛ في مجال كفاءة أطرها على التعبئة الانتخابية وتوحيد الجهود خدمة للمصلحة العامة لقواعدهم الجماهيرية..
ذلك أن مقاطعة مقطع لحجار كانت الوحيدة، في عموم موريتانيا، التي لا يوجد منها وزير في الحكومة، ولم يزرها أي وزير طيلة الحملة وخلال مرحلة ما بين الشوطين؛ ومع ذلك فاز فيها الحزب الحاكم في البلديات كما في النيابيات..
ولعل سر هذا التميز اللافت للانتباه يكمن في "لامركزية" الأداء السياسي للأطر، حيث عمل كل منهم، من موقعه، وحسب إمكانياته المعنوية وكفاءاته الذاتية؛ في جو من التعاضد والتضامن النادرين، وبعيدا عن أي شكل من أشكال الصراعات الداخلية والتجاذبات المحلية الهدامة، التي عصفت بالحزب الحاكم وبأحزاب عتيدة أخرى في معاقل لم تكن تخشى الهزيمة فيها على الإطلاق..
ومن هذا المنطلق يجدر التنويه بمدى قوة و تماسك أطر مقاطعة مقطع لحجار؛ ومن ورائهم السكان؛ بشريكهم السياسي .
ومن أبرز نتائج الاستحقاقات البلدية والتشريعية الماضية أنها أفرزت طبقة سياسية جديدة في مقطع لحجار، سواء على المستوى المحلي أم على المستوى الوطني ، مما يوحي بقدرة هذه الطبقة على ضمان الفوز لرئيس الجمهورية في الاستحقاق الرئاسي المقرر خلال سنة 2014 التي باتت تدق الأبواب.. فهل استوعبت السلطة هذه الدروس لتراهن على "جواد مقطع لحجار الرابح"؟