![](https://rimnow.net/w/sites/default/files/field/image/mohamed_salem_lekbar.jpg)
محطة حاسمة في ترسيخ نظام الحزب الواحد في موريتانيا
مقدمة:
مثّلت انتخابات 8 أغسطس 1971 لحظة فارقة في التاريخ السياسي لموريتانيا، إذ عزّزت هيمنة نظام الحزب الواحد تحت قيادة رئيس الجمهورية الأستاذ المختار ولد داداه، ورسّخت السيطرة المطلقة لحزب الشعب الموريتاني على الحياة السياسية، جرت هذه الانتخابات في سياق هيمنة الحزب الحاكم، وسط غياب التعددية السياسية والتنافس الحقيقي، في ظل دسترة الأحادية الحزبية عام 1965، التي منعت أي نشاط سياسي خارج إطار الحزب الحاكم، ما جعل الانتخابات بمثابة استفتاء على شرعية النظام بدلًا من كونها منافسة انتخابية حقيقية.
ورغم ذلك، شهدت الانتخابات نسب مشاركة مرتفعة، تعكس مدى انخراط المواطنين في العملية السياسية وفق الآليات المعتمدة آنذاك، سواء بدافع الاقتناع أو بفعل طبيعة النظام المسيطر، كما لم تخلُ الساحة السياسية من معارضة سرية، تمثلت في التيارات القومية واليسارية، التي كانت تعمل في الخفاء بسبب القمع السياسي، لكن تأثيرها لم يكن كافيًا لتهديد استقرار الحزب الحاكم في تلك المرحلة.
لم تكن هذه الانتخابات مجرد ممارسة روتينية، بل شكلت حدثًا سياسيًا مهمًا، إذ لم تقتصر تداعياتها على تعزيز سلطة الحزب الواحد، بل شهدت أيضًا دخول المرأة إلى البرلمان لأول مرة، في خطوة تاريخية على طريق تمكين المرأة سياسيًا، كما وفّرت نتائجها دليلًا على قدرة النظام السياسي على تنظيم عملية انتخابية واسعة النطاق، رغم افتقارها لعناصر المنافسة والتعددية الحزبية.
أولا: إعادة انتخاب ولد داداه دون منافسة
جاءت الانتخابات الرئاسية لعام 1971 لتكرّس استمرار المختار ولد داداه في الحكم، حيث خاض السباق الانتخابي كمرشح وحيد، تمامًا كما حدث في انتخابات 1961 و1966، وكما كان متوقعًا، حصل على نسبة 100% من الأصوات المعبّر عنها، وهو أمر لم يكن مفاجئًا في ظل غياب أي منافس سياسي .
ووفقًا للبيانات الرسمية، بلغ عدد الناخبين المسجلين 534,994 ناخبًا، شارك منهم 515,121 في التصويت، بنسبة مشاركة بلغت 96.3%. ومع تسجيل 2,413 صوتًا لاغيًا، فإن الأصوات الصحيحة التي بلغت 512,708 صوتًا ذهبت بالكامل لصالح ولد داداه، مما يعني تجديد شرعية نظامه دون أي معارضة سياسية.
هذه النتائج لم تكن تعكس فقط قوة الحزب الحاكم، بل كانت دليلًا على طبيعة النظام السياسي القائم، الذي اعتمد على الحزب الواحد كأداة لتنظيم الحياة السياسية، في ظل إقصاء أي تيار معارض أو منافس محتمل.
ثانيا: الانتخابات التشريعيةو سيطرة مطلقة للحزب الحاكم
لم تختلف نتائج الانتخابات التشريعية عن نظيرتها الرئاسية، إذ حصد حزب الشعب الموريتاني جميع المقاعد الخمسين في الجمعية الوطنية، في تأكيد واضح على هيمنته الكاملة على البرلمان، جاءت هذه النتيجة کحالة طبيعية لغياب أي قوى سياسية منافسة، حيث لم تكن هناك أحزاب معارضة مرخصة يمكنها تقديم لوائح انتخابية، ما جعل العملية الانتخابية أشبه بتزكية للحزب الحاكم.
بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية 95.6%، حيث أدلى 511,414 ناخبًا بأصواتهم، مع تسجيل 7,008 أصوات لاغية، فيما ذهبت جميع الأصوات الصحيحة، وعددها 504,406، لصالح حزب الشعب الموريتاني، مما كرّس استمرار سيطرته على كافة مفاصل الدولة.
التوزيع الجغرافي للنتائج: هيمنة الحزب الحاكم على كل المناطق:
أظهرت نتائج الانتخابات حجم التعبئة السياسية التي قادها حزب الشعب الموريتاني في مختلف ولايات البلاد، إذ سُجلت نسب مشاركة مرتفعة في جميع المناطق، ما يعكس نفوذ الحزب على المستوى الوطني. جاءت أرقام الناخبين على النحو التالي:
منطقة نواكشوط: 15,374 مسجلًا، 15,026 ناخبًا، 14,994 صوتًا معبّرًا عنه.
الولاية الأولى: 88,430 مسجلًا، 82,832 ناخبًا، 82,581 صوتًا معبّرًا عنه.
الولاية الثانية: 54,663 مسجلًا، 53,644 ناخبًا، 53,611 صوتًا معبّرًا عنه.
الولاية الثالثة: 85,190 مسجلًا، 81,706 ناخبًا، 80,347 صوتًا معبّرًا عنه.
الولاية الرابعة: 47,494 مسجلًا، 46,806 ناخبًا، 46,790 صوتًا معبّرًا عنه.
الولاية الخامسة: 93,241 مسجلًا، 90,791 ناخبًا، 90,496 صوتًا معبّرًا عنه.
الولاية السادسة: 99,462 مسجلًا، 95,265 ناخبًا، 95,091 صوتًا معبّرًا عنه.
الولاية السابعة: 44,736 مسجلًا، 43,127 ناخبًا، 42,876 صوتًا معبّرًا عنه.
الولاية الثامنة: 6,404 مسجلًا، 5,924 ناخبًا، 5,922 صوتًا معبّرًا عنه.
ثالثا: دخول المرأة الموريتانية إلى البرلمان
رغم الطبيعة غير التنافسية لهذه الانتخابات، إلا أنها شهدت تطورًا لافتًا تمثل في دخول المرأة الموريتانية إلى الجمعية الوطنية لأول مرة، إذ نجحت كل من السيدة مريم گي و السيدة مريم منت سيدي المختار في الفوز بمقاعد نيابية، مثّل هذا الحدث خطوة مهمة نحو تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية، على الرغم من أن هذه الخطوة كانت في إطار نظام الحزب الواحد.
لقد جاء تمثيل المرأة في البرلمان في سياق التحولات الاجتماعية التي بدأت تشهدها موريتانيا في تلك الفترة، والتي عكست رغبة النظام السياسي في إظهار بعض الانفتاح التدريجي، ولو ضمن أطر محددة لا تؤثر على هيمنة الحزب الحاكم.
رابعا : معارضة في الظل
رغم أن الانتخابات بدت ظاهريًا كاستفتاء على شرعية النظام، إلا أنها لم تخلُ من سياق سياسي مضطرب كانت تعيشه البلاد، فقد واجه نظام المختار ولد داداه معارضة متعددة الأطياف، من بينها الجبهة الوطنية الديمقراطية، التي تأسست في 1964 وضمّت شخصيات سياسية بارزة حاولت تقديم بديل ديمقراطي عن نظام الحزب الواحد، لكن السلطات رفضت الترخيص لها، مما دفع النظام إلى ترسيخ الأحادية الحزبية دستوريًا عام 1965، لضمان عدم وجود أي منافس سياسي مشروع.
إلى جانب ذلك، برزت الحركة الوطنية الديمقراطية، التي تأسست في أبريل 1969 كتنظيم يساري متأثر بالأفكار الاشتراكية الماوية، حيث انتقدت سياسة الدولة واتهمتها بالتحالف مع المصالح الاقتصادية الفرنسية واستمرار التبعية الاستعمارية من خلال اتفاقيات إذعان، وعلى الرغم من قمع النظام لهذه الحركة، إلا أنها نجحت في استقطاب عدد من الشباب المثقف، خاصة في الأوساط الطلابية والنقابية.
أما التيار القومي، فقد كان يمثله بشكل رئيسي حزب البعث العربي الاشتراكي والناصريون، الذين سعوا إلى بناء مشروع قومي عربي يتجاوز الإطار الوطني الضيق، ويربط موريتانيا بعمقها العربي والإفريقي في آنٍ واحد،وقد واجه هؤلاء قمعًا أمنيًا شديدًا، خصوصًا بعد أن بدأ النظام يرى فيهم خطرًا على استقرار سلطته.
خامسا: الدلالات السياسية والاجتماعية للانتخابات
شكلت انتخابات 1971 نقطة تحول في السياسة الموريتانية، إذ حملت معها العديد من الدلالات المهمة:
1. ترسيخ سلطة الحزب الواحد: أكدت الانتخابات أن حزب الشعب الموريتاني بقيادة الرئيس المختار ولد داداه هو القوة السياسية الوحيدة المسيطرة، مما جعل أي تغيير خارج منظومته أمرًا غير وارد في ذلك الوقت.
2. مشاركة شعبية واسعة: رغم غياب المنافسة الحقيقية، فإن نسب التصويت المرتفعة عكست مستوى التعبئة السياسية التي قادها الحزب الحاكم، ومدى انخراط المواطنين في العملية الانتخابية ولو بصورة شكلية وفق الإطار السياسي القائم.
3. بروز المرأة في الحياة السياسية: شكل دخول النساء إلى البرلمان خطوة رمزية مهمة نحو تمثيل المرأة في المشهد السياسي، رغم أن هذا التمثيل ظل محدودًا ضمن هيمنة الحزب الواحد.
خاتمة:
لم تكن انتخابات 8 أغسطس 1971 مجرد محطة انتخابية شكلية، بل كانت تجسيدًا لمرحلة سياسية كاملة، اتسمت بترسيخ نظام الحزب الواحد، وهيمنة حزب الشعب الموريتاني على جميع مفاصل الدولة، واستمرار حكم المختار ولد داداه دون أي معارضة فعلية. لكن هذه الهيمنة لم تستمر دون تحديات، فقد تضافرت عدة عوامل أدت لاحقًا إلى سقوط النظام المدني برمته.
1- الانغلاق السياسي واستمرار الأحادية الحزبية
أدى استمرار نظام الحزب الواحد إلى تضييق الخناق على أي أصوات معارضة، ما دفع المعارضة إلى العمل السري والتخطيط لتغيير الوضع القائم، ولو بوسائل غير ديمقراطية.
2- حرب الصحراء (1975-1978)
مع اندلاع حرب الصحراء الغربية، دخلت موريتانيا في صراع عسكري مرهق ضد جبهة البوليساريو، مدعومة من الجزائر وليبيا، ما استنزف موارد الدولة، وزاد من تذمر الجيش، الذي وجد نفسه يخوض حربًا دون إمكانيات كافية.
3- التدهور الاقتصادي واحتقان الشارع
مع تصاعد تكاليف الحرب، شهد الاقتصاد الموريتاني تدهورًا كبيرًا، انعكس في ارتفاع الأسعار، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، ما أدى إلى تصاعد النقمة الشعبية، خصوصًا في أوساط الجيش، الذي كان يعاني من ضعف التمويل وسوء التجهيز.
أمام هذه العوامل الثلاثة: الانسداد السياسي، الحرب، والأزمة الاقتصادية، وجد الجيش الوطني نفسه أمام فرصة تاريخية للإطاحة بالنظام، وهو ما تحقق في انقلاب 10 يوليو 1978، عندما استولى الجيش على السلطة، رافعًا شعارات إنهاء الأحادية السياسية، وإيقاف الحرب، وإنقاذ الاقتصاد، لكن لم يتحقق ذلك بشكل كامل إلا بإقرار دستور 20 يوليو 1991، الذي أنهى فعليًا مرحلة العهود الاستثنائية، وفتح الباب أمام التعددية السياسية لأول مرة منذ استقلال البلاد.