أتساءل كثيرا هل أطلب منكم السماح لي أن أبدأ هذا المقال بهذه القصة التي تحكي أن "طبيبا غنيا مشهورا بعمل الخير وحب الناس خصوصا الفقراء والبسطاء والمعوزين، وكان بارعا في عمله تم شفاء معظم الأمراض المستعصية على يده، مما حبب فيه أهل بلدته.
فى يوم من الأيام مرت فلاحة فقيرة مع ابن لها، مصاب بمرض خبيث أمام مقهى وسمعت الطبيب يتحدث في التليفزيون وخلال حديثه أخذ يحث الناس على الرحمة والعطف والحب والإحسان حتى مع الأعداء والمبغضين والمسيئين.
سألت عن عنوانه ولما حصلت عليه حمدت ربها وتفاءلت إذ لم يفلح أي طبيب في علاج ابنها فضلا عن أنها لم تكن تملك ثمن العلاج
وجاء الطبيب إلى عيادته فاستوقفته الفلاحة الفقيرة على استحياء قائلة : أرجوك أيها الطبيب عالج ابني الوحيد فأنت أملى بعد الله وقد سمعت عن طيبتك وحنانك الكثير والكثير
رد عليها الطبيب قائلا : من أي بلد أنت ؟؟؟
تعجبت الفلاحة من هذا السؤال : هل يعقل أن هذا الطبيب هو نفسه الذي يظهر على التليفزيون داعيا إلى الرحمة والعطف على الفقير ؟؟ لكنها استجمعت شجاعتها وأجابت : من البلد الفلاني سيدي الطبيب
أجابها الطبيب : آسف جدا أنا لا أعالج سوى أهل بلدتي فقط لا أعالج الكلاب!!
صعقت الفلاحة الفقيرة وتوسلت للطبيب أن يعالج ابنها بلا جدوى
ثم تشابكت الأحداث وعلى مضض سأل الطبيب الفلاحة: مم يشتكى ابنك ؟؟
ردت الفلاحة الفقيرة : الحمد لله لا يشتكى من شيء الله الغنى يا حضرة الطبيب وانصرفت باكية"
قصة تدور رحاها كل ما جئت مجازرنا اللإنسانية والتي يسمومنها مجازا "المستشفيات الوطنية "، وأقرأ صبر "أيوب عليه السلام" في عيون المرضى على الأسرة البالية في غرف متهالكة، وذووهم مدفوعون بالأبواب..، قلوبهم تتفطر على المصير المجهول لمرضاهم الفقراء (الفلاحة)،
وأعني بالفقراء هنا أن الأغنياء ليسوا معنيين بهذه المعانات إطلاقا فهم بين أمرين، غني متعفف عن هذه "المجازر اللإنسانية " ويفقد فيها الثقة أصلا فيداوي مرضاه إما في العيادات الخاصة أو يذهب بهم إلى مستشفيات الراقية في الخارج البلد ، وإما غني يرشي أو يملك علاقات كبيرة مع بعض الأطباء ..
أما نحن معشر الفقراء فإننا مجرد فيران تجارب يعبث بها ويتهان ويسمسر.. ثم تطرد لتعود من حيث جاءت بخفي حنين، بدأت معاناتي مع هذه المجازر يوم كتبت وأنا في بداية كتابتي مقال "يوم في المستشفى الوطني"، وتتواصل حتى اليوم ..
معشر الأطباء بمختلف التخصصات والمستويات في مختلف المستشفيات والمراكز الصحية ومن الجنسين هو مجرد سؤال "أليس فيكم رجل رشيد .."، أليست فيكن امرأة رحيمة ؟
الفقير يفكر ألف تفكير حين يضطر لمراجعة المستشفيات العمومية، يفكر ألف تكفير حين يقف عند الباب، لكنه يعجز عن التفكير حين يدخل على الطبيب لشدة المعانات التي يعاني قبل ذلك، ويخرج في هم وغم يضاعف عليه المرض لما يراه من عدم اهتمام به ومن النظرة الدونية التي ينظر إليه بها ...
يفكر المريض ألف تفكير حين يتسلم الوصفة الطبية ويتوجه لإجراء الفحوصات أو لشراء الأدوية المزورة بأسعار غالية وغالية جدا، والطامة الكبرى عندما يتم حجزه في غرفة تعج بالمرضى كل واحد يهب الآخر من مكروباته.. غرفة مليئة بالضجيج والفوضى ومعاملة ومتابعة الله أعلم بها.
معشر الأطباء.. رغم هذا لا نفقد ثقتنا بكم فأنتم أملنا بعد الله، وانتم من تتقاضوا رواتب على حساب الدولة أي منا معشر المواطنين، وكذلك أنتم العمال والحراس في المستشفيات.
طبيعي أن تتدرب أيها الطبيب أيتها الطبيبة على مستوى من القسوة يسمح لك بأداء المهمة بشكل طبيعي..! لكن يجب أن لا ينعكس ذلك على مستوى المعاملات مع الآخرين وأنت المسلم الذي يجد الأجر بمجرد النظر مبتسما لأخيه المسلم.
أم ترضى أن نتوالى دائما وأعيينا تفيض من الدمع حزنا أن لا نجد من يعيرنا ابسط اهتمام..؟؟!!
بقلم : عبد الله / محمد الحسن ولد أمانة الله
كاتب صحفي موريتاني
ناشط في مجال العمل الخيري والثقافي والتنموي
الهاتف : 22087053 البريد : [email protected]