قراءة في نتائج استحقاقات 23 نوفمبر2013 البلدية والنيابية / سيد الأمين ولد باب

altمن المعروف أن الأحداث... عادة ما لا تمر دون أن يتم التعليق عليها: تحليلا أو قراءة ، وللقارئ الحق في أن يسأل ما الفرق بين التحليل والقراءة؟...و مهما يكن معني أي منهما ، فإنه إعطاء وجهة نظر حول الحدث .. ولكن يجب أن تكون هذه الرؤية مدعمة ..

 بحيث تبدوا واضحة و مقنعة ، بالنسبة للقارئ الكريم ، وذلك حرصا علي أن لا يبقي وراء الظاهر .. مما ينفع الناس .. مغيبا خلف السير العادى للأحداث ،خصوصا إذا كان الحدث المعني هو: حدث سياسي بحجم انتخابات بلدية وبرلمانية  .

 

ففي استحقاقات 2013 هذه، يمكن أن نقرأ بكل بساطة نتائجها علي أساس المكاسب الانتخابية :عدد العمد ،والنواب لهذا الحزب أو ذاك ، أي النتائج المباشرة للعملية الانتخابية، فنقول مثلا : إن الحزب الفلاني حقق مكسبا كبيرا ، نظرا لما حصل عليه من بلديات ودوائر نيابية بالمقارنة مع ما كان يحصل عليه في السابق، وأن ذلك الحزب الآخر شهد تراجعا كبيرا ، لقلة ما حصل عليه بالنظر إلي تجربته السابقة ، وأن حزبا آخر ظل علي حاله لم يتراجع ولم يتقدم ..هذه المعطيات يمكن أن تكون أساسا لتحليل يأخذ بعين الاعتبار نتائج الانتخابات كما لو كانت مبتورة عن سياقها .. وخارجة عن نطاق الحتمية . لا صلة لها بما سبقها ، وليست لها علاقة بما هو آت يتعلق بصميم العملية الانتخابية ذاتها .

أما إذا أردنا أن نقرأ النتائج غير المباشرة لهذه الانتخابات ، فعلينا أن نستصحب معنا حيثيات المخاض الذي مرت به ، ولا نقتصر علي ذلك ، بل لابد أيضا أن يمتد اهتمامنا في هذه القراءة إلي توقع حيثيات نفس العملية ، ومخاضها عندما يحين وقتها القادم إن شاء الله . ذلك أننا لما اعتمدنا في التحليل العادي مقارنة هذه العملية الانتخابية ، بسابقتها ... لتقدير النجاحات والإخفاقات .. توجب علينا لقراءة ما وراء الأحداث .. أن نربط هذه العملية الحالية : السابقة عندما يحين وقت لاحقتها، بالعملية القادمة ..حينها نكون قد بذلنا جهدا لتقييم نتائج هذه المرحلة ، وأوقفناها علي حقيقتها الموضوعية ، دون أن نذعن أو نستأنس لمظاهر الحدث، ونكتفي بها دون العمق ـ حيث لا يقتصر علي المظاهر عادة ما يراد له أن يكون عملا موضوعيا ،مما يعني أن العمل الهادف والبناء يحتاج إلي جهد لاستخراج ثمرت الحدث الحقيقية . وفي هذا الإطار يمكن أن نقرأ نتائج استحقاقات 2013 البلدية والنيابية ، وفقا للتقسيم التالي:

أولا : أحزاب حققت مكاسبا مهمة ،  رغم عدم زيادة مقاعدها من النواب والمجالس المحلية ، أو مع زيادة طفيفة.

هناك أحزاب ظلت محافظة علي نسبة حضورها ، أو زادت عليها قليلا، كالحزب الجمهوري ـ مثلا ـ  وحزب الإتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم .. ومجرد المحافظة علي المكاسب السابقة يعتبر مكسبا مهما ونجاحا معتبرا .. قد تتوقع زيادته في الانتخابات القادمة ، ولا يتوقع نقصانه (يقل احتمال حصوله ) علي العكس من أحزاب أخري حققت نجاحات غير متوقعة ، ولا تتناسب مع حجم شعبيتها ...حيث لا يتوقع مستقبلا، إلا تراجعها بعد عودة الظروف العادية .

ثانيا :أحزاب شهدت انحسارا وتراجعا علي مستوي نتائج انتخابات   2013 البلدية والنيابية.

لقد تراجع حزبا :التحالف الشعبي التقدمي ، والاتحاد من أجل الجمهورية، لكن تراجع الأول كان سلبيا بمعني تراجع الشعبية ، وتراجع الثاني كان إيجابيا بمعني تراجع السلبيات.

1 ـ مشكلة التحالف:

شهد حزب التحالف الشعبي التقدمي تراجعا واضحا في شعبيته ، بالمقارنة مع الانتخابات البلدية والبرلمانية ، وحتي الرئاسية الماضية ، وبالنظر إلي مرحلة ما قبل الانتخابات الماضية ، يمكن أن نرجع أسباب هذا التراجع ، لا إلي سياسة الحزب ، وجهوده الوطنية ، ومصداقية قادته ،لأن خط الحزب  الذي أخذ من البداية كحزب معارض يريد أن يقدم بديلا أحسن ، والذي أظهرت استجابته للدخول في حوار سياسي مع الأغلبية ، وسعيه المشكور لردم الهوة بين الفرقاء السياسييين ، ومحاولة رأب الصدع الذي حدث بين النظام ومنسقية المعارضة ، وسعيه لتحقيق المصالحة الوطنية ، كل ذلك من خلال مبادرته المشهورة . تلك الجهود دلت علي أن معارضته كانت معارضة ديمقراطية حقيقية ، الأمر الذي يعني بأن تراجع شعبيته لم يكن بسبب فشل في سياسته ، بل إن سببه حسب وجهة نظرنا يعود إلي عدة عوامل منها:

أ ـ الانشقاقات:

عرف حزب التحالف بعد انتخابات 2007 انشقاقات  لبعض مناضليه الفاعلين : وسواء منهم من دخل في أحزاب أخري ،أو من أسس حزبا جديدا . لقد أثر ذلك علي نسبة حضور الحزب في استحقاقات 2013 .

ب ـ غياب الحماس ،وقوة الاندفاع لدي بعض مناضلى الحزب

لقد فقد الحزب وافتقر إلي نفس قوة الإندفاع لدي بعض مناضليه ، وهي قوة الاندفاع التي عرفها الحزب في الانتخابات البلدية والبرلمانية الماضية (2007 )، أملا من بعض مناضليه أن يكون الحزب لشريحة بعينها من المجتمع هي : شريحة العرب السمر (لحراطين) ، كدعاية يراد من ورائها فقط ، تحقيق ما يصبوا إليه كل حزب (الشعبية) كوسيلة لتحقيق المكاسب ، ولما اتضح من خلال نتائج  انتخابات 2007 البلدية والبرلمانية ،أن مكاسب الحزب كانت أقل بكثير مما يفترض أن يحقق في حال انضمام شريحة لحراطين كلها إلي صفوف الحزب ، عرفوا بأن ذلك المسعى ، كان خطأ ، حيث لا يمكن حصول تمايز في مجتمع واحد أصلا ومنشأ بين شريحة وأخري ، من خلال الانتماء إلي أحزاب مختلفة ، ولذلك كان القانون حاسما ، في رفض تأسيس الأحزاب علي أساس من أي تمييز،حيث رفضت وزارة الداخلية حزبا تقدم به بعض المنشقين عن حزب التحالف الشعبي التقدمي ، نظرا لتشكيلته ... التي ربما كانت تريد أن ترسل رسالة مفادها أن السبب في عدم ظهور الحزب وفقا لمقتضيات ما يسمح به انتشار شريحة لحراطين في البلد ، هو أن هذه الشريحة لم تجد في حزب التحالف ذاتها كشريحة ، ولم تجد ما يقنعها بأنه حزب يمثلها ، لذلك لم تنخرط فيه بالكامل ، ولعل تشكيلة الحزب الجديد تستطع إقناعها بالانضمام في صف واحد .

 

ج ـ غياب شعبية المرحلة

مفهوم شعبية المرحلة ، أعني به المصوتين لأي حزب أو المترشحين منه ، دون أن يكونوا مقتنعين بخطه السياسي ، لكن أمرا ما أدت إليه تلك المرحلة السياسية ، دفعهم إلي أن يصوتوا لمرشح ذلك الحزب ،أو لمرشحهم الخاص بهم، ولكن من داخل ذلك الحزب، والدوافع إلي ذلك كثيرة ،سنأتي علي بعضها عند الاقتضاء.

فمن الأسباب ـ مثلا ـ التي أدت إلي تراجع مستوي شعبية التحالف ، قياسا علي ما سبق سنة 2007 وقياسا علي مقتضي نتيجة الحزب في الانتخابات الرئاسية الماضية، حيث أن الحزب قد ازداد في الانتخابات الرئاسية الماضية بشعبية لم تكن من صفوفه .. أدي غيابها في هذه الاستحقاقات المحلية إلي ظهور فارق في مستوي الأداء والشعبية ـ فظهر الأمر علي أنه تراجع لشعبية الحزب ـ وهذه الشعبية منها ما هو عفوي.. ومنها ما هو اصطناع سياسي ، يرمي إلي خلق قطب معارض بديل ، يمكن أن يسهم في تقدم البلاد وتنمية المجتمع ،  في جو من المعارضة الديمقراطية التي تنتقد النظام من أجل البناء وحسن التسيير ، وإن حصل ذلك اعترفت به ، وحق لها بعد ذلك أن تقدم نفسها علي أنها تستطيع تحقيق ما هو أكثر من ذلك ،إن هي وصلت إلي السلطة. لهذه الأسباب  أظهر الحزب مستوي أضعف مما كان عليه ، ولا يتناسب مع الجهود الوطنية التي سجلتها قيادته قبل هذه الانتخابات ، مما يعني مصداقية ما ذهبنا إليه في هذه القراءة . ومهما كان سبب هذا التراجع، فإنه يعتبر سلبيا علي قواعد الحزب ، ومحبطا بالنسبة لقادته ، لكن مصداقية قيادة الحزب ، ومساعيها الوطنية التي لا تتأخر عن دورها في تعزيز الوحدة الوطنية ، ستبقي مصدر جذب ، ومنبعا لاستقطاب الداعمين والناخبين .

2 ـ تراجع حزب الإتحاد  من أجل الجمهورية رغم أغلبيته الساحقة

أما حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ، فرغم أنه حزب نشأ مؤخرا ، فإن نتائجه في هذه الانتخابات لا تقيم علي أساس تجربته ... بل إنه يقيم أساسا انطلاقا من أنه الحزب الحاكم ، ولهذا يتم تقييم نتائجه انطلاقا من تجارب الحزب الحاكم سابقا ، ومن هذا المنطلق نقول إن هذا الحزب قد شهد تراجعا  كبيرا ـ رغم حصوله علي الأغلبية المطلقة في الجمعية والوطنية ،وفي المجالس المحلية ، ذلك أن الحزب الحاكم في الأنظمة السابقة ، كان لا يبقي عنه من البلديات ولا الدوائر النيابية ، إلا ما تنازل عنه طواعية للمعارضة ،وهو القليل ، وهو ما يعني حضور الدكتاتورية بأبشع صورها ، وتفشي التزوير بشتى أنواعه .

وبما أن سياسات الأنظمة السابقة ، لم يكن فيها ما يجر إلي الثناء عليها ، أرادت تعويض ذلك التقديرالمفقود، بفرض هيبة النظام واحترامه عنوة  ...وإبداء ذلك الاحترام ، وتلك الهيبة من خلال حصد نتيجة معتبرة لابد منها ،وهي نسبة 99% في الإنتخابات الرئاسية ، ونسبة 99% في المجالس البلدية والبرلمانية، ليقال بأن هذا النظام محبوبا من قبل شعبه!.

إذا بالمقارنة مع هذه النتائج التي عودنا عليها الحزب الحاكم  ـ دائما ـ يمكن أن نقول بأن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية في انتخابات 2013 البلدية والنيابية، قد شهد تراجعا كبيرا في شعبيته ، وفي هيبته تبعا لذلك ، حيث حصل علي نسبة أقل بكثير مما هو معهود للحزب الحاكم أصلا .

أ ـ أين ذهبت شعبية الحزب الحاكم؟

قد يظن البعض أن تراجع الحزب الحاكم،والذي جاء  مقابلا لتقدم حزب آخر من أشد أحزاب المعارضة مواجهة للنظام ..وذلك لما حققه من نتائج معتبرة ـ بين قوسين ـ وهو حزب تواصل ،يظن البعض أنه تراجع لحساب الأخير، لكن الحقيقة ، هي أن التراجع الملحوظ في نتائج الحزب الحاكم ، ليس تراجع شعبية ، بقدر ما هو تراجع للدكتاتورية ، التي كانت الأنظمة السابقة تمارسها ، والتي لو شاءت لجعلت البطاقة المحايدة تنال رضي أغلب المصوتين .. فبموجب الشفافية وحرية التعبير في وسائل الإعلام ،وعند صناديق الاقتراع ، التي شجعها هذا النظام الحالي ، وأكد عليها في كل مناسبة ، وأظهرها في كل ممارسة ، جعلت بعض الناس يذهبون عن الحزب الحاكم ، ويترشحون من أحزاب أخري موالية له (أحزاب الأغلبية) في تعبير منهم عن عدم رضاهم ، بمن أختار الحزب لهم ، واختيارهم لمن هو أصلح لهم منه ، مع إظهار بقائهم مناصرين لسياسة الحزب القائمة علي تنفيذ برنامج السيد الرئيس: محمد ولد عبد العزيز ، وهو الرئيس الذي وجد فيه ذاتَه كلً طيف من أطياف هذا الشعب، وكل فئة من فئاته ، ووجد فيه مستقبلُ البلاد المأمول الحضن الذي تنموا في دعائمه ، وتتعزز فيه أفكاره ، ويصلُب فيه عود رجاله.

أصبح الناس أحرارا.. لدرجة أنهم يختارون مرشحهم وينافسون به مرشح الحزب الذي ينتمون إليه أصلا ، من خلال حزب آخر من الأحزاب الموالية للنظام ،ورغم أن هذا الأمر غير مقبول .. فإنه يشي بتحسن كبير علي مستوي الحرية والممارسة الديمقراطية ، يعيه البعض ولا يدركه ، والبعض يدركه ويعيه ،عندما يتذكر أنه لشدة دكتاتورية الأنظمة السابقة ، لم يكن مجرد التفكير بهذه المسألة أمرا يمكن أن يمر دون معاقبة شديدة .. ولهذا فإن ما لوحظ من تراجع في نتائج الحزب الحاكم في انتخابات 2013 لا يعتبر تراجعا لشعبيته بالمعني السلبي ، بل هو إحراز لمصداقية جديدة، حقيقية وغير مزيفة . هو تراجع فقط للدكتاتورية ، مقابل الحرية الحقيقية في ظل الممارسة الديمقراطية السليمة .

ب ـ هل كان حزب تواصل منافسا للحزب الحاكم؟

أما اعتبار تقدم حزب تواصل من خلال النتائج الانتخابات الماضية ، كان علي حساب شعبية الحزب الحاكم ،مما يعني القول بأنه أصبح حزبا منافسا بمعني الكلمة ، فسيتضح لنا فيما بعد عندما نصل ، إلي قراءة نتائجه أنه أمر غير سليم . وقبل ذلك يمكن أن تستشف من نتائج الحزب الحاكم ، أن التراجع الملحوظ هو تراجع إيجابي ، ولو كان علي مستوي المصوتين ، لأن هذا التراجع كان بسبب تشجيع حرية الاختيار وعدم التأثير علي الناخب ،حتي لا يفرض عليه مرشح لا يحبه، وذلك التراجع يعكس مستوي تلك الحرية التي أصبح السياسي يتمتع بها ، ورغم أن أغلب الدوائر التي هزم فيها الحزب الحاكم ، لم يفقد الحزب فيها شعبيته، وإنما فقد مرشحه ، لعدم رضي دائرته عليه ، فإن بعض هذه الدوائر التي هزم فيها الحزب الحاكم ، لم يفقد فيها مرشحَه بسبب عدم الرضي عليه ، بل إن مرشح  الحزب الحاكم فيها راح ضحية عدم الرضي علي النظام وقيادته ، لا لسوء التسيير ، ولا لأي عيب في القيادة ، بل .. . إن عيب القيادة عندهم يكمن في تعاملها وفقا لما يدور بما يناسبه ، بعد أن تدفع إليه ، ليقال إنها تمارس الضغط والتأثير علي الأطر والناخبين ، ولبطلان هذا القول ، نشير إلي أنه لو كان النظام يمارس أي ضغط علي أي فرد مهما كان ، لما أظهر بعض أطر الحزب الكبار وبعض الوزراء وكبار الموظفين ، ميلهم ودعمهم المباشر لمرشحين منافسين لمرشحي الحزب الحاكم ، لكن عندما يقتضي الأمر أن تمارس الدولة الضغط .. فإنه حينها لا يناقض المسار العام لخيار الحزب وتوجه النظام ، القاضي بمنح كامل الحرية المحترمة، لكل من يمارس السياسة، في أن يختار من يريد ، ويدعم ما يشاء من الأحزاب السياسية .

