حالة من الركود تطغى على المشهد السياسي الوطني هذه الأيام، وحالة من الضبابية تخيم على أجواء منسقية المعارضة الديمقراطية بعد الشوط الثاني من الانتخابات، المنسقية يبدوا أنها ركنت إلى الدعة والراحة وابتعدت عن الساحة، تاركة المجال أمام المشهد السياسي المرتبك الذي أفرزته انتخابات 23 نوفمبر و21 ديسمبر 2013.
الوقائع على الأرض تقول إن منسقية أحزاب المعارضة اكتفت من الغنيمة بالإياب، وبدأت بمراقبة المشهد السياسي من بعيد، وكأنها بذلك تلعب دور الأسد الجريح الذي فضل الانسحاب من الساحة على خوض نزال جديد يعلم أنه هو الخاسر الأبرز فيه.
السؤال: ماذا خسرت المنسقية من وجودها في الصورة قبل وبعد الانتخابات حتى تختفي بهذه الطريقة الغريبة؟
ما أعتقده هو أن المنسقية ربحت وربحت كثيرا من عدم مشاركتها في الانتخابات الأخيرة، وكشف موقفها المقاطع عن سيء الفعل السياسي الذي ارتكب بحق الشعب الموريتاني في تلك الانتخابات التي كانت لعبة لا تخفى تفاصيلها على المتبصر والمتأمل.
برهنت المنسقية على وجودها في الساحة قبل الانتخابات وفي ما بين الشوطين، وهي اليوم مطالبة بتوضيح أن ما جرى لم يؤثر على وجودها وحضورها في المشهد.. لذلك من الضروري أن تبتعد المنسقية عن الركون إلى الراحة والخلود إلى السكينة السياسية، لأن ذلك يتنافى مع الفعل السياسي المؤثر والمطلوب في هذه اللحظة السياسية المتأزمة.
ما من شك في أن الساحة السياسية مقبلة على كثير من الانسداد الناتج عن اللعبة الانتخابية العرجاء التي استمرت على مدى الشهرين الأخيرين من العام الماضي، هذا بالضبط ما يدعو منسقية المعارضة إلى أن تكون حاضرة ببديهتها السياسية التي من المفترض أن توجهها إلى إبداع نوع جديد من الضغوط المؤثرة، عساها تغير أو توجه من خلالها التيار السياسي الحالي لما يخدم أهدافها المرحلية، وهي بذلك تضغط على النظام الذي كاد أن يخرج من الانتخابات الأخيرة بنشوة النصر، لولا أن إرادته تكسرت على صخرة الرفض الشعبي في المناطق التي كان يحاول أن يظهر فيها تماسكه وقوته (مقاطعة كرو – مقاطعة الطينطان – مقاطعة عرفات – مقاطعة دار النعيم) .
الشعب الموريتاني وجه صفعة قوية للنظام في المناطق المذكورة، مع العلم أن هذ الأخير استخدم كل الوسائل المادي منها والمعنوي من أجل التأثير على توجهات الناخبين في تلك المناطق، لكن المواطنين أبوا إلا أن يعبروا عن استيائهم من النظام، وذلك عبر خروجهم - غير المألوف - من العباءة التقليدية التي كان النظام يلبسهم إياها كل ما كان في ضيق من أمره.
الكبرياء السياسي لمنسقية أحزاب المعارضة يفرض عليها التحرك من أجل استثمار هذا الاحتقان الحالي في الضغط الجدي والفعال على النظام الحالي، علها بذلك تحرك المشهد السياسي الراكد هذه الأيام.