التفكير بمنطق التفاوت في الأنساب والأعراق والقبائل أمر سائد في المجتمع الموريتاني، وقد نالت من آثاره شريحة “المعلمين” نصيبا وافرا إذ ظلت تعاني من الصورة النمطية المحفورة عنها في المخيلة الاجتماعية للفرد رغم دورها الريادي في مجال الإبداع و ضمانها للمجتمع تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الصناعات و تميزها بالذكاء الخارق و الخيال الخصب.
إن التفاوت الاجتماعي يمد جذوره في بنية الحياة الاجتماعية وسيرها الطبيعي، وتحافظ عليه المؤسسات الاجتماعية ، و تزيد من حدته المحافظة على شروط العيش عند هذه الطبقة ، و لست هنا في وارد انتقاد الحرف و المحافظة عليها و تطويرها و إنما طريقة التعاطي مع الصفة و الاستسلام لظلالها و أثارها النفسية.
لم يتطور الوعي الاجتماعي عندنا إلى وعي مؤسسي، لأسباب سياسية، وثقافية، وتقليدية، تتلخص في غياب مناخ الممارسة الديمقراطية الحقيقية، وسيطرة الثقافية الموجهة ، والحضور القوي للعلاقات التقليدية ، وتكريس سيطرة الطبقة المركزية المتحكمة على منابع القوة ، و سيادة نظامها الفكري مما يبرر للغالبية العظمى من أفراد المجتمع أحقية هذا السلوك بالبقاء .
كما أن القاعدة الاقتصادية لجماعة ما تلعب دوراً مهماً في التركيبة الاجتماعية والثقافية للمجتمع ككل ، بمعنى ان الجماعة التي لها قوة اقتصادية عظيمة، تستطيع أن تترجم هذه القوة الاقتصادية إلى قوة سياسية، وتتمكن من خلالها من تغيير موقعها داخل المجتمع.
إن ردات الفعل التي تحدث بين الفينة و الأخرى ، و التي قد تأخذ مظاهر تستهدف الدين ، أمر طبيعي إذ ليست إلا تجليات لركود حركة التغيير الاجتماعي و مراوحة عجلة التنمية مكانها ، فلو كان الأمر غير ذلك لتغيرت الروابط بين الأفراد إلى مهنية و سياسية و نقابية و اختفت التصنيفات الأخرى ، و لا استطاع المجتمع أن يؤسس لجملة معايير تكون أساسا جديدا لتقويم فرد .
لا نستطيع أن نحمل أية جهة اجتماعية معينة مسؤولية ما تعانيه هذه الشريحة ، لأن ما كان سائدا هو طريقة عيش سارت بها الأحداث في التاريخ ، كما أن تطور المجتمع و تغير سلوكه و تعاطيه مع التطور كفيل بالقضاء على هذا التفاوت ، فالمعركة كما أراها معركة تنمية ، و تختلف المعاناة من شخص لآخر ، و لكن الجميع يعاني ما دامت موريتانيا تعيش تغيير الوجوه و ثبات عجلة التنمية.