فأكثر الموظفين حاليا يتقلدون مناصب سياسية ، وهذا يعني أن الموظف  في منصب سياسي سامي في الدولة ، ينبغي أن يكون ـ أخلاقيا ،وسياسيا ـ ملزما بخط النظام السياسي الذي يتبناه الحزب الحاكم ، حتى وإن لم يكن منتسبا إلي الحزب الحاكم بالفعل ،ومن هنا يكون أي تصرف يعارض خيار النظام والحزب الحاكم ، أمرا مخالفا ـ حسب العرف السياسي ـ  ويستحق صاحبه ،أن يفقد الثقة التي منحت له وفرط فيها . ومن ينتقد محاسبة هؤلاء ، ويري بأنها مخلة  بالديمقراطية ، فإنه يتكلم فقط بما يليق به وبموالاته  المعادية للنظام . حيث أن مجتمع (البيظان ) ، يمقت ويستهجن معادات المرء لمن له عليه منة ، وقد ورد في المثل الشعبي استنكارا لذلك : " أسمين بي واسمين اعلي !!" . هذه العبارة يمكن أن تستخدم للتدليل علي أقل ما يفيد معناها ، حيث لا يجوز أن يستغل المرء هيبته وثقته بين الناس ، كموظف سامي في الدولة ـ مما يعني أن له ثقة عند القائمن علي الشأن العام ـ ويسعى في نفس الوقت إلي استغلال هذه الثقة والمسؤولية ضد من منحوه تلك الثقة !! ، فكيف إذا تستنكرون أن يحاسب النظام هؤلاء؟! ، وتريدون من النظام ،أن يستمر في تقديرهم والثقة بهم !! ، فالذين عارضوا النظام من خلال أحزاب موالية  للنظام ، وليس لهم ما يبرر فعلتهم ، ليست لهم حجة يحتجون بها عند إنزال العقوبة بهم .

أما الذين ذهبوا دون أدني خجل إلي أحزاب معادية للنظام ، ولشخص الرئيس نفسه ، كحزب تواصل ، فذلك يعني أنهم كانوا يتكتمون علي المعارضة المؤسسة علي العداء ، ويعتبر ما قاموا به أبلغ بكثير من الاستقالة ، من الحزب الحاكم ، والانضمام إلي حزب تواصل ، فمن فعل ذلك علنا وبهذه الطريقة ، لا لوم عليه ، أما أن يظل يتقاضى راتبا كبيرا من منصبه السياسي ، ومع ذلك يتكتم علي معادات النظام ، ليظهرها في وقت حرج ، ليحول دون  حصوله علي أغلبية في البرلمان ، تمكنه من تنفيذ سياساته ، فذلك أمر قبيح جدا ، والغريب أن البعض ، تستغرب الرد علي هذا التصرف بما يناسبه . إنما يقوم به هؤلاء مخالف للديمقراطية ، التي لا تعترف بإخفاء المواقف ، لأن الحرية متاحة للجميع ، والديمقراطية  لا تمنحك من الحرية ما يجيز لك أن تنتسب إلي  حزب  أو جماعة من أجل أن تخربها من الداخل ، أو تخذلها في وقت تحتاج فيه إلي النصرة ، إن عقوبة من يخون ، ويخدع ، ويمكر بمن يثق فيه ،ويحترمه ، هي عين الحق : فهي العدل أمام القضاء ، وهي المساواة  في الشأن الاجتماعي ، وهي الديمقراطية في الممارسة السياسة .

إن واجبنا ، كمهتمين بالشأن السياسي ، أن نتجرد من كل المؤثرات القبلية والجهوية ..، وأن نشجبها ، حتي لا تستفحل في البلد ، ولا يعني شجبها وإدانتها في مظهر من مظاهرها ، إثارة لها بذلك السبب ، علي خلفية أن الناقد هو من جهة أو قبيلة معينة ، مبعث هذا التخوف ، هو أن البعض قد يري أن معاقبة الأطر المنحدرين من مقاطعة كرو يعود إلي أن أهل كرو لا يحبون النظام ، وأن النظام يَردُ بإظهار أنه لا يعير أهل كرو أي اهتمام ، فكل هذا غير صحيح ، لا أهل كرو يكرهون النظام ، ولا النظام يكره أهل كرو ، والحديث في المسألة علي هذا النحو ، عار من أي مصداقية ، وتوضيح ذلك الآن ، لابد منه ، حتي تظهر حقيقة المسألة ـ وليس استدعاءا  لكراهية ،أو خلقا للعداوة.. ـ بل إن مصلحة الوطن هي التي دفعتنا إلي إثارة القضية.  حيث لا يمكن أن تكون القضية أكثر من أن: بعضا من أطر كرو لا يحبون النظام ، وهذا حق لهم ، ليس فيه عيب ، لكن العيب يكمن في أنهم موظفون قبل هذا النظام ، ومع هذا النظام ، ويستغلون جهودهم لمعارضة النظام الذي لا يزال يمنحهم ثقة كبيرة، دون أن يظهروا انتسابهم للحزب الذي عارضوا من خلاله النظام ، ولتأكيد ما ذهبنا إليه مثلا.

نشير إلي أن الموظف السامي في سفارتنا في تونس ـ من أهل مقاطعة كروـ والذي جرده النظام سنة 2011 من منصبه .. وأشار مجلس الوزراء إلي أن سبب ذلك هو: إهانة ذلك الموظف لوزير الخارجية ـ أنذاك ـ ولي ذراعه ، مما تسبب له في آلام .. هذا الموظف امتنع من مساعدة النظام في كرو ، وليس في ذلك مشكلة ، لكن المشكلة تكمن في أنه ، امتنع للاستجابة  لطلب من الوزير الأول ، الذي طلب منه مباشرة بعد الشوط  الأول أن يأتي إلي كرو ،ويدعم مرشحى النظام ، والوزير الأول هو من أعاده ـ قبل أشهر قليلة ـ إلي نفس منصبه في السفارة ، الذي سبق أن جُرد منه ، دون أن يمر الأمر ، بوزارة الخارجية !! .

  فمن خلال هذه الحادثة ، وغيرها من الأمور أثناء الحملة في كرو ، يتضح صدق ما ذهبنا إليه في تحليل المسألة ، حيث بذل الوزير الأول ، وكثير من أطر كرو ، كمحمد الأمين ولد أحمد ، وأسرة أهل الطيب جميعا جهودا كبيرة ..، من أجل إنجاح مرشحي الحزب الحاكم في كرو ، كما أن الفارق الطفيف الذي حصل بين الأحزاب المتنافسة يدل علي أن المسألة لا تتعدي أن  أفرادا بعينهم لا يحبون النظام ، ولاشك أن النظام له آلياته التي تمكنه من معرفة هؤلاء ...  ، وله حسب العرف والعادة والمنطق،  أن يأخذ منهم موقفا ، ولا ينبغي أن يُوظَفَ ذلك توظيفا سلبيا ، ومخلا بمصلحة الوطن ... فهيبة النظام لا تسمح بأن يبرر ردة فعله علي هؤلاء ، والناس العاديون الذين صوتوا للنظام ، ليست لهم وسيلة يوضحون بها الحقيقة الأمر، باسمهم ، وربما لا يدركون أهمية تبيان بطلان تلك الدعاية المغرضة، لهذا فإنه لابد أن يقوم أحد بتوضيح المسألة ونشرها في وسائل الإعلام ، حتى لا تبقي الساحة ، لمن يريدون التشويش ، وإثارة النعرات ..وبث الكراهية، وإذكاء الأحقاد ، إذ ليس لأحد مصلحة في ذلك .

ج ـ تراجع هيبة الحزب الحاكم:

أما عدم التزام بعض مناضلى الحزب الحاكم بخياراته ، فإنه وإن كان دليلا علي أن هؤلاء يشعرون في قرارة أنفسهم بأن النظام يمنح الحريات الحقيقية ، ولا يريد الضغط علي أحد ، فإنه يدل أيضا علي عدم موضوعية هؤلاء ، وعدم تقديرهم الجيد لما يجب أن يقابلوا به حسنات هذا النظام المتمثلة في إرساء دعائم الديمقراطية السليمة ، بحيث فهموا الحرية علي أنها الفوضى ، وترك العنان للناس أن يكونوا أحرارا لدرجة عدم تقيدهم بأي ميثاق، ولا بأي توجه ، وسبق أن تنبه مجتمع "البيظان " لمثل هذا التصرف الزائد في الإسراف  ، حيث ورد في المثل الشعبي تحذيرا من مثل ذلك التصرف :" أل أنشر لك طرفُ لا تكعد أعليه" .

ومن هنا يمكن أن نقول بأن فاتورة تخلص النظام من تلك الدكتاتورية المعهودة ،هي تراجع في مستوي التزام أطر الحزب الحاكم به وضعف ولاؤهم له ، وكذا بعض أطر الدولة وكبار موظفيها ، الأمر الذي أصبح يُحتم التمييزَ فيه بين معارضة مرشحي الحزب ، ومعارضة الحزب والنظام أصلا.. ويختلف حينها مستوي التعامل ، ومستوي ردة الفعل ، وإن كان إجماع الرأي العام قائما علي ضرورة  المحاسبة، حتي لا تثمر النخلة بدل التمرة حنظلة .

ثالثا :أحزاب حققت مكاسبا معتبرة ، منها ما يعتبر خسارة بالفعل ،ومنها ما يحتمل الخسارة

1ـ أحزاب حققت مكاسبا معتبرة ، لكنها ما تزال محل استفهام:

لقد حققت أحزاب : الحراك الشبابي ، والوئام ، والكرامة ، وأحزاب أخري جديدة .. نجاحا كبيرا في الانتخابات الماضية ، وذلك بالنظر إلي أنها حديثة النشأة ، فقد نجحت نجاحا باهرا عندما رشحت في كثير من الدوائر الانتخابية : البلدية والنيابية ،وكانت بالفعل منافسا حقيقيا ـ مما أدي إلي حضورها الكبير في الشوط الثاني ، وحققت أيضا نجاحا كبيرا ، لما حصلت عليه من تلك الدوائر في الشوطين .هذه الأحزاب يمكن القول بأنها حققت مكاسب كبيرة ، وبما أنه ليس لها تاريخ سابق (تجربة) فإن هذه النتيجة تعتبر قاعدة فقط لتقدير تقدم هذه الأحزاب في الاستحقاقات القادمة أو تراجعها . إنها نتائج مشوبة بما سبق أن أسميته :شعبية "المرحلة "، لكن السؤال المطروح هو: هل ستبقي هذه الأحزاب قبلة مفضلة لشعبية "المرحلة" اللاحقة ، وستبقي خيارا مفضلا للغاضبين ، أم لا؟ .تتوقف معرفة مدي أهمية ما حققت هذه الأحزاب من مكاسب الآن ،علي الإجابة علي ذلك السؤال .

2 ـ مكاسب حزب تواصل والخسارة المبطنة:

تعتبر زيادة حضور حزب تواصل علي مستوي النيابيات والبلديات ، الذي ضاعف ما كان عندهم مرتين ،أو يزيد تقريبا، يعتبر مكسبا سياسيا كبيرا ـ حسب التحليل العادي ـ الذي لا يتجاوز مستوي الظاهر . أما إذا أردنا قراءة موضوعية عميقة ، لهذه النسبة التي حصل عليها حزب تواصل ، لوجدنا أن هذا الحزب هو أكبر خاسر بموجب هذه النتائج التي حصد في انتخابات 2013 ، فحزب تواصل حديث النشأة ، لكن الجماعة التي أسسته ، لها تجربة سياسية في البلد ، حيث شاركت في انتخابات 2007 وحصلت علي نسبة في المجالس البلدية والبرلمانية ،وهي التي علي أساسها يقدر حاليا ويقيم ما حصل عليه الحزب مؤخرا ، ويمكن أن يقال بأنه تضاعف ، لكن الاقتصار علي ذلك يعني حجبا للحقيقة ، وتغطية علي فشل محقق للحزب في المراحل القادمة، حيث أنه إذا أردنا قراءة نتيجة حزب تواصل ، لوجدنا أنها تعود إلي مجموعة من العوامل يمكن وصفها بالمرحلية ، مما يعني عدم تكرارها مستقبلا  ، وعند ذلك يذهب ما أدت إليه هذه المرحلة من أصوات حسبت ـ اليوم ـ لصالح حزب تواصل ، وبذلك يتراجع الحزب بعد نشوة التقدم ، ويعود إلي حاله قبل استحققات 2013 ، وهو ما يشي بتغلغل خيبة الأمل فيه داخل الأوساط الشعبية ،حيث يعتبر ذلك، أشبه ما يكون بعود المرض بعد الشفاء منه ، ومن العوامل التي أدت إلي تحقيق هذه النتيجة:

أ ـ نجاح حزب تواصل في التغرير بأحزاب المنسقية

لقد غرر حزب تواصل ، بأحزاب المنسقية في سابقة سياسية غريب جدا أنها انطلت علي زعماء سياسيين كبار في منسقية المعارضة ، ونحن الآن لا يهمنا أن يكونوا قد اعترفوا بتلاعب حزب تواصل بهم ، أم لم يعترفوا به ، خشية أن ينقص ذلك من درايتهم السياسية ، وإنما يهمنا فقط  دراسة الوضعية السياسية التي تمخضت عنها انتخابات 2013 .وقد تضمن هذا التغرير هدفين أساسيين هما:

ـ جعل مشكلة الدولة! في شخص الرئيس، وتقوية العداء ضده شخصيا   نجح حزب تواصل في استعداء أحزاب المنسقية علي شخص محمد ولد عبد العزيز ذاته ، حتي لا يكون العيب في تسيير الحكومة ، حيث يمكن تلافي ذلك  ، بإقالة الحكومة ، والتكليف بتشكيل حكومة جديدة ، فهم يريدون أن يظل شخص محمد ولد عبد العزيز هو المشكلة ، الأمر الذي يعني أن أي مسعى تصالحي ، أو انتخابي ، في ظل قيادة محمد ولد عبد العزيز ، لن يحل المشكلة ، وهو ما يفرض التقاعس عن المصالحة الوطنية، ويفرض مقاطعة الانتخابات ، كما حدث بالفعل ، ويبدوا أن ذلك كان هدفا أساسيا ، حضًر له حزب تواصل بدقة بالغة ، من خلال دفع المنسقية إلي رفع شعار الرحيل ـ غير المبرر ـ ودفع المنسقية إلي الثقة بفاعليته ـ في ظل موجة الربيع العربي ـ حيث كان هدفهم  من ذلك رغم معرفتهم بعدم جدوائيته هو إحكام العداء .. وتجذير نظرة الكراهية  ، لمحمد ولد عبد العزيز من قادة المنسقية ، ومن شعبية أحزابها علي حد سواء ، وليس ذلك هدفا بذاته عند حزب تواصل ، بل هو مجرد وسيلة ، لها ما بعدها .

ـ ضمان تصويت شعبية أحزاب المنسقية المقاطعة لمرشحي حزب تواصل

سعي حزب تواصل ـ كما بدي مؤخرا ـ إلي ضمان عدم سعي قادة المنسقية إلي المشاركة في الانتخابات التي يعرفون أنها ستجري لاحقا ، هذا من جهة ، ومن جهة أخري ضمان عدم تسرب شعبية هذه الأحزاب في حال مقاطعتها إلي صفوف الحزب الحاكم ، وذلك لعلمهم أن شعبية أحزاب المنسقية لن تظل مكتوفة الأيدي يوم الاقتراع ـ كما بينت نسبة الحياد مع ارتفاع نسبة المشاركة ذلك  ـ وإن قال البعض بأن شعبية الأحزاب المقاطعة لم تسجل في الاحصاء ذو الطابع الإنتخابي ، نقول به بأن أدلة كثيرة تشير إلي أنهم سجلوا في اللائحة الإنتخابية ، من منها طرح حزب اتحاد قوي التقدم  لبعض اللوائح ..وإن قيل إن شعبيته في لبراكنه ، و جورجل ، قد ذهبت إلي الوئام وغيره من الأحزاب الأخري ، ولم تذهب إلي حزب تواصل ، فنرد علي ذلك، بأن  مؤشرا آخر يدل علي صدق تحليلنا، حيث ذهب أهل بلدية " حاس أهل أحمد بشنه " إلي تواصل ،وحسموا بلديته ، في الشوط الثاني ، بشعبية حزب حاتم ، وإن كان مستشاروا البلدية والتحالفات منحوها في المرة السابقة لمرشح الحزب الجمهوري للديمقراطية والتجديد ، ثم إن كون حزب تواصل كان منافسا قويا لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية في بلدية أكجرت ، يعني أن جزءا من شعبية حاتم ذهبت إلي صفوفه .

فتعميق الهوة بين المنسقية والسيد الرئيس ، كان التواصليون يريدون منه أن يكون الحزب الأشد معارضة هو الحزب الذي سيحظي بأصوات الأحزاب المقاطعة ، وبما أن أحزاب المعارضة القوية قاطعت الانتخابات ، وبما أن حزب تواصل كان في المنسقية معها ومن أشدها معارضة ، وقرر المشاركة في الانتخابات  ، تحت الستار منذ زمن حيث حَضًر ما يزيد علي 140 لائحة بلدية ـ وهو أمر يحتاج إلي وقت ، وقرار المشاركة لم يأت إلا في اللحظة الأخيرة بصيغة الفعل ـ وبما أنه لم يلق أي تأنيب من بقية أحزاب المنسقية ،علي تلك الخيانة ، خوفا من شماتة الأعداء ـ بين قوسين ـ فقد ظل هو الخيار الأنسب لشعبية هذه الأحزاب المقاطعة ـ كما كان يريد ، وكما خطط له ـ ولهذا فإن ما حصل عليه حزب تواصل من عمد ونواب ، هو نصيب جميع أحزاب المنسقية تقريبا ، لو أنها شاركت في الانتخابات ، بالإضافة إلي نصيب بعض المجموعات المحلية التي ترشحت فقط من الحزب دون أن تكون من مناضليه .

وقد تنفي أحزاب المنسقية أن يكون تواصل قد دفعها ..وغرر بها ، لكن تصريحات تواصل ، لا تدع مجالا للشك في أنه يتبني كل حيثيات حراك المنسقية الذي بلغ ذروة انتعاشه برفع شعار الرحيل ، وبلغ ذروة الجمود في تقرير مقاطعة الانتخابات ، حيث يقول حزب تواصل أنه سار مع النظام ، وتبين له أنه يسير في خط  مختلف فانسحب منه ، وأعطاه مهلة !! لتصحيح مساره ، ولما لم يستجيب لتصحيح المسار ، أعلن الحزب بدأ الثورة علي النظام ، ممثلة في رفع شعار الرحيل الذي نادت به جميع أحزاب المنسقية، لهذا فإنه لن يخفَ علي أحد أن حزب تواصل كان هو السبب في كل ما حصل لأحزاب المنسقية من: الهزيمة.. والتهميش..  وقلة المصداقية ..  وأنه قد غرر بهم ، وخدعهم .

ولابد أن المنسقية فهمت ذلك جيدا ...حيث دعا زعيم المعارضة السيد أحمد ولد داداه الآن ، إلي حوار سياسي شامل ، يتم بموجبه إلغاء هذه الانتخابات ، وتنظيمها مجددا لتكون انتخابات توافقية ـ حسب تعبيره ـ وهنا يتضح جيدا أن المنسقية كانت علي خطأ حين قررت عدم المشاركة في الحوار الوطني الذي تم مع بعض الأحزاب المعارضة ، وكانت علي خطأ حين قررت مقاطعة الانتخابات الماضية ، ولاشك أن إعادة الانتخابات إذا تقرر سيبين لنا مدي صدق ما سننتهي إليه في تحليل نتائج حزب تواصل في البلديات والنيابيات ، ويبدوا أن تواصل علي دراية بذلك ، حيث يسعي الآن إلي تفادي إعادة الانتخابات بدعوة قائده إلي حوار يهدء الأوضاع السياسية للبلد ، وهي دعوة موجهة أساسا إلي قادة منسقية المعارضة ، حتى يرضوا بالأمر الواقع،وحثهم علي الاستسلام ،  محاولة منه للإيقاع بهم مجددا ، ولعل السيد أحمد ولد داداه قد تنبه إلي ذلك ،لما قال بأن : " كل حد يكْبَظْ  سيِجَ ، و يَزْيانْ عَندُ عن لَخْرَيْن ما يْراو شِ (مشيرا إلي محاولة ولد منصور لتهدئة الأوضاع ، بتوافق سياسي بعد أن حصل حزبه علي نتيجة مرضية ـ بين قوسين ـ في الانتخابات التي قاطعتها بقية أحزاب المنسقية " . صرح بذلك في مؤتمر صحفي دعي إليه بعيد إعلان محمد جميل منصور رئيس حزب تواصل :دعوته لحوار وطني ،  لكن هذا الأخير قد يكون محظوظا ، لأن النظام قد لا يستجيب لنداء إعادة الانتخابات مهما تعالت أصوات المنادين بها ، لأنه بلغ منهم العذر وحاول معهم ألا يقاطعوا الانتخابات ، لكنهم أبو إلا أن يقاطعوا ، ثم إنه إذا كان مبررا أن تعاد الانتخابات حرصا من النظام ـ كما عودنا ـ علي مساهمة الجميع في عملية بناء الوطن ، فإن مبررات عدم الإعادة أكثر، مع محافظة النظام تلك الميزة ، وهذا يعني أن خيارات النظام الاستراتيجية :الفكرية ، والعملية ، تجعله دائما إذا امتنع عن التنازل .. يزداد مصداقية ، وإذا تنازل يزداد مصداقية ،فعجبا لأمر هذا النظام ، كل أمره خير ـ ما شاء الله لا قوة إلا بالله ـ فإن امتنع من إعادة الانتخابات كان علي حق يدعم ويزيد مصداقيته ، فيما سبق  ، وإن قبل بإعادتها زاده ذلك قيمة، ومصداقية علي ما كان  .

ب ـ تعرض حزب تواصل ،وبحثه عن كل من يريد الترشح ، ودعوته للترشح منه خلق حزب تواصل من غضب بعض الجماعات المحلية .. ومن محاولة بعضها تأكيد ذاتها وخروجها إلي الواجهة .. ورقة انتخابية دفع إلي تحقيقها بكل جهوده ، فحصل له منها ما زاد نسبته في البرلمان والمجالس البلدية ، لكن هذه الجماعات غير المنتمية أصلا لحزب تواصل ، ستذهب بكل ثقلها أو ببعضه في انتخابات قادمة قد لا تشهد مقاطعة أحزاب المعارضة الكبيرة لها ، مما يجعل الخيارات أكثر والبدائل أحسن .

لذلك يمكن تماما أن نقدر ما سيحصل عليه حزب تواصل في الاستحقاقات القادمة ، بأقل من ثلث ما حققه حاليا في انتخابات 2013 . وعندما لا يستطيع حزب تواصل في الانتخابات القادمة حصد أكثر من ربع ما حصل عليه الآن ، فمعني ذلك أن أمل تقدم وزيادة شعبيته أصبح مستحيلا ،حينها سيفقد الحزب جذوة تعاطف من كان يري أنه حزب له مستقبل في البلاد ، وسينعكس ذلك بشكل بين وواضح في نتائج الانتخابات البلدية والبرلمانية ما بعد القادمة ، كما انعكس علي في هذه الانتخابات علي حزب التحالف الشعبي التقدمي ـ كما رأينا سابقا  ـ في ما اسميناه بغياب شعبية المرحلة.

ومن هنا لا يكون ما حققه حزب تواصل من مكاسب انتخابية حاليا، إلا اجترارا للهزيمة ، وتجرعا للفشل ، وحكما بالقضاء علي بقاء حزب تواصل ، كما هو علي حقيقته حزبا يناضل دائما من أجل البقاء تفاديا لسحب رخصته بموجب القانون الجديد ، ذلك أن خلفية الاسلامية التي يعيش علي أمل التعاطف معه من خلالها ، مثل ما حصل في بلدان أخري ، ليست لها نفس الفاعلية في تلك البلدان ، لأنها بلدان شهدت الكثير من الزندقة والموروق من الدين ، وعدم الاهتمام البشعائر الدينية الإسلامية ، وانتشار الشعائر الدينية الأخرى، حيث أدي ذلك إلي التعاطف مع الأحزاب الإسلامية هناك ، وهذه الحالة غير متوفرة في بلدنا الذي ظل منذ زمن بعيد حتى الآن متمسكا بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف ، مما يعني أن المولود فيه ما يزال حتى الآن يكبر علي الفطرة ، وليس من المبرر أن يدعي حزب من الأحزاب داخل المجتمع الموريتاني أنه ذو خلفية إسلامية دون غيره من الأحزاب الأخرى ، وإن أراد جر التعاطف معه بتلك الخلفية ،سيحتاج أولا إلي أن ينشر الزندقة ، ويزيد من إهانة الإسلام والمسلمين ـ بتشجيع حرق كتب المذهب المالكي ، وإهانة علماءه ـ مثلا ـ وبتزوير وجود التشيع ، والتنصير أو تشنيع ما يلاحظ منه ، مع أن تشنيعه أمر جيد للفت الإنتباه إليه ، ولكن تشنيعه لجعله واقعا منتشرا يقتضي ردة فعل من عامة الناس، فهو التشنيع السياسي المرفوض ،وهو التزوير الهادف إلي أن تكون البلاد ـ في مثل وضعية الدول الأخرى التي نجح الإسلاميون في استقطاب أهلها بتبني خلفية إسلامية، في ظروف وأحوال يحتاج فيها الإسلام إلي شد الأزر  .

من خلال هذه القراءة إذا ، يتبين لنا أن مجرد تحقيق نسب معتبرة في المجالس البلدية والبرلمانية ، ليس كافيا لتقدير نجاحات الحزب أو عدمها ، حيث لاحظنا أن أحزابا لم تحقق أكثر مما كانت تحقق تقريبا ، وعرفنا كيف أن ما حققت يعتبر مكسبا فعليا مهما ، ورأينا أحزابا تراجعت نسبها ، بعض منها تراجعه سلبي ،شكل لنا دليلا علي حتمية تراجع وفشل أحزاب أخري حققت نتائج أكثر مما كانت تحقق سابقا ، وبعضها تراجعه إيجابي ،  حيث يدل علي شجب بعض الممارسات السابقة المخلة بمصداقية العملية الديمقراطية ،والتخلي عنها لصالح الحرية ،والشفافية، وسلامة الممارسة الديمقراطية . ولاحظنا أحزابا حققت مكاسبا كبيرة بالمقارنة مع ما هو متوقع لها ،أو ما سبق أن حققه بعضها سابقا ، ورأينا كيف أن القراءة الحقيقية لنتائج هذه الأخيرة التي حققت ضعف ما كانت تحقق ، يشير إلي تأكيد الفشل الذريع ، والتراجع المريع ، إذا لم تحافظ علي هذا التقدم ، وهيهات أن تحافظ عليه ، نظرا لما بيًنا في التحليل السابق ، وأن بعضها متوقع فشله إذا لم يحافظ علي النسبة التي حقق الآن ، لكن لا يمكن تأكيد فشله ؛ لأنه يعتبر في مرحلة البداية .

ملاحظة : ذكر الأحزاب لم يكن علي وجه الحصر ، بل علي سبيل المثال  

30. ديسمبر 2013 - 19:17

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا