ما ضر السحاب نبح الكلاب/ أحمد بن محمد يحيى بن أحمدو فال

"ما ضر السحاب نبح الكلاب"

هذا مثل عربي مشهور يضرب في الحقير الضعيف الذليل يتصدى للأمر الجليل ذي النفع الكثير الواسع الذي لا ترد صولته ولا جولته وذلك مثل السخافات الآثمة الباطلة التي ما فتئ ينبز بها بعض المحرومين المجهولين المجرمين من كل رذيل وزنيم مغمور يتصدى للإسلام ومقدساته ينشر ترهات وأباطيل قصد الإساءة على المسلمين وانتهاك أعظم مقدساتهم وأشدها هيبة وعظمة.

تأسيا بسلمان رشدي والرسام الدانماركي اللذين احترقت عليهما بيوتهما وذاقا أليم العذاب والإهانة في الدنيا والآخرة.

ولكن الأدهى من ذلك والأمر أن تنشر مثل هذه الإساءة في بلاد المسلمين وفي دولة سكانها يدينون بالدين الإسلامي الحنيف جميعا وفي بلاد المنارة والرباط ولا تنتطح فيها عنزان، وهو الأمر الفظيع الذي تتفطر له السموات وتنشق له الأرض وهل فينا من يستطيع السكوت عن سب آبائه وأهله؟ أوليس هذا أشد عظمة من سب الآباء والأمهات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلى جميع المسلمين من أنفسهم وآبائهم وأمهاتهم، والإساءة إليه هي إساءة إلى جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

والإساءة إلى النبي الكريم عليه صلوات الله وسلامه وقصد تشويه الإسلام بنفخ الأشداق لا يضرهما بأي شيء قال تعالى: {وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء}، {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون}.

فالإسلام محفوظ بكتاب الله تعالى المنزل على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم المحفوظ من التغيير والتبديل (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).

ومحفوظ كذلك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم من الخلق ومن كيد الكائدين وحقد الحاقدين قال جل من قائل: {والله يعصمك من الناس}، {إن شانئك هو الأبتر}، {إنا كفيناك المستهزئين}، {فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم}، {أليس الله بكاف عبده}، {وإن تظاهرا عليه فإن الله هو موليه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ظهير}.

فالإسلام خاتمة الأديان السماوية والنبي الكريم خاتم الأنبياء والمرسلين والله يعلم حيث يجعل رسالاته، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، لذلك فإن مسلسل الإساءات والأذى -الذي واكب أول دعوة لإنقاذ البشرية وتخليص الإنسانية من ظلم الأقوياء وجور السفهاء- لم تزد هذه الدعوة إلا انتشارا وعزة ونصرا قال تعالى: {لقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون}.

وإذا أراد الله نشر فضيلة                   طويت أتاح لها لسان حسود

لولا اشتعال النار فيما جاورت            ما كان يعرف طيب عرف العود

فقد كان أذى كفار قريش ورمي سفهائهم بالحجارة للنبي الكريم هو بين ظهرانيهم يتلوا عليهم آيات الله ويهديهم إلى الإيمان بالله تعالى وينشر بينهم الرحمة ويأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر قال تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}، {وقل لعبادي يقول التي هي أحسن }.

فكان هذا الأذى وأنواع الإساءة ردا مباشرا على هذا الدين الجديد الذي ينشر العدل والإنصاف والمساواة بين الناس، فلم يؤثر فيهم ما يتلى عليهم من كتاب الله تعالى الذي لو أنزل على صخر لخشع وأناب قال تعالى: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله}.

فقد قال مشركوا مكة في النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حين تحداهم بهذه الدعوة العظيمة إنه ساحر ومجنون وكاهن وشاعر ولكن الوحي ينزل من السماء بتكذيب هذه الأقاويل والأباطيل الملفقة قال تعالى: {وما صاحبكم بمجنون}، {ما أنت بنعمة ربك بمجنون}، {فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون}، {ولا بقول كاهن}، {وما هو بقول شاعر}، {وما علمناه الشعر وما ينبغي له}، {وما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى}.

أما اليوم وقد أنقطع الوحي فإن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بعون الله تعالى هم حماة هذا الدين وهم بالمرصاد لكل من ينال منه أو من مقدساته.

فنحن عبيد الدار حقا ولم نزل             نوالي مواليها ونحرس بابها

وقد انتبه المسلمون واستيقظوا من سباتهم بحمد الله وقاموا لهذا الأمر بأنواع الاستنكار والغيرة لدينهم، فرب ضارة نافعة والخير يأتي في صورة الشر.

وقد أخطأ هؤلاء الحاقدون يريدون الإساءة إلى الإسلام فلا يضرونه وإنما يضرون أنفسهم ولا يجنون إلا أن تذهب الأحقاد بينهم مع مليار ونصف من المسلمين متفرقين في مشارق الأرض ومغاربها بألوان وثقافات مختلفة كلهم يفدي هذا النبي الكريم بنفسه وولده وماله والناس أجمعين وكلهم يعرفه باسمه وصفته، ينادي باسمه بأرفع صوت على المآذن عشر مرات في اليوم في كل مسجد ويذكره كل مصل في بداية صلاته وعند نهايتها يقول في أولها: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم} وهم الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وإمامهم هو النبي الكريم عليه الصلاة والسلام الذي يهدي إلى صراط مستقيم قال تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} وفي آخر الصلاة يخاطبه خطاب الحاضر: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» قال تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره}.

وقد أخطأ هؤلاء الحاقدون في حق ربع سكان المعمورة من المسلمين مما يدفعهم إلى ردود فعل شنيعة لا تحمد عقباها.

كما أن الإساءة على المقدسات الدينية لا تخدم حوار الحضارات والسلم بين الأمم والانفتاح على الآخر، والأدهى من ذلك والأمر هو جهل الغرب وصحافتهم بعظمة ومكانة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام وكونهم لا يعرفون من شمائله وصفاته إلا ما يجدونه محرفا وملفقا من كتابات المستشرقين وفي كتبهم الدينية المحرفة.

والدين الإسلامي وحده هو الدين الباقي والمحفوظ الذي لم يحرف ولم يغير، والإساءات التي يتعرض لها الإسلام هي: هجمة من الأعداء محاولة لتحريفه وتغييره حتى يستوي مع الأديان الأخرى التي حرفت وبدلت، ولكنه من ذلك معصوم ومحفوظ لذلك لا نستغرب من الغرب أن يواصل هجومه وإساءته حقدا وظلما على ديننا الإسلامي الحنيف ونبيه الكريم صاحب المقام المحمود والشفاعة الكبرى والخلق العظيم.

أما صفات نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فهي مبينة في الكتب السماوية قبل تحريفها وباقية مفصلة بين دفتي المصحف المحفوظ من التبديل والتحريف، وفي صدور الرجال تتلى في جميع البلاد الإسلامية، ولا علاقة بينها مع ترهات ملفقة وأباطيل مزعومة يروجها الحقدة إثما وعدوانا، ففي الحديث «ألا تعجبون لما يصرف الله عني من أذى قريش يسبون ويهجون مذمما وأنا محمد!!» قال تعالى: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون} فأهل الحقد والإثم وأصحاب الشياطين هم المذممون وهم أهل الكذب وقول الزور لذلك لا يصفون إلا أنفسهم، تسامى نبينا ورسولنا عما يصفون سموا كبيرا.

ونبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي وصفه الله تعالى بقوله: {يأيها النبيء إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا}، {الذين يتبعون الرسول النبىء الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التورية والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث}، {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم}، {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}، {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}، {وإنك لعلى خلق عظيم}.

قالت عائشة رضي الله عنها: (كان خلقه القرآن)، وفي الحديث الذي رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع» وأخرج البخاري «أنا محمد وأحمد والمقفى والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة».

وقد وصفه الصحابة رضوان الله عليهم ومدحوه وأحبوه حبا عظيما، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل الناس خلقا خلق مجبولا على الأخلاق الكريمة التي هي من أصل خلقته وأول فطرته وليس بعد ثناء الله من قول {إنك لعلى خلق عظيم}.

وأحسن الناس خلقا فهو أبهر طلعة من البدر وألهب نورا من الشمس لم يستطع الراؤون أن يملأوا عيونهم منه من الهيبة التي ألبسها.

"ستر الحسن منه بالحسن فأعجب   لجمال له الجمال وقاء"

قال البراء بن عازب رضي الله عنه: (ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم).

وعلى تفنن واصفيه بحسنه                يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف

سخي جواد كريم، قال حسان رضي الله عنه:

له راحة لو أن معشار جودها              على البر كان البر أندى من البحر

محبب متواضع يداعب الصغار ويمازح الكبار بطل شجاع، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه (ما رأيت أشجع ولا أنجد ولا أجود ولا أرضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم).

وقال علي رضي الله عنه (إنا كنا إذا اشتد البأس وأحمرت الحدق اتقينا برسول صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه).

وأوتي جوامع الكلم فصيحا قالت عائشة رضي الله عنها (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث حديثا لو عده العاد أحصاه).

قالت عاتكة بنت خالد (أم معبد) في وصفها للنبي صلى الله عليه وسلم (رأيت رجلا ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة ولم تزر به صعلة وسيم قسيم في عينيه دعج وفي أشفاره عطف.. الخ).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (ما رأيت أحدا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه وما رأيت أحدا أسرع في مشيه منه كأن الأرض تطوى له، وإنا لنجهد وإنه غير مكترث).

وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة اضحيانة وعليه حلة حمراء فجعلت أنظر إليه وإلى القمر فلهو كان أحسن في عيني من القمر)، وعن أبي الطفيل رضي الله عنه أنه قيل له صف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كان أبيض مليح الوجه).

ومن قصيدة طويلة في مدحه لحسان بن ثابت رضي الله عنه:

ياركن معتمد وعصمة لائذ                وملاذ منتجع وجار مجاور

أنت النبي وخير عصبة آدم               يا من يجود كفيض بحر زاخر

وفيه يقول عمه أبو طالب:

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه                        ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هاشم               فهم عنده في نعمة وفواضل

وقد أنشد أيضا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم:

إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر                        فعبد مناف سرها وصميمها

وإن حصلت أشراف عبد منافها                       ففي هاشم أشرافها وقديمها

وإن فخرت يوما فإن محمدا               هو المصطفى من سرها وكريمها

وبعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك استأذنه عمه العباس رضي الله عنه فقال له: إني أريد أن امتدحك فقال «قل لا يفضض الله فاك» فأنشد يقول:

من قبلها طبت في الظلال وفي                       مستودع حيث يخصف الورق

ثم هبطت البلاد لا بشر                    أنت ولا مضغة ولا علق

بل نطفة تركب السفين وقد                ألجم نسرا وأهله الغرق

إلى آخر القصيدة، ويقول جهيش بن أويس النخعي رضي الله عنه:

ألا يا رسول الله إنك صادق                فبوركت مهديا وبوركت هاديا

فيا خير مدعو ويا خير مرسل             من الإنس بل والجان لبيك داعيا

أتيت ببرهان من الأمر واضح                        فأصبحت فينا صادق الوعد زاكيا

أما شمائله صلى الله عليه وسلم وأمداحه فقد ضاقت بها المصنفات ونفدت عند عدها الأوراق والأحبار:

أرى كل مدح في النبي مقصرا                       وإن بالغ المثني عليه أو أكثرا

إذا الله أثنى بالذي هو أهله                 عليه فما مقدار ما يبلغ الورى

وجميع المسلمين اليوم ينشدون قول حسان رضي الله عنه:

فإن أبي ووالدتي وعرضي                لعرض محمد منكم وقاء

لساني صارم لاعيب فيه                   وبحري لا تكدره الدلاء

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

6. يناير 2014 - 20:55

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا