الإستعمار المعاصر و خطة اترامب / القصطلاني إبراهيم 

عاش أجدادنا حقبة الإستعمار الأولى حيث كان المستعمر يستولي بالقوة على أراضينا و يقتل و يأسر و يعذب كل من سولت له نفسه أن يعارض احتلاله.

كان الأجداد يقاومون ببسالة و يرفضون النظرة الإستعمارية الدونية التي يحاول المستعمر فرضها عليهم، حتى أنهم رفضوا تعليمه، و بضائعه و كل ما يتعلق به حتى ولو كان نافعا، فما هو إلا طعم للإصطياد و طمس للهوية سعيا للسيطرة على الأجيال.

و قرأنا في  تاريخ أجدادنا الكثير من التضحيات و البطولات و الإستماتة من أجل الدين و الوطن و الهوية و بذل الأنفس من أجل الكرامة.

و رغم التفوق العسكري و العددي للمستعمر إلا أنه يئس من إخضاع المقاومين، بل تأكد أن كل ضربة لهم تزيدهم قوة و انتشارا، فقرر  انتهاج نهجا آخر من الإستعمار من خلاله يحقق أهم أهدافه و هو الإستلاء على الثروة و السيادة و ذلك بتطبيق قاعدة الإستقلال  مقابل الإستغلال، و على أن يظل وصيا على الحالة السياسية و السيادية للبلدان بشكل من الأشكال الظاهرة و الباطنة حسب المتاح.

و كُتب لنا أن نعيش ذلك الإستعمار المعاصر الذي نظل فيه رهناء حالة من الخمول و الخضوع و الخنوع لسياسات الغرب طوعا دون مقاومة.

فثرواتنا تستخرج أمام أعيننا دون أن نأخذ منها إلا الجزء اليسير جدا، ليتم تسيير ذلك اليسير بأسلوب عسير، المستفيد الأول منه هم الحكومات المتعاقبة التي ترضخ لأهواء المستعمر في ثوبه الجديد.

إننا نعيش فعلا حقبة الإستعمار المعاصر، و الفرق الوحيد بينه و بين الاستعمار القديم هو أنه ينتج جيلا مساوما بدل الجيل المقاوم، جيلا يساوم على كل شيئ حتى على حساب كرامته.

و مع أن هذا الإستعمار الناعم الناقم، يختبؤ في ثوب من الشراكة و يختفي وراء جدران الديمقراطية و الإنسانية و العدالة و المساواة و القانون الدولي، إلا أن محصلة ذلك كله هو إخضاع البلدان لهيمنته الاقتصادية و السياسية و الثقافية و حتى العسكرية.

إن خطة اترامب حول تهجير الفلسطينيين من أرضهم و تحويلها إلى عقار استثماري و تصريحه بذلك علنا جهارا نهار، هي مجرد انعكاس لحقيقة ظلت ماثلة في كواليس النظام الدولي الذي نعيشيه حتى اليوم.

و حده ترامب يتحدث بشفافية عن الواقع، و ينقل لنا الصورة بأسلوبه اللامبالي ليكشف بشكل كبير ما يدور في الخفاء.

لا يهم اترامب الإبادة الجماعية التي تعرضت لها غزة و لا ما يدور في الضفة من استيطان و قتل و تشريد، و لا ما تفعله إسرائيل في السجون الإسرائيلية المكتظة بالنساء و الأطفال و الرجال الذين سجنوا لمجرد انهم فلسطينيون يؤمنون بوطنهم.
فكل ذلك لا يهمه، بما فيه مشهد الكلاب و هي تنهش جثث الشهداء و الأطفال الخدج و هم يموتون بسبب القصف و قطع الكهرباء.
ما يهمه و يهم المستعمر و حلفاؤه هم أولئك الأسرى الثلاثة الذين خرجوا بعد 15 شهرا من القصف و الدمار الممنهج بإستخدام الأسلحة المحرمة بكل فظاعة، خرجوا بعد وقف إطلاق النار منهكين.

لقد قامت الدنيا و قعدت بسبب رؤيتهم و عليهم آثار الحصار الذي لم ينج منه حجر و لا شجر، و تحرك لأجلهم ترمب و عربد و أزبد، و كأن الإنسان العربي المسلم الذي ذاق الأمرين و أبيد و شرد، لا يرقى في نظرهم لمستوى الإنسانية و لا حتى الحيوانية حتى يتحدث عنه المجتمع الدولي  ، فقد رايناهم يهتمون بحقوق الحيوان أكثر بكثير من حقوق الإنسان الفلسطيني و العرب و المسلمين.
لقد قالها اترامب في خطته المروعة، و بكل تجرد و تمرد: نحن نستعمركم لكنه إستعمار معاصر، يجردكم من انتمائكم و كرامتكم و وطنيتكم مقابل أن نسمح لكم بالعيش بهدوء.

إن العنوان البارز للإستعمار المعاصر هو نزع السيادة عن الدول المستعمرة، بحيث لا تنتج غذاءها و لا دواءها و لا سلاحها، لتبقى عالة على المستعمر في كل شيئ، أما ما يسمح لها به من عتاد و اقتصاد فهو عتاد لتطويع الشعوب و اقتصاد يشوبه الفساد لتموين تمرير صفقات المستعمر بأمان.
لقد اصبحت حقبة الإستعمار المعاصر أكثر رعونة وانكشافا من خلال خطة اترامب، بعد ان ظلت فلسطين عصية على تطبيق الإستعمار المعاصر ، و ظلت لثمان عقود تكافح و تقاوم مستعمر صهيوني يعيش على وهم من القداسة و الإستعلاء يرى من خلاله الآخرين مجرد حيوانات بشرية متوحشة. 

و الحقيقة أن شعب فلسطين الذي قاوم لمدة ثمان عقود لن تطبق عليه استعمار من اي نوع لأنه بإختصار بذل في سبيل الحرية و الانعتاق ثمنا لا يقابله إلا أن يجد حقوقه كاملة غير منقوصة أو إن يظل يقاوم و يقاوم و هو حر أبي لا يدين لإحتلال دون أن يستبدل إستعمار تقليلدي بإستعمار معاصر يوقع عليه الرئيس أترامب.

13. فبراير 2025 - 16:18

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا