من حقنا أن نقلق من تدفق المهاجرين! / محمد الأمين الفاضل

من حقنا في هذه البلاد أن نقلق ونحن نشاهد أفواج المهاجرين يأتوننا من كل فج عميق، فمنهم من يأتي إلى بلدنا ليتخذ منه منطقة عبور إلى بلدان أخرى قد لا يصل إليها، ومنهم من يأتي أصلا وفي نيته أن يتخذ من بلادنا مقاما ومستقرا دائما.

نعم، من حقنا أن نقلق من تدفق المهاجرين إلى بلدنا، فهذا التدفق الحاصل يهدد بلادنا على أكثر من صعيد، وسنتوقف في هذا المقال مع بعض أوجه ذلك التهديد.

أولا / الفئات الهشة هي المتضرر الأول من تدفق المهاجرين

إن أغلب المهاجرين غير النظاميين الذين يقصدون بلادنا للعبور أو الإقامة الدائمة، هم في الغالب فقراء تقطعت به السبل في بلدانهم، فهم ليسوا رجال أعمال، وبالتالي فلا خوف لدى رجال الأعمال من أي منافسة من طرف المهاجرين، وهم ليسوا كذلك من أصحاب الشهادات الجامعية العليا والكفاءات العالية لينافسوا حملة الشهادات والموظفين فيما يتوفر من فرص التوظيف في بلادنا . إنهم في الغالب الأعم من البسطاء الذين تقطعت بهم الأسباب، وقد جاؤوا إلى بلادنا ليقتاتوا من مختلف المهن والحرف البسيطة المتاحة، ولذلك فهم عندما يأتون إلى بلادنا فإنهم لا ينافسون رجال الأعمال، بل إن رجال الأعمال يستفيدون منهم لاستعدادهم للعمل بأجور متدنية، ولا ينافسون الطامحين لوظائف سامية، وإنما ينافسون حصرا الفئات الهشة في مصادر رزقها، مما يعني أنه لن يكون بإمكاننا أن ننجح في النهوض بالفئات الهشة وترقيتها، في ظل تدفق المهاجرين واستمرار منافستهم الشرسة لليد العاملة الوطنية، وستظهر لنا استحالة إحداث ترقية اجتماعية حقيقية في الأوساط الهشة في ظل تدفق المهاجرين الأجانب، إذا ما استحضرنا الحقائق الأربع التالية:

1 ـ أن اليد العاملة الوطنية هي يد عاملة غير مدربة، بسبب غياب التكوين المهني القاعدي، وذلك على العكس من اليد العاملة الأجنبية التي تمتلك تكوينا وخبرة أكبر؛

2 ـ أننا مجتمع كسول واتكالي، وكثير من الفقراء في بلدنا غير متحمس أصلا للعمل، ويبحث دائما عن مصادر للرزق من دون عمل؛

3 ـ أننا مجتمع مظاهر، فالفقير فينا يسعى دائما لأن يظهر بمظهر الغني، وهذا يحول من جهة دون إمكانية الادخار من الأجور المتدنية لتوفير ما يكفي مستقبلا لإطلاق مشروع أو ورشة صغيرة، ويحدُّ من جهة أخرى ـ أي كوننا مجتمع مظاهرـ  من الاستعداد للعمل بأجور متدنية جدا، وذلك على العكس من المهاجرين المتدفقين إلى بلادنا، فهم على استعداد للعمل بأي أجر مهما كان متدنيا، وهم بالإضافة إلى ذلك قادرون على الادخار من الأجور المتدنية، والاستمرار في الادخار، حتى يطلقوا مشاريعهم ومقاولاتهم الصغيرة؛ 

4 ـ ضعف ثقة رب العمل المحلي في اليد العاملة الوطنية، وانبهاره بالأجنبي، لأسباب بعضها وجيه وبعضها غير ذلك، ومن الأسباب الوجيهة كفاءة الأجنبي، وجديته، واستعداده للعمل بأجر ضعيف جدا.

في العام 2007 أطلقتُ مركز "الخطوة الأولى" للتنمية الذاتية من مقاطعة عرفات، وكان هذا المركز يقدم برامج متكاملة في التثقيف الحرفي، ولا أقول التكوين المهني، وقد راسلتُ حينها كل القطاعات المعنية بالتكوين المهني ومحاربة الفقر لتبني هذه الفكرة، وفتح مراكز للتثقيف الحرفي وتغيير العقليات في المدن الكبرى، ولو أن هذه الفكرة تم تبنيها في ذلك الوقت لما ظلت إشكالية عدم قدرة اليد العاملة الوطنية على منافسة اليد العاملة الأجنبية مطروحة حتى اليوم.

خلاصة القول في العنوان الفرعي الأول من المقال: إن تدفق المهاجرين يهدد الفئات الهشة في مصادر رزقها، والمتضرر الأول من المهاجرين هم المنحدرون من الفئات الهشة، وسيبقى من المستحيل أن نرقى بالفئات الهشة مهما اتبعنا من سياسات اجتماعية، إذا لم نحد من تدفق المهاجرين، ونضع في الوقت نفسه خططا طموحة لتأهيل اليد العاملة الوطنية لتصبح قادرة على المنافسة في سوق العمل.

ومما يجب ختم هذه الفقرة به، هو لفت الانتباه إلى أن الدولة تضع قيودا على استيراد بعض المنتجات الأجنبية، وترفع الرسوم الجمركية عليها حماية لمنتج وطني قد لا يكون بجودة عالية، فلماذا لا تضع الدولة قيودا على تدفق اليد العاملة الأجنبية حماية لليد العاملة الوطنية، والتي أصبحت مهددة في أرزاقها بسبب تدفق المهاجرين الأجانب؟

ثانيا / تدفق المهاجرين والإخلال بالتركيبة الديمغرافية

كما هو معلوم للجميع، فإن المجتمع الموريتاني يتشكل من مكونات عرقية مختلفة، ولكل مكونة من المكونات الوطنية امتداداتها خارج الحدود، ولذا فمن حقنا أن نعبر عن قلقنا عند حدوث أي موجة هجرة واسعة من الشمال أو الجنوب، وذلك لأنها ستؤثر قطعا على تركيبتنا الديمغرافية، وسيزداد قلقنا وجاهة إذا ما استحضرنا الحقائق الخمس التالية:  

1 ـ  إن الدول المحيطة بنا شمالا أو جنوبا، والتي تشكل امتدادا لمكوناتنا الوطنية، هي دول ذات كثافة سكانية كبيرة جدا، بالمقارنة مع سكان بلدنا الذين لا يتجاوزن خمسة ملايين نسمة، وهو ما يعني أن أي تدفق للمهاجرين من الشمال أو الجنوب سيؤثر حتما على التركيبة السكانية للبلد، وسيؤدي إلى اختلال في التوازن الديمغرافي، بل إنه قد يجعل الموريتانيين الأصليين في مجموعهم، ومن مختلف المكونات، أقلية بالمقارنة مع المهاجرين، إذا ما استمر تدفق المهاجرين بهذه الكثافة الحالية لسنوات أخرى قادمة. وعلى العكس من ذلك، فلو افترضنا أن الشعب الموريتاني هاجر عن بكرة أبيه إلى إحدى دول الجوار، شمالا أو جنوبا، فإن ذلك لن يؤدي إلى إخلال يذكر بالتركيبة السكانية للبلد المهاجر إليه؛

2 ـ ضعف الولاء الوطني لدى العديد من الموريتانيين من مختلف الأعراق والمكونات، ولذا فإننا قد نجد مواطنا موريتانيا يجعل من ولائه لبعض أقاربه الصحراويين مثلا فوق ولائه لموريتانيا، وقد نجد مواطنا موريتانيا آخر يضع ولاءه لبعض أقاربه في السنغال أو مالي فوق ولائه لموريتانيا، ولذا فإن أي مهاجر يأتي من الشمال أو الجنوب سيجد حاضنة شعبية داخل موريتانيا، وسيجد في الغالب من سيسعى جاهدا لتجنيسه، وهنا يكمن الخطر الأكبر لتدفق المهاجرين على التركيبة السكانية للبلد؛ 

3 ـ وجود أطماع تاريخية لدى بعض الدول أو الشعوب من خارج موريتانيا، ففي الشمال يمكن أن نتحدث تاريخيا عن المغرب، وفي الجنوب يمكن أن نتحدث عن دعوات متنامية لدى بعض النخب الإفريقية مفادها أن العرب هم مستوطنون جدد للقارة، وأن للأفارقة السود الحق ـ كل الحق ـ في تحرير البلدان الافريقية ممن احتلها من العرب، وأصحاب تلك الدعوات يعتبرون موريتانيا هي المنطقة الرخوة التي يجب أن تتجه إليها الأنظار؛

4 ـ تنامي الصراعات والحروب والفتن في العديد من دول القارة، مما يزيد من تدفق المهاجرين بحثا عن الأمن، فمثلا، ففي دولة مالي الشقيقة، والتي تربطنا بها الحدود البرية الأطول ( 2237 كلم )، هناك بعض المجموعات العرقية التي تتعرض اليوم لشبه حرب إبادة ربما لإجبارها للبحث عن وطن بديل (اتكارير مثلا)، وحرب الإبادة تلك قد تدفع الكثير من أبناء تلك المجموعة العرقية إلى الهجرة، وتبقى موريتانيا هي الوجهة الأقرب وربما الأفضل، ومما يزيد من القلق بخصوص هذه الجزئية، أن مخيم "أمبرة" يوجد فيه لوحده 100 ألف لاجئ من مالي.

ومما يزيد القلق أكثر حتى يصل إلى منتهاه، هو أن بعض الدراسات المتخصصة تتحدث عن وجود 17 مليون شخص في منطقة الساحل والصحراء يتأهبون للهجرة، وهناك منظمات أوروبية تتوقع أن تكون موريتانيا وطنا بديلا لأغلبهم!

إن غالبية هؤلاء المتأهبين للهجرة يرون أن موريتانيا هي الوجهة الأفضل، سواء كانت وجهة عبور، أو وجهة استقرار دائم، وهذا ليس مجرد تخمين، وإنما هو استنتاج متواتر لدى كل المعنيين بملف الهجرة؛

5 ـ لا يتوقف القلق عند هجرة الكبار، فبلادنا تعاني كذلك من هجرة الأطفال الصغار، والذين يأتون إلى بلدنا للتعلم في ظاهر الأمر، وللتسول لأشياخهم في باطنه. هؤلاء الأطفال يطرحون مشاكل جمة، فهم من جهة يُظهرون موريتانيا وكأنها تشجع عمالة الأطفال من خلال التسول، وهم من جهة أخرى سيكبرون في بلدنا، ويأخذون من عاداتنا وثقافتنا، وقد يُطالبون مستقبلا عندما يكبرون بالجنسية الموريتانية، وفي حالة رفض منحها لهم، فإنهم قد يشكلون ظاهرة "البدون" في بلادنا.

خلاصة القول في العنوان الفرعي الثاني من المقال: إن بلدنا يشكل وجهة مفضلة لعبور المهاجرين ولإقامتهم، وذلك في وقت تتزايد فيه أعداد من يتأهبون للهجرة بشكل كبير، ولذا فعلى كل موريتاني، أن يقف بقوة ضد الهجرة غير الشرعية إلى بلادنا، حتى وإن كان ينتمي إلى نفس المجموعة العرقية التي ينتمي إليها المهاجر القادم.

ثالثا / تدفق المهاجرين وتفشي الجريمة

تزداد الجرائم وتتطور مع تزايد الأجانب في بلادنا، وقد لفتت انتباهي في الحلقة الأخيرة من "صالون المدونين" التي نُظمت في مدينة روصو، وناقشت ملف الهجرة غير الشرعية، مداخلة أحد شباب مدينة روصو، والتي عدد فيها أبشع الجرائم التي شهدتها المدينة خلال السنوات الأخيرة، وأكد هذا الشاب في مداخلته أن كل الجرائم البشعة التي عددها كانت بتوقيع أجانب.

إن ارتباط تطور الجريمة في بلادنا مع تزايد الأجانب يثير القلق، ومما يثير القلق أكثر:

1 ـ أن العديد من الدول التي يأتينا منها مهاجرون نظاميون وغير نظاميين هي دول تعاني من عدم الاستقرار وتفشي الجريمة والمخدرات والإرهاب، ولذا فلن يكون من المستبعد أن يحاول مجرمون ممن يتعاطون أو يتاجرون بالمخدرات أن يتسللوا مع أفواج المهاجرين، ولن يكون من المستبعد كذلك أن يحاول بعض المنخرطين في منظمات مسلحة أو إرهابية التسلل إلى بلادنا مع أفواج المهاجرين المتدفقة؛

2 ـ يُعرف المهاجر الموريتاني بسلميته أينما ارتحل وانتجع، ومن النادر جدا أن تجد موريتانيا يُمارس العنف خارج بلده، وعلى العكس من ذلك، فإننا نجد أن بعض الأجانب في بلادنا يُمارس العنف، بل إنه قد ينخرط في الاحتجاجات الشعبية، ويمارس من خلالها عمليات النهب والتخريب، ولعلكم تذكرون بيانات وزارة الداخلية التي أكدت وجود أعداد كبيرة من الأجانب في المظاهرات والاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية الماضية، أو تلك التي أعقبت حادثة وفاة عمر جوب؛

3 ـ لا يتوقف القلق عند هذا الحد، فالاتحاد الأوروبي الذي من المفترض أن يكون شريكا جديا مع بلادنا، نجده دائما ومن خلال بعض قنواته السياسية والإعلامية والحقوقية يشجع الخطاب المتطرف والعنيف في بلادنا، ويعمل في الوقت نفسه على زرع الخلاف والشقاق بين المكونات الوطنية، فمن النادر جدا أن تجد أي موريتاني يُحتفى به في الغرب، إن كان صاحب خطاب وطني جامع وبغض النظر عن انتماءاته العرقية، وفي المقابل فكثيرا ما يتم الاحتفاء بكل موريتاني يتبنى خطابا فئويا، يسعى من خلاله إلى تفكيك البلد وتمزيق لحمته، وتأليب بعض مكوناته على بعضها الآخر.

خلاصة الخلاصات: من حقنا ـ بل ومن واجبنا جميعا ـ أن نقلق من تدفق المهاجرين إلى بلادنا، وعلينا جميعا، وبغض النظر عن انتماءاتنا العرقية وتخندقاتنا السياسية أن نقف صفا واحدا للحد من هذا التدفق المقلق حقا، وعلينا أن نحثَّ الحكومة على اتخاذ إجراءات صارمة للحد من تدفق المهاجرين إلى بلادنا، وأن نقف معها كلما اتخذت إجراءات صارمة في هذا المجال.

ويجب أن يتم كل ذلك بحكمة ومسؤولية، حتى لا يكون له أي تأثير سلبي على جالياتنا في الخارج.

حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين الفاضل
[email protected]

 

 

5. مارس 2025 - 18:13

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا