كلمة الإصلاح هذه المرة ستتوجه إلى موريتانيا وموضوعها سيكون موريتانيا ما بعد الانتخابات التشريعية والبلدية .
وقبل أن أدخل في الموضوع أود أن أذكر الموريتانيين بأنهم مهمى تطورت أحداث الزمن واختـلط حابل الإنسانية بنابلها وكثرت المصطلحات والمسميات فإن الإنسان المسلم وهو جميع الموريتانيين ولله الحمد ، لا بد أن يستقر في ذهنه أن طريق الإسلام المستقيمة هي ثابتة في مكانها لا تميل يمينا ولا شمالا لا مع كلمة الديمقراطية ولا مع كلمة الدستور والقوانين الصادرة من البشر .
فكما أن الإنسان نفسه الذي وصف الإسلام كيف خلق ، وما هي طوارئه في حياته من قوة وضعف ومدى جهله التام بيوم موته وأين يموت كل هذه الأشياء يعرف الإنسان الحالي أنها لم تتغير فكذلك مصيره بعد هذه الحياة لم يتغـيـر .
(من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فـلنحيـينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعـمـلون )(من يعمل سوءا يجز به ولا يجـد من دون الله وليا ولا نصيرا ).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم الخ الحديث الصحيح المشهور .
هذه المعطيات التي هي أوضح من الشمس على المسلمين الموريتانيـين المنتخبين باسم المفعول مهمى كان لونهم وشرائحهم وانتماءاتهم عليهم أن يدركوا جيدا أن المصطلحات لا تتـغير من حقائق مسؤولياتهم الإسلامية شيئا .
فالناجح في أي حزب موال أو معارض أو متكتم على صفته الداخلية التي لا تخفى على من يعلم السر والنجوى ـ هو موضوع من طرف خالقه تحت طائـلة عمله حسب قربه أو بعده في حياته في أقواله وأفعاله من هدى الصراط المستقيم المبين في الإسلام وعلى الجميع أن يعلم أن هذا ليس وعظا للتخويف فقط بل هو وضع للاشارات التي تذكر بمعالم هذه الطريق المستقيم .
فقوله تعالى ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهو رابعهم ولا خمسة إلا وهو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثـر إلا وهو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عـليم )) .
ليس وعظا لأجـل التخويف للإنسان ولكن هذه الآيات هي مرآة كاشفة للواقع سوف توضع أمام الإنسان قريبا جدا .
كما أنه يجب على الإنسان الموريتاني المسلم مهمى كان لونه وشريحته أن يتنبه أن إسلامه هذا يوحى إليه أن الجميع متساوون في الاحتياج لعمل ما هو مطلوب من المسلم والابتعـاد عن ما نهى عنه المسلم .
والانتماءات للأحزاب تحت مسمياتها اللغوية لا تقرب ولا تبعد المسلم من حقيقة مصيره طبقا لعـقيد ته والعمل على أساسها .
لأن النتيجة في امتـثال أوامر الإسلام هي الحياة السعيدة للمسلم في الدنيا والآخرة ونتيجة عدم الامتـثال هي خزي الدنيا وعذاب الآخرة ،وضروري شمول الإنسان كل الإنسان لهذه المسلمات .
وبعد معرفة هذه الحقائق فليكن الإنسان المسلم مواليا أو معارضا أو معاهدا إلى آخر المصطلحات البشرية .
ومن هنا سوف نقول كلمة في هذه المصطلحات الدنيوية الجديدة لنعـرف موقف المسلم حول مضمونها .
فمن المعلوم أن مصطلح كلمة الديمقراطية التي أصبحت الآن هي الأم أو النسب الشريف أو الثوب الدافئ الكثيف الذي تتسابق الأمم للانتساب إليه والتـلفف داخله ليس مصطـلحا إسلاميا ، وافرازاته ليست افرازات إسلامية ، فمصطلح الموالاة والمعارضة ليست مصطـلحات إسلامية إلا أن الإسلام لا تعنيه المصطـلحات الحديثة بعد نزول قوله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم واتممت غليكم نعمتي ورضيت لكم بالإسلام دينا ) فالإسلام لا ينـظر إلى الأقوال ولا إلى الأفعال ولكن ينـظر إلى القلوب كما في الحديث . فطريق الإسلام أوسع وأعـدل وأظهر من طريـق الديمقراطية الحديثة لأن قواعد الديمقراطية مكتوبة ومقـنـنة بقواعد من وضع البشر وطريق الإسلام موضوع لأصولها قواعـد لا تـتـغير أما فروعها فمتروكة لمصالح الإنسان الطارئـة دون تـقـنين إلا أن هذه المصالح مقـنــنة من طرف من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فإذا كانت موالاة الديمقراطية الحديثة مطلقة ومعارضتها مطـلقة فسيضرب بهما وجه صاحبهما لأ نهما سيكونان مخالفين للنصوص الإسلامية التي ترضي لله وتغضب لله .ولا ينفع المسلم عندئذ العمل على مقتضى إطلاقهما على أنهما مصطلحات الديمقراطية.
فعـملنا نحن المسلمين في أقطارنا بهذه المصطلحات الديمقراطية هو تصديق فقط لقول من لا ينطق عن الهوى عندما قال صلى الله عليه وسلم عن بعض أعمالنا في المستقبل : ستتبعون سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وباعا بباع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه .
وصرح في التفسير أنهما اليهود والنصارى ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل هذا الحديث استحسانا له بل قاله على وجه الواقـع والتقبيح في نفس الوقت لهذا الواقع كما قال تعالى ( الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغـلبون ) .
فالمصطلحات في حد ذاتها مجرد مسميات تتميز بها الأشياء عن بعضها البعض وتتعارف عليها الناس .
فالمولى عز وجل عين خلفاء وعين ملوكا فالخلفاء أمرهم بالحكم بين الناس بالحق وعدم اتباع الهوى والملوك مع أنه قال أنهم إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة إلا أن الملوك الذين عينهم الله أعطاهم مع الملك العلم والحكمة وقال في أحدهما أنه اصطفاه على أمته ، بمعنى أنه لا عبرة بالألقاب ما دامت الأعمال تسير على هدى الطريق المستقيم .
فكان على المسلمين لأجل مخالفة اليهود والنصارى ـ كما أمرهم الله ـ أن يسمو المعارضة (المراقبين أو الملاحظين) كما أمر أبوبكر أصحابه عند ما تولى الخلافة أن يراقبوا عمله إن أصاب أعانوه وإن أخطأ سددوه .
إذن على الشعب الموريتاني الذي انتخب نوابه أن لا تكون موالاته موالاة عمياء كما وصف الله اليهود (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه) وأن لا تكون معارضته مثـل آخرين وصفهم الله بقوله ( إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها) وألا تكون طرفا معاهدته مثـل بعض اليهود ((كل ما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم)) .
بل على الجميع إن كانوا مسلمين أن لا يحكموا الاصطلاح الديمقراطي في مستقـبل هذا الشعب المسلم : %100 وهو أن أي حزب عين منه شخصا يكون مواليا الموالاة العمياء وأي حزب لم يعين منه أحدا يكون حزبا معارضا لأجل المعارضة .
فعلى الرئيس الذي جعلته الديمقراطية اليوم المسؤول عن التعيين أن يمتـثـل حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه الحاكم وهو قوله صلى الله عليه وسلم:من عين شخصا على عصابة ( أي جماعة ) وهو يعلم أن فيهم من هو أرضى منه لله فقد خان الله ورسوله والمؤمنون .
وطبعا هذه الصفة لابد أن تكون معها الكفاءة العلمية والمهنية والأمانة الايمانية ولو كانت هذه الصفة بوصفها هذا لا تنتمي إلى أي حزب .
فأسوأ بند صدر عن حوار المعاهدة هو اشتراط الانتماء إلى الأحزاب عند الترشح الشيء الذي جعل الأشخاص يدخلون في مسمى حزب لا يعرفون عنه شيئا ولا هدف له بل لا شعبية له إما إطلاقا أو قـليلة لا تعبر عن شيء بل بعضهم أحيا العظام الرميمة من الأحزاب لأجل الترشح، وهذا من مساوئ الديمقراطية الجديدة وهي أن أي حزب استوفى شروطه القانونية بالتحايل واقـتراض الأشخاص من الأحزاب الأخرى أو إضافة لأسماء من غير علم أصحابها إلى آخر ذلك التحايل يعترف به مع أن هناك من المسلمين المثـقفين المهنيين من هو أولى بالنيابة عن الشعب وأكثر استقامة في تسيير بلديات الشعب .
ويناء على هذه الطريقة الإسلامية أعلاه فعلى من عينه الرئيس لشغل أي منصب يعرف من نفسه الكفاءة والعدالة الطبيعية والامتـثالية أن يقبل هذا التعيـين ولو كان من المعارضة المقاطعة أو المشاركة سواء كانت معاهدة أوغير معاهدة .
وهذه الكفاءة إذا كانت من الموالاة فلا أظن أنها تحتاج إلى طلب القبول.
أما أي حزب لم يعين منه أي شخص سواء كان مواليا أصلا أو معارضا يطلق على نفسه هذا الاسم عليه أن يكون مراقبا وناقدا نقدا بناءا ومشاركا مشاركة فعالة فيما يجلب لهذا الوطن الخير كل الخير ويبعده كل البعد عن النعرات العنصرية أو الطائفية أو القبلية إلى آخر أوكار الشيطان التي يتخندق داخلها دائما تحت أي مسمى ليقعد لهذا الإنسان الموريتاني المسلم فوق صراط الله المستقيم ويجلب عليه بخيله ورجله ويشاركه في الأموال والأولاد ويعده وما يعدهم الشيطان إلا غرورا .
وأخيرا فإني أرجوا ممن استوعب هذه الفكرة الخارجة من بين فرث الإسلام ودم الحداثة إن استوعبها إيجابيا أن يكتب في منهجها كتابات واسعة ومفصلة :
إن أندى للصوت أن يدعوا داعيان *** ولا سيما إذا كان المنادي جماعة
وفي الختام أقول للجميع فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد