
بعد عام مليء بالعطاء والإنجازات وحمل هموم ومطالب أبناء القارة الإفريقية والصدع بها في المحافل الإقليمية والدولية، سلم فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني رئاسة الاتحاد الإفريقي لخلفه الأنغولي جواولورينسو، في القمة الـ 38 بأديس أبابا يوم 15 فبراير2025، ليسدل الستار بذلك على مسيرة 12 شهرا من العمل الدؤوب شكلت نهضة في تاريخ الاتحاد على المستوى المؤسسي والدبلوماسي والتنموي.
لقد كانت هذه الرئاسة الدورية شاهدة على الحكمة والتبصروالفعالية والحيوية، وهو ما مكن من تحقيق إنجازات هامة في مجالات دعم الأمن والاستقرار، ونزع فتيل الأزمات، وتعزيز مكانة إفريقيا وحضورها العالمي، فضلا عن الإصلاح المؤسسي والحوكمة البيئية وحشد الدعم المالي للتنمية بإفريقيا.
أولًا: دعم الأمن والاستقرار في إفريقيا
يمتلك فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني تشخصيا دقيقا لأبرز تحديات إفريقيا وخصوصا ما يتعلق بمعوقات الأمن والاستقرار الذي ترتبط به التنمية، وهو ما عبر عنه يوم انتخابه من قبل رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي في 17 فبراير 2024 حين قال في خطابه بالمناسبة:
"إن من أكبر التحديات التي تواجه قارتنا، انتشار التوترات، والنزاعات المسلحة، والمجموعات الإرهابية، التي تهدد باستمرار كيانات الدول، بنسفها الأمن والاستقرار، وتفكيكه االأنسجة الاجتماعية، وإعاقتها الجهد الإنمائي، وإضرارها البالغ بالظروف المعيشية للسكان".
وانطلاقا من خبرته العسكرية والأمنية لعب فخامة رئيس الجمهورية دورًا بارزًا في تعزيز الأمن والاستقرار في القارة الإفريقية، وهو ما ساعد في طرح حلول عملية ناجعة للصراعات القائمة في إفريقيا.
كما شجع التعاون الاستخباراتي والعسكري بين دول الاتحاد الإفريقي لمواجهة التحديات المشتركة، مثل الإرهاب والجريمة المنظمة.
وضمن جهوده لنزع فتيل الأزمات فقد دعم جهود الوساطة وساهم في دعم المفاوضات لحل النزاعات في دول الساحل، فضلا عن دعم الحوار بين الفرقاء السياسيين في عدد منالبلدان الإفريقية كحالتي ليبيا والسودان نموذجا.
ثانيًا: الحوكمة العالمية وتعزيز مكانة إفريقيا دوليًا
في خطاب تسلمه الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي أكدفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني على “ضرورة إصلاح منظمة الأمم المتحدة لتعزيز حضور إفريقيا في الهيئات القيادية، وضمان تمثيل عادل لها في النظام الدولي”.
وطيلة فترة رئاسته الدورية عمل على تعزيز مكانة القارة الإفريقية في الساحة الدولية، من خلال الدفاع عن التمثيل العادل لإفريقيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
حيث دعا إلى منح القارة مقعدين دائمين في مجلس الأمن، بما يعكس مكانتها وثقلها الجيوسياسي، وطالب بإصلاح النظام المالي الدولي وضرورة مراجعته ليكون أكثر إنصافًا للبلدان الإفريقية، خاصة ما يتعلق بالديون وإعادة الهيكلة الاقتصادية.
وفي مختلف المناسبات ذات الصلة ظل صاحب الفخامة يشدد على ضرورة التعاون الدولي وفق مبادئ القانون الدولي بما يخدم مصالح إفريقيا؛ وهو ما أشار إليه في خطابه أمام القمة الإفريقية الـ 38 يوم 15 فبراير 2025 حين قال:
"دافعنا في كل المحافل، عن حق القارة في التمثيل المناسبفي مجلس الأمن وفي المؤسسات المالية المتعددة الأطراف، وعن ضرورة إعادة صياغة قواعد الحكامة الدولية، وتعزيز التعاون المتعدد الأطراف، وقد لاقت جهود المناصرةِ هذه أصداء إيجابية والتزامات صريحة بالعمل بمقتضاها في مختلف القمم والمؤتمرات".
ثالثًا: الحضور الإفريقي في المحافل الدولية
حرص فخامة رئيس الجمهورية على تعزيز الحضور الإفريقي في المحافل الدولية، واتخذ من مشاركاته في القمم الدولية التي حضرها مناسبة لعرض القضايا الإفريقية والدفاع عنها.
ففي القمة الإفريقية-الكورية (يونيو 2024 - سيول)، أكدعلى أن النظام العالمي بحاجة إلى “إصلاحات جذرية تتطلب تنسيق المواقف الإفريقية، خصوصًا فيما يتعلق بإصلاح مجلس الأمن الدولي”.
وفي قمة التعاون بين إفريقيا والصين (سبتمبر 2024 - بكين) شدد على أهمية إعادة بناء منظومة الحوكمة السياسية والمالية العالمية لجعلها أكثر عدلًا وإنصافًا، ودعا في قمة الأمم المتحدة لمستقبل العالم (سبتمبر 2024 - نيويورك) إلى “إصلاح شامل لمنظومة التعاون الدولي، وتجديد الثقة في أهداف التنمية المستدامة”.
أما في قمة مجموعة العشرين (نوفمبر 2024 - ريو ديجانيرو) فقد هنأ الاتحاد الإفريقي على اعتماده كعضو دائم في المجموعة، مما يعزز دوره في صناعة القرار الدولي، وأكد في قمة مجموعة بريكس (أكتوبر 2024 - روسيا) على“ضرورة تعزيز النظام متعدد الأطراف لضمان عالم أكثر عدلًا وديمقراطية”.
وقد أثمرت هذه الجهود إدراج إفريقيا ضمن الأعضاء الدائمين في مجموعة العشرين، وإدراج بند في إعلان قمة بريكس لتعزيز التعددية كنظام عالمي أكثر عدلًا، واعتراف الأمم المتحدة بالحاجة إلى إصلاح مجلس الأمن، بما يضمن تمثيلًا عادلًا لإفريقيا.
رابعًا: الإصلاح المؤسسي للاتحاد الإفريقي
من بين الإنجازات الهامة التي تحققت خلال تولي فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي، إعادة هيكلة القيادة العليا لمفوضية الاتحاد، حيث تم فتح باب الترشيح وفق معايير جديدة تضمن الكفاءة والاستحقاق.
وضمن جهود الإصلاح المؤسسي تم تقييم كفاءات الموظفينفي الاتحاد الإفريقي، من خلال عملية تقييم شاملة لـ 682 موظفًا، بهدف تحسين الأداء الإداري وضمان توظيف الكفاءات المناسبة.
هذا بالإضافة إلى سلسلة من الإجراءات الهادفة إلى تعزيزالشفافية في آليات صنع القرار داخل الهيئات المختلفة للاتحاد الإفريقي.
خامسًا: الحوكمة البيئية والتغير المناخي
كانت الملفات ذات الصلة بالتغير المناخي إحدى أولويات فخامة رئيس الجمهورية طيلة رئاسته الدورية للاتحاد الإفريقي، حيث ظل يشدد على ضرورة دعم الدول الإفريقية في مواجهة الاحتباس الحراري، نظرًا لتأثرها الكبير مقارنة بمساهمتها الضئيلة في الانبعاثات.
كما ظل يدعو إلى زيادة تمويل مشاريع الطاقة المتجددة في إفريقيا، لتعزيز قدرتها على مواجهة التغيرات المناخية، وتعزيز التضامن الدولي لمساعدة الدول الإفريقية الأقل نموًا في التصدي للآثار البيئية السلبية.
وقد عبر عن ذلك خلال مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ(COP29) المنعقد في أذربيجان، مشيرًا إلى أن “القارة الإفريقية بحاجة إلى دعم قوي لمواجهة التغيرات المناخية، وتحقيق التكيف والصمود في وجه تداعياتها”.
سادسا: نتائج قياسية في حشد الدعم المالي
خلال فترة تولي فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي، تمكن الاتحاد من تعبئة موارد مالية قياسية وتوجيهها إلى مشاريع تخدم الشعوب الإفريقية.
ومن النماذج على حشد الدعم المالي:
1ـ تعبئة 100 مليار دولار عبر تجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية
2 ـ تخصيص 14 مليار دولار لدعم تمويل الصادرات في إفريقيا من خلال الشراكة مع كوريا الجنوبية
3 ـ تعهد المجتمع الدولي خلال قمة باكو لمساعدة الدول النامية في مواجهة تغير المناخ بـ 300 مليار دولار سنويا، ضمن جهود إفريقيا لتحقيق تحول طاقوي عادل
4 ـ تعهد الصين بـ 50 مليار دولار لدفع عجلة التنمية في القارة الإفريقية
5 ـ ارتفاع المساعدات الإنمائية الكورية لإفريقيا إلى 10 مليار دولار مقارنة بـ 5,5 مليار دولار سابقا
6 ـ انطلاق مشروع "المهمة 300" الذي يستهدف 300 مليون مواطن إفريقي خلال قمة الطاقة بدار السلام
نهج ينبغي أن يعزز
رغم التقدم المحرز خلال فترة تولي فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي، فإن العديد من التحديات لا تزال قائمة، ولرفع هذه التحديات يتوجب:
1.استكمال الإصلاح المؤسسي للاتحاد الإفريقي، لضمان فعاليته في مواجهة التحديات الإقليمية.
2.زيادة ثقل إفريقيا في الحوكمة العالمية، من خلال تعزيز دورها في المنظمات الدولية.
3.ضمان تنفيذ القرارات المتخذة بشأن قضايا السلام والأمن والتنمية المستدامة، بما يحقق استقرارًا طويل الأمد في القارة
وسبيلا إلى تذليل الصعاب ورفع التحديات أعاد فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني التذكير بما أشار إليه في خطاب تسلم الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي، وهو أن تجاوز العوائق ورفع التحديات لا يكون إلا "بالاتحاد وصهر الجهود الذي تستوجبه قيمنا المشتركة ويمليه إدراكنا لوحدة المصير ويقضي به حجم الرهان ويستلزمه سمو الغاية التي نسعى إليها".