بضعة أشهر و تنتهي مأمورية الرئيس محمد ولد عبد العزيز. نعم ، تنتهي مأموريّة الرئيس محمد ولد عبد العزيز...هكذا الدنيا...لكلّ بداية نهاية ، قاعدة كونيّة تفرض نفسها قهرا مهْما دسَّها النّاس تحت التراب.
و العقلاء هم من يتعاملون مع النهاية و ما بعدها قبل وقوعها ، و يضعون البدائل المناسبة والترتيبات الملائمة لبدايات أخرى في متسع من الحال و الوقت.
و من هذا الباب ، فإن الحكمة تقتضي من الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي وصل إلى الحكم بانقلاب عسكري أن يتخلّى عن السلطة طواعيّة فور انتهاء مأموريّته الحاليّة حتى يختار الشعب بحرية من يخلفه. و تبدأ المعارضة في البحث عن بديل توافقي أو بدائل - من خارج أحزابها - بعد أن فشلت - هي الأخرى - في كسب ثقة الشعب أو حتى إقناعه ببرامج واضحة و خطط عمليّة تُفضي إلى تداول السلطة بشكل سلمي...أقول هذا الكلام و قد اتضح لأغلبية الموريتانيين فشل الرئيس و المعارضة معا...بات من الواضح أنّ حكومة الرئيس ولد عبد العزيز لا تمتلك رؤية و لا تصلح لإدارة حيّ ، و أنّ المعارضة فشلت في القيّام بدورها ، و عجزت عن التخلّص من فخّ الخلافات الشخصيّة ، والانجراف مع تيّارات لغو الكلام و الهذيان...و أمام هذا الفشل المزدوج ، لا مناصّ من طرح السّؤال التّالي : من سيكون الرئيس القادم ؟ أو على الأصح ما هي مواصفاته ؟
وظيفة رئيس الجمهورية مثلها مثل أيّ وظيفة لها مواصفات و معايير ينبغي مراعاتها حسب ظروف الزّمان و المكان. و في هذا الصّدد ، أريد هنا أن أستعرض مع القارئ الكريم بعض الصّفات التي أتمنّى توفُّرها في رئيسنا القادم بإذن الله...أدعو الله أن يكون رئيسا مدنيّا يؤمن بالديمقراطيّة و الحريات و المساواة في الحقوق و الواجبات ، و أن يكون رئيسا لكلّ الموريتانيّين ، يستمع إلى المعارضين قبل أن يستمع إلى المؤيّدين . يؤمن بالعمل الجماعي و يحترم المؤسّسات و يُدرك مفهوم الدولة. كفانا من الرئيس " المعجزة "، صاحب القدرات الخارقة ، الرئيس المُنْقِذ و الأوْحد الذي يتدخّل في كلّ شيء و يُقرّر في كلّ شيء. كفانا من الرئيس الذي يرى أنّه يمتلك الحكمة و الصّواب و له أن يأمُر و على الجميع الطّاعة و التنفيذ . كفانا من الرئيس الذي يعتبر الدولة بقرة حلوب و يعتقد بأنّ المنصب غنيمة له و لأتباعه. كفانا رئيسا يغرقنا بالوعود و الأوهام و لا يحقّق شيئا منها . أتمنّى أن يمُنّ الله علينا برئيس في حجم و وزْن هذا الشعب العظيم ، يعرف تاريخه و آدابه و تراثه و فنونه و تكوينه الوجداني .و يكون صاحب مبادئ و مواقف سياسيّة مناهضة للأنظمة الاستبداديّة السّابقة ، و يتمتّع بالاستقامة الفكريّة و الأخلاقيّة ، غير مُتلوّن ، و لديه معرفة علميّة و" أكاديميّة " تؤهّله لأن يجمع الأصالة و الحداثة و يصالح بين فسحة رئاسة الجمهورية الضيّقة ، و أرض الوطن الواسعة بعمقها الثقافي والحضاري و ثِقلها الديمغرافي...
ولا يُساوِرُني أدنى شكّ في أنّ وجود هذه الشخصية وارد لا محالة ، فموريتانيا تفيض بطاقات هائلة و رجال أفذاذ...بعضهم تجاوز الستين و بعضهم لم يتعدّ عقده الرابع أو الخامس... و كلّي أمل و تفاؤل أن تنجح المعارضة في التّفاهم على برنامج حكومي مشترك تتراضى عليه في الحد الأدنى معظم الأحزاب و الأوساط المؤثّرة و الفاعلة في المجتمع ، و تتقدّم بمرشّح توافقي لرئاسة الجمهورية بين يدي النّاخبين لتُكفِّر عن سيّئاتها و يغفر الله لها ما تقدّم من ذنبها و ما تأخّر...التفاؤل موجود و لكن فرضيّات الفشل قائمة لأنّ البحث عن رئيس توافقي ، بقدر ما يعكس من رغبة في الوصول إلى إجماع ، يُمكن أن يتحوّل إلى سبب في مزيد من الانقسام و التفرقة. و بالتّالي ، قد يتعذّر الوفاق فيما عدى التنسيق و الدعم المتبادل في الشوط الثاني من الانتخابات. و في هذه الحالة ، لا مناصّ من تعدّد المرشحين ولا خطورة في ذلك إن كان من ضمنهم رجل مناسب تتوفّر فيه المواصفات الواردة أعلاه . و في كلّ الأحوال ، سواء تعدّدت التّرشيحات أم لم تتعدّد ، علينا أن نستعدّ لخوض معركة ضروس مع حكم العسكر و أزلامه لفرض العدالة و الشفافية و النزاهة في كلّ مراحل العمليّة الانتخابية : تصحيح سجل الناخبين ، إعادة تنظيم اللجنة الوطنيّة المستقلّة ، تلافي كلّ النواقص و الثّغرات التي ظهرت في الانتخابات الأخيرة بخصوص المحاضر و آليّات الفرز ، و حضور ممثلين عن المرشحين في المستويات كافّة ، و إعلان النتائج ، إلخ ... و لن يتأتّى لنا ذلك ما لم يكن هناك ضغط مستمر و قوي على حكومة ولد عبد العزيز ، ضغط من أعلى بواسطة المجتمع الدولي و حضور مراقبين محايدين ،،، و ضغط من أسفل بتعبئة الشباب و النّزول إلى الشارع و تقديم التضحيّات قُرْبانا للحرية و الكرامة و بناء دولة جديدة.
و الله وليّ التّوفيق
محمّد فال ولد بلاّل