كالعادة ثارت ثائرة الغيورين على الدين، وصبوا جام غضبهم على الأغبياء الجهلة الذين وصل بهم التخلف والغرور إلى درجة الإلحاد، والتجاسر على مقام نبي الرحمة، وإن كان الملحدون مجهولين، متخفين تحت أسماء مستعارة كعقولهم، أو مقيمين
في بلدان خارجية لا سلطة لبلدنا عليها، فإن المسكين الذي تطاول جهلا على الرسول صلى الله عليه وسلم –كما قيل، لم أقرأ المقال والحمد لله-، يقيم في عاصمتنا الإقتصادية التي تفتقر إلى وصف "مدينة"، كالعاصمة الغير سياسية نواكشوط.
وطبعا لا ألوم المنتصرين لله ورسوله، ولكن لا بد من تفكير في أسباب هذا الفكر الدخيل، ومحاولة القضاء عليه من جذوره بدل الصياح في الشوارع بعد كل لطمة، والمطالبة بإنزال العقاب على أطفال وجهلة لو أننا حصناهم بمضادات البدعة الحيوية مما كان عليه سلف الأمة، وبالعلم النافع لما وصلوا إلى هذه المرحلة.
إن من أهم عوامل استقرارنا في هذا البلد تمسكنا بهذا الدين العظيم، رغم اختلافنا في طريقة التمسك به، فبعضنا يتعلق به بيديه، والبعض الآخر برجليه، ومن أجل تصحيح المفاهيم يجب التأمل في بعض الأمور التي تنخر في مجتمعنا، في محاولة للتغلب عليها، ومنها: إتباع السبل المتفرقة التي تنخر في مجتمعنا، وعلى كل سبيل منها شيطان معمم يدعي الصلاح، يقذف من أطاعه في حفر البدع والخذلان، ومنها المزج الغريب بين الصلاة في المسجد وأكل المال الحرام، وبين الشيب والمجون، والتكالب على الدنيا وأهلها لدرجة نسيان الآخرة والمذكرين بها! واستبدال المن والسلوى بالعدس والبصل ممثلا في استبدال اللغة العربية بلغة النصارى، والنتيجة أن الأبناء بسبب التعليم الغربي مالوا إلى عادات الكفار أكثر من عادات المسلمين، وعلموا عن الكفر والكفار أكثر مما علموا عن الإسلام والمسلمين! وأحبوا الكفر والكفار أكثر مما أحبوا الإيمان والمؤمنين، وإذا أردت اختبار أحدهم في ذلك فأسأله عن رسول الأمة عليه الصلاة والسلام، وعن ميسي، وانظر في أيهما سيكون أخبر! فماذا ننتظر منهم بعد فشلنا على الأقل في المزج بين اللغتين؟
إن المفاهيم الدخيلة علينا مثل "حرية التعبير"، و"حرية المرأة"، و"حرية التدين"، هي السبب في الكثير من بلائنا، فمثلا: أصبح بوسع أي كان أن يعتقد أن بإمكانه أن يقول ما شاء، فحرية التعبير مكفولة في أجواء الديمقراطية المخنثة التي نعيشها، والتي هي في حقيقتها أبعد شيء عن الديمقراطية، فخرج علينا مثل هذا المسكين بذلك المقال، والقادم أدهي.
كذلك بحجة تحرر المرأة، ومشاركتها في كل شيء حتى القضاء! خرجت المرأة المسكينة من بيتها الدافئ الآمن إلى حلبة الحياة لتصارع مثل الرجل، معرضة نفسها للكمات المشوهة لجمالها واستقرارها، ومتخلية عن راحتها وسعادتها التي لن تجدها في غير بيتها الذي هو مملكتها الحقيقية.
والمرأة بطبيعتها ليست كالحيوان الرجل، فالأخير خلق للكد ومواجهة الوحوش البشرية وحتى غير البشرية، أما هي فوجودها في بيتها أريح لها وأضمن لسلامتها، وكل امرأة تعرف ذلك، ولكن نتيجة لإلتباس المفاهيم، والبعد عن الصراط المستقيم، اضطرت المسكينة إلى الخروج إلى معمعة الحياة، راكلة خدرها برجلها، ومعرضة نفسها للخطر المتربص بها في كل زمان ومكان، وكل ذلك في سبيل تحصيل الجاه ولقمة عيش الله أعلم بما ترغمها الظروف على تقديمه في مقابلها، لقمة عيش بخل بها في هذا الزمان الأقربون قبل الأبعدون! فكم هي مثيرة للشفقة المرأة في هذا الزمان.
ومن أراد أن يعرف نتائج هذا الهروب من البيت، فليتأمل في أفلام الرعب الأمريكية، وسيعرف أن كتاب قصصها غالبا ما يركزون على فتاة يافعة تعيش في شقة وحدها بعيدا عن أهلها، معرضة نفسها للمجرمين والشياطين، وأغرب تلك الأفلام فيلم "العين"، والذي يحكي قصة فتاة تسكن وحدها في شقة، وهي زيادة على ذلك عمياء!!
لقد تحولت المرأة العصرية في هذا الزمان إلى طريدة تطارد السباع في المكاتب وكل مكان! دافعة ثمن ركلها لبيتها غاليا في أغلب الأحيان..
إن التغلب على موجة الإلحاد التي بدأت تظهر في مواقعنا ومقاهينا يقوم في رأيي على بث المعرفة الدينية الصحيحة في مدارسنا وخيامنا، ومحاربة البدعة المخدرة لعقولنا، والعودة إلى تقديم الآخرة على الحياة الدنيا الفانية.
لقد تفشى الخلل في هذا البلد لدرجة أن الواحد لم يعد يثق حتى في مشايخ الدين! فمن عرف الحق يستغرب من سكوت أكثرهم عن البدع، وتعايشهم المريب مع أهلها الجهلة، وهو تعايش، لا أقول يعتبر، ولكن أقول يكاد يعتبر تشريعا لها!
الرئيس مشغول بالتبرع لكرة القدم! أتعرفون لقد بدأت أؤمن بأنه مفكر موهوب – ولا أمزح-، فهو على الأقل الرئيس الوحيد الذي يضع خططا شخصية، ويسهر على تنفيذها بنفسه، فهو من اخترع فكرة لقاء الشعب الطريفة، وهو من ابتكر فكرة داكين الأمل العجيبة، وهو من فكر في تغيير الطبقة السياسية، وتجديد جلد الحية المنافقة!
لكني لا أوافقه في التبرع للمنتخب الصغير، لوجود من هو أولى بهذا هذا التبرع من مساكين ومرضى تتوقف حياتهم على فاتورة عملية جراحية لا يملكون سدادها!
لقد رأينا الكرام والمنافقين يتسابقون إلى إرضاء الرئيس بالتبرع للمنتخب الصغير، ولا يتسابقون إلى إرضاء خالقهم عز وجل بالتبرع للفقراء والمحتاجين، وإذا كان الرئيس يعين من تحمس للتبرع للمنتخب اليافع وزيرا أو مديرا، فإن الله تعالى قد يمن على من يتحمس لمساعدة المحتاجين بأن يجعله ملكا في الجنة، وشتان ما بين الجنة ووزارات عزيز، فما الضرر في تخصيص يوم للتبرع كل أسبوع أو كل شهر لصالح المرضى والمحتاجين – في برنامج تلفزيون بديع-؟
في الواقع لا أعتقد أن هذا المنتخب سيحقق شيئا في البطولة القادمة، أتعرفون لماذا؟ لأن لعنات أولئك المرضى والمحتاجين ستهز شباكه قبل أن تفعل الفرق المنافسة، وقابلوني إن حقق شيئا.
وفي الأخير، اعتقد أن محاولة توريط موقع "أقلام" الرائع في قضية الشاب المتخنفش، لا محل لها من الإعراب، فهذا الموقع قد يكون الوحيد الذي ينشر كل الرؤى والتوجهات – عن تجربة شخصية، فهو من المواقع القليلة التي لم ترد لي مقالا بعكس أغلب المواقع المتمايلة مع الريح والهوى -، وأقول لحساده وهم كثر، خصوصا بعد تهديد صاحبه بفضح المنافقين منهم – وما أكثرهم، لا بارك الله في سعيهم - : "يمكنكم التنفس دون محاولة كتم أنفاس الآخرين"..
وأقول للموريتانيين وخصوصا المسئولين عن هذا البلد، والمسئولين عن الأسر الصغيرة والكبيرة: لقد أدخلتم أنفسكم في ظلمات بعدها ظلمات، بدء بالبدع الغريبة على الدين، وانتهاء بمحاربة كل ما يقيم صلب الدين كاللغة العربية، وإعطاء الأولوية لغير علوم الشرع النافعة في الدنيا والآخرة، فكان من نتائج ذلك على البلد زيادة البطالة فقط، وفتحتم المجال أمام الديمقراطية العرجاء، فسمحتم بحرية التعبير، وحرية الرقص في ليلة رأس السنة، وحرية التكسب من الحيل الشيطانية، ثم تريدون بعد كل ذلك أن لا يخطئ شاب جاهل، كان من حقه عليكم قبل أن تعاقبوه أن تعلموه ما يحصنه وينفعه؟
لقد قال الله تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم". العبرة في هذه الآية بعموم السبب لا خصوصه، فهي نازلة في اليهود، ولكننا جميعا مأمورين بها، وإلا لكان على اليهود فقط أن يتبعوه، فالواجب علينا إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم الإبتداع، "كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار"، والصراط المستقيم واضح جلي، وكل محاولة للخروج عنه لن تعود علينا إلا بالوبال.
وفي رأيي أن الإنغماس في الحضارة الغربية، وفي البدع، وعدم أخذ الدين بقوة في البيوت وفي نظم الدولة، هي الأسباب الأساسية لهذه الإبتلاءات، وما خفى أعظم، فلنراجع أنفسنا قبل صب لعناتنا على المخطئين..