إنهم يريدون رئيسا بلا أخلاق! / عبد الله حبيب الله

قبل ستة أعوام حل ضيفا على أحد البيوت في مقاطعة تفرغ زينه شيخ يربو عمره على المائة بقليل. لا يثير مظهر الشيخ الوقور انتباها استثنائيا؛ ولكنه آسر حين يتحدث، أو ينظر في صمت مخبت.

استقر الشيخ القادم من تخوم الشام في بيت مضيفه حتى تسنت له تهنئة رئيس موريتانيا المنتخب حينها، الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني. تعود العلاقة بين الرجلين إلى عقود خلت، لكن عمقها يمتد لأبعد من ذلك، إلى زمن روحي لا يعد بالأيام والسنوات.

لم يكن الشيخ المهنئ غير فقيد الأردن والجماعة الغظفية الشيخ عايش رجاء الحويان. امتزجت في نفس الرجل، ذي الانتماء العشائري العريق، حين وطئت قدماه أرض موريتانيا، مشاعر متباعدة المنابع غير أنها تجتمع في مجرى نهر العرفان؛ فمن هذه الأرض انطلقت الدعوة التي سلخ ستة عقود من عمره في خدمتها، وهو يعد حياته فيها هي العمر الحقيقي، كما تحدث لبعض زواره الموريتانيين.

هذا البدوي الذي خدم موريتانيا مخلصا، ومنحها جزءا من وقته وقلبه، تقلب في الرتب في جيش المملكة الهاشمية قبل أن يغادر البزة العسكرية إلى غير رجعة، مستبدلا إياها بجبة الصوفي المعرض عن زخرف الدنيا، المتفرغ لخدمة عباد الله.

حين كانت طائرة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني تحط في مطار القاهرة للمشاركة في قمة إعمار غزة تناهى إلى علمه نعي هذا الشيخ الذي ارتبط به شخصيا خلال إقامته في المملكة أيام دراسته قيادة الأركان.

لم يكن الشيخ الحويان رحمة الله عليه يقدم خدمة شخصية للرئيس غزواني، أو غيره من الطلاب العسكريين في الأردن، وهو شيخ عشيرة وضابط سابق في الجيش مقرب من القصر الملكي،  بقدرما كان يقدم خدمة لموريتانيا التي ارتبط بها روحيا ووجدانيا.

من هنا وجد الرئيس غزواني نفسه، وهو على بعد ساعة طيران من موقع يقدم فيه واجب العزاء في شخصية خدمت البلد الذي يقوده، وتعرف عن قرب على مدى تقديره لسكانه ولتاريخه، وإشعاعه الروحي، والثقافي.

باسم كل الضباط والأطر الذي تكونوا في مملكة الهاشميين، وباسم مصالح الموريتانيين التي رعتها المملكة لعقود، كان الوفد الرئاسي يواسي أسرة فقيد التصوف والفضل والمروءة، وعشيرته، والمملكة الهاشمية في مصابها.

كان بإمكان ولد الغزواني إرسال وفد، أو الاتصال بالهاتف، أو بعث برقية، لكن أصالة وفاء حملته إلى حيث المأتم المنعقد، مجسدا بذلك نمطا من الأخلاق لم يعهده الناس في رؤساء الدول؛ لكنه نمطه الذي لا يرضى به بدلا، وبه يصبغ سياسة بلده وعلاقاته النادرة في توازنها بمختلف الفاعلين في الإقليم والعالم.

يريد بعض المعلقين رئيسا آليا متجردا من إنسانيته، حين يطمحون إلى فصل ممارسات الرئيس غزواني العامة عن أخلاقه، إنهم ينشدون رئيسا يفصل تعسفيا بين قيمه الشخصية وممارساته العامة، وهو أمر غير محتمل الحدوث في البشر، لذلك فما يريدونه في الواقع هو رئيس من غير قيم أو أخلاق! 

والواضح أنهم لن يعثروا على ضالتهم في رجل صرح أول الأمر بأنه يسخر تربيته وأخلاقه لخدمة بلاده.. إنه لا يستطيع فصل الخبرة عن التربية، ولا فصل السياسة عن الأخلاق.. ليس ذلك مما تسمح به نفسه، وهذه نقطة قوته التي لا يريدونها.

 

 

6. مارس 2025 - 11:43

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا