إضاءة على التعليم / حمزه ولد محفوظ المبارك

حمزه ولد محفوظ المباركبالعلم ترتقي الشعوب و تتسنم مراتب التقدم العالية و به تمحى الفوارق و تضيق الهوة بين المراتب الإجتماعية , و به تنتظم الحياة و تتوطد العلاقات و يجد الإنسان نفسه و يحقق ذاته ضمن محيط يقاسمه قسمات الإنسانية في أرقى صورها . و من المعروف أن الأمم التي قطعت أشواطا بعيدة في مجال الصناعة و الفكر و تحقيق العدالة الإجتماعية ما كان بإستطاعتها ذلك لولا أخذها بناصية العلم و إحترام مكانته.

و لقد مرت الدولة الموريتانية على الأقل في فترة الثمانينات بمرحلة كان للتعليم فيها من الإحترام و القدسية ما جعله قادرا على تطوير الحياة الإجتماعية و المادية للكثير من الأسر البسيطة التي وجد أبنائها أنفسهم على مقاعد الدراسة دون تمييز واضح و لا شعور بالنقص و الدونية لا من أقرانهم و لا من مدرسيهم الذين كانوا على العموم على مستوى المهمة السامية التي أنيطت بهم , فأستطاعت الدولة الإستفادة من مخزون العقول المنبثقة من مختلف الأحياء و بالأخص تلك الاحياء الشعبية العفوية , و بالفعل تمكن المجتمع في وسط التسعينيات من الحصول على طبقة مثقفة تطور الكثير منها في أسلوب تفكيره و قرائته للأحداث تحت رحمة المكانة العلمية و العقل الراجح و الإلتزام الديني النظيف.

لكن و للأسف الشديد ما لبثت الدولة حديثة النشأة الناهضة أن وقعت في الحفر النفعية تمشيا مع التحولات السياسية الوهمية ليكون التعليم من بين كباش الفداء بل أعظمها حيث كان إصلاح -99- الذي رفس منظومة التعليم و رمى بها في لجج التخبط و الإرتجالية و عمق الفساد و فتح النار على أغلب العقول ليجد الكثير منها نفسه خارج دورة العقل و التعلم , و من الأمثلة الحية على ذلك العدد الهائل من أساتذة المواد العلمية و الذي يزيد على 600 أستاذ من مختلف التخصصات (رياضيات - فيزياء- كيمياء- علوم طبيعية) الذين خرجوا من السياق كرها رغم الكفاءة و روح المسؤولية التي يتحلون بها فقط لأن لعنة اللغة الفرنسية "الإصلاحية" طردتهم من الخدمة .

و لما كانت الدولة شاخصة في سماء المصالح المادية فقد كان على المُعلمين الدارسين و المكونين باللغة العربية أن يتركوا الأقسام أو ينصهروا في منظومة الفساد و يخضعوا لأصحاب الفخامة من مديرين جهويين و مديري قطاعات و أمناء و وزراء كل ما يهمهم هو التطبيل و التسبيح بحمد الحاكم المتبدل , و كأن المُعلمين اكرهوا على الخيار الأخير , فأصبحت العلاقة بين الطرفين "براجماتية" على حساب المهنية العلمية , فأرتبطت مصلحة المعلم بإرادة أصحاب الفخامة المحكومة ببركة التسبيح بحمد الحاكم المتقلب , و هكذا وصلنا لعبثية منقطعة النظير جعلت علاقة المدرس بالتلميذ و آبائه تسوء لحد الإحتقار و إنتفاء الثقة بمصداقية الرسالة و المرتبة العالمة فتحول المدرس من ذلك الملاك الطاهر إلى لص متحايل كل همه الحفاظ على إمتيازاته المادية بكسب ود أصحاب الفخامة.

و في ظل إستبعاد الدارسين باللغة العربية من المسابقات العمومية و إقصائهم وجد أصحاب الفخامة أنفسهم أمام فقر "إصلاحي" مكشوف ترتبت عليه حتمية ملإ الفراغات و سد الثغرات لتكون تلك السياسة بمثابة الضربة القاضية و الشاملة للمنظومة المنهارة أصلا , فقد أوغلت الدولة في الإكتتابات العشوائية من الشارع في إطار ما يسمى بالعقدويين الذين يجهزون على ما تبقى نظرا لإفتقارهم للمسؤولية و المهنية و لأن أغلبهم إن لم أقل عامتهم من الفاشلين الذين قذفت بهم النكبات الدراسية , حتى أنهم لا يحسنون القراء و لا يعرفون الكتابة .

و الغريب في الأمر أن هؤلاء المعقدين يتم إكتتابهم على أساس محاصصات سياسية عبثية يقوم بها كبار موظفي الدولة من وزراء و غيرهم , فحتى وزير التعليم الأساسي "با عثمان" ضالع في هذا الفساد بشكل مباشر و صريح فقد قام في الفترة الأخيرة بإكتتاب مباشر لزمرة من الفاشلات على مستوى مقاطعة "ول ينج" ليصبحن مربيات أجيال , على أساس حسابات سياسية ركيكة و ساقطة.

و من هنا و بوصفي مواطن و مربي و صاحب تجربة في ميدان التعليم فمسؤوليتي تقتضي تبيين الخلل و مواطن الظلمة و أحذر من أن يكون فساد التعليم عملا ممنهجا تستخدم فيه الدولة سطوتها على مرأى و مسمع من القاصي و الداني , و أرجو أن يعاد الإعتبار لمكوناته المختلفة بما يحفظ للدولة تماسكها على الأقل.

الاستاذ : حمزه ولد محفوظ المبارك.

ثانوية ولد ينج.  

7. يناير 2014 - 17:06

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا