
تطوير استراتيجي يعزز الاقتصاد الوطني ويكرس الشفافية
يُعدُّ ميناء نواكشوط المستقل (ميناء الصداقة) الشريان الاقتصادي الأهم في موريتانيا، إذ تمر عبره النسبة الأكبر من واردات البلاد وصادراتها. وهو “الرافعة الاقتصادية الأولى لموريتانيا”، مما يفرض تطويره المستمر لضمان خدمات تنافسية.
ومن هذا المنطلق، فإن إدارة هذا المرفق الحيوي تمثل تحديًا استراتيجيًا يتطلب تحقيق توازن دقيق بين توسيع البنية التحتية ورفع كفاءة التشغيل من جهة، وضمان الشفافية والبعد الاجتماعي من جهة أخرى.
إن نجاح إدارة الميناء ينعكس مباشرة على نمو الاقتصاد الوطني، حيث يسهم الميناء بحصة الأسد من الإيرادات العامة، كما يعزز موقعه الاستراتيجي ارتباطه بدول غرب إفريقيا، ما يمنحه دورًا محوريًا كمركز إقليمي للتجارة. ومع تزايد حركة البضائع عالميًا، وظهور مشاريع عملاقة في موريتانيا، مثل استغلال الغاز البحري، تزداد أهمية تطوير الميناء وتعزيز قدراته، مما يتطلب قيادة ذات رؤية نزيهة وحكيمة
تطوير الميناء ورفع كفاءته التشغيلية
شهد ميناء نواكشوط تطورًا ملحوظًا خلال فترة إدارة سيدي محمد ولد محم، انعكس في مشروعات توسعة وتحسين شاملة. فعلى مستوى البنية التحتية، تم تنفيذ مشاريع لتحديث الأرصفة وتعبيد الطرق الداخلية، حيث يجري إنشاء 10 كيلومترات من الطرق المعبدة داخل الميناء لربط مرافقه المختلفة، ما يسهم في تحسين انسيابية حركة البضائع وتقليل الاختناقات.
كما وُضعت خطط طموحة لإعادة تأهيل الأرصفة القديمة وتعزيز الأسطول بقاطرة جر جديدة 5000 حصان ( في صفقة تمت مؤخرا ) وترميم وصيانة لقاطرتي “شنقيط” و”تيرجيت” بالتعاون مع البحرية الوطنية بهدف تحسين كفاءة العمليات المينائية ، بالتوازي مع ذلك، تتجه الإدارة نحو التحول الرقمي الشامل من خلال اعتماد أحدث النظم الإلكترونية في الأمن والسلامة وفق المعايير الدولية، مما يرفع الكفاءة التشغيلية ويقلص نسبة الأخطاء البشرية. ومن أبرز الإنجازات في هذا المجال اقتناء أجهزة متطورة للكشف الفوري عن المواد الإشعاعية بدعم من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لحماية العاملين والمرافق من المخاطر المحتملة.
أما على صعيد الأداء التشغيلي، فقد سجل الميناء نموًا ملحوظًا في عام 2023 مقارنة بالسنة السابقة، حيث:
• ارتفعت حمولة البضائع إلى 5.44 مليون طن (مقابل 5.31 مليون طن عام 2022).
• ازداد عدد السفن الراسية إلى 826 سفينة (مقارنة بـ 815 سفينة في 2022).
• ارتفع عدد الحاويات المتداولة إلى 217,429 حاوية نمطية (مقارنة بـ 185,290 عام 2022).
وقد تمكن الميناء، بفضل هذه التطورات، من مضاعفة حجمه التشغيلي خلال العقد الماضي، متجاوزًا سقف المليون طن سنويًا الذي صُمم عليه أصلًا، ليصبح قادرًا على مناولة 10 ملايين طن سنويًا نظريًا. كما تم إدخال معدات حديثة واستثمارات ضخمة في محطة الحاويات الجديدة ومحطة المحروقات، التي أُنشئت بشراكة بين القطاعين العام والخاص، مما أضاف أرصفة متخصصة بعمق 14 مترًا لاستقبال السفن الضخمة.
كل هذه التطورات أدت إلى تقليص زمن تفريغ السفن وتحميلها، وتحسين كفاءة سلاسل الإمداد، ليصبح الميناء أكثر قدرة على تلبية متطلبات الاقتصاد الوطني والمشاريع الاستثمارية المستقبلية.
البعد الاجتماعي وتحسين بيئة العمل
إلى جانب التطوير الفني، أولى سيدي محمد ولد محم اهتمامًا خاصًا بالبعد الاجتماعي وبيئة العمل داخل الميناء، إدراكًا منه لأهمية العنصر البشري في استدامة النجاح. فبالتوازي مع سياسة الدولة لمحاربة الفقر والتهميش، أعلن فور توليه الإدارة عن إنشاء هيئة خيرية للميناء، تهدف إلى تنفيذ برامج اجتماعية تستهدف العمال وأسرهم والفئات المحتاجة في محيط الميناء.
ومن انجازاتها:
تقديم مساعدات مادية وعينية: شملت الأسر الفقيرة في احياء الميناء من ذوي الدخل المحدود، تخفيفًا للأعباء المعيشية.
دعم التعليم: توفير زيّ مدرسي لطلاب مدرسة الجمهورية، ما ساهم في تحفيز العملية التعليمية وتخفيف المصاريف عن الأهالي.
وقد بدأت ثمار هذه المبادرة تظهر من خلال مشاريع ملموسة، مثل افتتاح مركز صحي داخل الميناء لخدمة العمال وسكان المنطقة، حيث يوفّر الإسعافات الأولية والعلاجات الضرورية في محيط يشهد إصابات عمل متكررة. ويُعد هذا المركز ثمرة شراكة بين الهيئة الخيرية وجهات من القطاع الخاص، مما يعكس نجاح الإدارة في حشد التعاون لخدمة العاملين وتحسين بيئة العمل.
وفي سياق موازٍ، تم تأسيس مركز التكوين في المهن والأعمال المينائية، والذي أطلق برامج تدريبية متخصصة نادرة محليًا في مجالات الإدارة المينائية واللوجستيات، مما ساهم في سد الفجوة في الكفاءات الموريتانية بهذا القطاع الحيوي. كما تم توقيع اتفاقيات تعاون مع الأكاديمية البحرية في نواذيبو ومؤسسات تعليمية أخرى لتبادل الخبرات وتأهيل الكوادر محليًا.
ومن انجازاته التكفل بالتأمين الصحي والاجتماعي للموظفين، إلى جانب تعزيز آليات التحفيز والتكوين المستمر، مما أدى إلى رفع إنتاجية العمال واستقرار مناخ العمل. ومن أبرز النتائج الإيجابية لهذا النهج اختفاء الإضرابات العمالية التي شهدها الميناء سابقًا، وتحول العلاقة بين الإدارة والموظفين إلى شراكة بنّاءة تهدف لتحقيق الأهداف المشتركة.
الشفافية والحوكمة الرشيدة في الإدارة
من السمات البارزة لإدارة ولد محم التزامه الصارم بمبادئ الشفافية والحوكمة الرشيدة. فمنذ تسلمه الإدارة، أكد على ضرورة العمل بانضباط ونزاهة، والتقيد بالإجراءات القانونية، واعتماد نهج تشاركي في اتخاذ القرارات، مما عزز الثقة في إدارة الميناء داخليًا وخارجيًا.
وقد تجسد هذا النهج في عدة إجراءات، منها:
• التشاور مع المناديب والمدراء والمعنيين في صنع القرار من خلال اجتماعات دورية مفتوحة.
• التحول الرقمي لأنظمة الإدارة والرقابة، مما يحد من التدخل البشري ويقلل من الفساد.
• اعتماد المعايير الدولية في التشغيل والأمن، حيث يلتزم الميناء بمدونة الأمن والسلامة الدولية للسفن والموانئ (ISPS) منذ 2009، ويخضع لتدقيقات منتظمة من السلطات البحرية الوطنية والدولية.
وقد أسهم هذا النهج في تعزيز الكفاءة التشغيلية وتحقيق الاستدامة المالية والإدارية، ما جعل الميناء نموذجًا في الشفافية والتسيير الرشيد.
خاتمة
أثبتت الإدارة الحالية لميناء نواكشوط، بقيادة المدير سيدي محمد ولد محم، نجاحها في تحقيق تطورات استراتيجية تجمع بين التوسع في البنية التحتية، ورفع الكفاءة التشغيلية، وتحسين بيئة العمل، وترسيخ الحوكمة الرشيدة. وقد أصبح الميناء اليوم واجهة بحرية متطورة تليق بمكانة موريتانيا الاقتصادية، وقادرًا على دعم رؤية الدولة في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
ومع استمرار هذا النهج، من المتوقع أن يواصل ميناء الصداقة نموه وازدهاره، ليحافظ على موقعه كـ ركيزة أساسية في الاقتصاد الوطني، ومركز لوجستي إقليمي بارز، ومساهم رئيسي في تحقيق تطلعات موريتانيا المستقبلية.
أحمد اباه
إطار في ميناء انواكشوط المستقل