عام جديد.. فهل نبقى في ضلالنا القديم؟ / الولي ولد سيدي هيبه

عام جديد يولد من رحم الزمن البشري وعام من ذات الزمن يرحل.

· فهل يبكي الموريتانيون وينتحبون على ما فاتهم من فرص المراجعة لأوضاعهم النفسية الصعبة و المادية المزرية و السياسية العرجاء أم يحتفلون كالبلهاء مع من بنوا صروح عامهم المنصرم و أسسوا لعامهم الجديد؟

· و هل لا يطلعون في وعي "المنتبه " من "الغفلة" للعام الجديد بأمل وتفاؤل و عمل ميداني و يتمنوا أن تؤول الأحزان إلى تضاؤل و تتحول الكوابيس إلى أحلام وردية يفسرها في دائرة واقع ما يكون من البناء و العدل و المساواة و الاستقرار و الديمقراطية؟

· وهل يتريثون حتى يميزوا بين الجزء الفارغ من الكأس والجزء الممتلئ منها ليسعوا بخطى متأنية واثقة إلى آفاق جديدة يأتمنوا عليها الأجيال الضائعة بين ما لم يحققوه و بين ما تبينوا أنه الصواب؟

يقول أفراد الثلة القليلة من المتأملين بإمعان في واقع الشعب المزري بكل أطيافه و البلد المضطرب بكل تجلياته، المتحسرين على ما يتراءى لهم من الهفوات و الإنزلاقات الخطيرة فوق أرضية الواقع الهشة - رغم الصلابة الاصطناعية البادية و إن في واقع الأمر ليست سوى الشجرة التي تحجب الغابة - المتلاحقة في عين إعصار شديد تنفخ فيه أبواق العولمة الطاغية التي تجر البلد ببطء في غفلة من أهله إلى شفى جرف سيفضي إذا ما تهاوى إلى بحر الاضمحلال و التلاشي.

كم مرة أنذروا و كم مرة اصطدموا بتلك الغفلة العصية على الفهم رغم وضوح علاماتها و بروز اختلالاتها و ضعف مرتكزاتها، إذ ينحصر من ناحية كل ما تستقي منه هذه الغفلة وجودها - في جهل أو تجاهل أهلها - مقتضيات الزمن الحاضر، و من ناحية أخرى في التقوقع داخل جميع سلبيات الماضي التي تتلخص أهم أوجهها في :

· الترفع عن العمل و نبذه و إذ العمل السمة البارزة للعصر و مربط فرس الكرامة عند أهله؛

· و البعد المتعمد المتكاسل عن ترجمة المعارف المتحصل عليها بالدراسة على أر ض الواقع؛

· و رفض تجسيد المساواة و نشر العدالة تحت سقف دولة الجميع؛

· و الضرب بعرض الحائط أسس و مفاهيم الدولة المركزية التي تظل الجميع و تحميه؛

· و التشبث بالانتماء الضيق للقبيلة و العرق و الطبقة و الجهة دون أن يكون لذلك أي تطبيق إيجابي من أي نوع كان على صفحة الواقع المعيش.

إن هؤلاء المواطنين المنتمين قلبا دون القالب زيفا إلى زمن الماضي المتخلف يرون أن كل شيء يجب أن يكون مصاغا على منوال هذه الخلفية و أن نتاج أدوات هذا الزمن يجب أن تسخر لهم و في غفلة تامة منه و من الفاحصين أحواله و تقلباته.

و إنه مما لا شك فيه يقينا أن هذه الوجهة الانتكاسية التي لا يحجبها عن نظرات الواقع أي ستار هي ما يقوض كل أسباب قيام و استقامة الدولة المدنية الصحيحة المستظلة بالقانون، المتسلحة بالعلم و المعارف و العاكفة على البناء الذاتي في دورة العطاء والأخذ مع المحيط الخارجي.

و في مقابل هذه الفئة القليلة من المخلصين، لما هو كائن من هذه البلاد، و المتشبثين بخيط من الأمل لا يراه المتشائمون، لا يريدون له أن يذوي فتخيب آمالهم، تقف الثلة الكبيرة من المتغافلين و الغافلين ٍالذين لا يحسبون للمستقبل أي حساب و لا يهمهم البتة أمر بناء الوطن الذي يتساوى فيه الكل. إنهم فقط أنانيون لا يقتسمون ما يتوصلون بكل السبل و الوسائل إلى الاحتواء عليه لأنفسهم و لو أضر ذلك بمن حولهم. فيستولون على الوظائف بكل الطرق و ينهبون المال العام بما أوتوا من الحيل و يستأثرون لذويهم بكل شيئ حتى التعليم فيرسلون أولادهم إلى المدارس الأجنبية و يدفعون مقابل تعليمهم بسخاء و ترفل في الحرير نساؤهم و لا يلتفتون إلى مواطنيهم ممن حرموا حتى من فتاة مال بلدهم الوفير. لا يهمهم أمرهم بل و يقتاتون لكبريائهم المصطنعة على آلامهم إلى حد "السادية" المطلقة. و بين هاتين الفئتين يموت في داخلهم كل يوم ألف مرة أصحاب فئة ثالثة، نفوس أصحابها يائسة و عقولهم متشائمة، لا ترى في الأفق منقذا من الإحتقان السياسي الماثل بقوة التناقضات القائمة و التنافر الحاصل بين القائمين على الشأن السياسي من:

· معارضة مثخنة بجراح الإهانات المتكررة سواء منها الذاتي أو الداخلي فيما بين فصائلها،

· أو الحاصلة من النظام و الأغلبية الموالية له

· أو من نظيرتها المعارضة المحاورة.

و هي أيضا الفئة التي بلغ بها التشاؤم حد الاستسلام للمرارة و الحسرة و تشبيك اليدين وراء الظهر قبولا بكل أوجه الانزلاق إلى سحيق نفق مظلم و لسان حالها يقول لمواطنيها:

· إن نظرتم و أنتم تعبرون زمن بلدكم الافتراضي إلى خلفكم فذاك ماضي يؤلمكم،

· و إن حدقتم إلى يومكم المرتبك فإنه حاضر يزعجكم،

· و إن وجهتم بصركم إلى الأمام في قتامة أجوائه التي تلوح في الأفق فهو مستقبل يؤرقكم.

نعم إن هذه الفئة ضمير جماعي معذب بصدق نظرته و جرأته إلى الواقع و اعترافه بعجزه أمام المد التخريبي الذي تذكيه السياسة بما تفرز في ثوب الديمقراطية المبتذلة من مقيضي أركان الحداثة و مرجعي عجلات التحول إلى غابر العقليات ليظل البلد و أهله يضعان في مسرحية هزلية قناع الحداثة على قفاهم ثم لا يلتفتون.

و مع ذلك كله فإنه سيبقى الأمل - و هو الكل الذي لا يتجزأ أبدا - تاما غير ناقص علما بأنه إذا كان النظر إلى الماضي بهذه القساوة و الحاضر بذاك الارباك و المستقبل بتلك التشاؤمية، فإن الخلاص سيبقى حتما و بحق معلقا إيمانيا بالنظر إلى فوق لأن ثمة ربا يرحم الجميع بيده و بأمره متى شاء تغير الأمر من حال إلى حال.

5. يناير 2014 - 21:56

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا