وجهة نظر على هامش مهرجان ولاته / ديدى ولد الوافي

ديدي ولد الوافيتنطلق في 13 من الشهر الجاري - تحت رئاسة رئيس الجمهورية -   فعاليات الأسبوع الثقافي للمدن التاريخية في نسخته الرابعة الخاصة هذه  السنة  بمدينة ولاته العريقة، وهي فرصة ينبغي استغلالها لتذكير من يهمهم الأمر بواقع  ولاية الحوض الشرقي عموما ومقاطعة ولاته خصوصا.

لقد تحدثت كثيرا – عبر المواقع و  شبكات التواصل الاجتماعي- كما تحدث غيري عن الظروف السيئة التي يعيشها سكان الحوض الشرقي في مناحي الحياة المختلفة ( الصحية والتعليمية والمعيشية ....... الخ)، وهي ظروف تعود  في الأساس إلي انتهاج الدولة لسياسة تنموية غير متوازنة اتجاه ولايات الوطن، تلك السياسة المبنية في الغالب علي الارتجالية وغياب معايير ثابتة تكون مرجعية في انتقاء المشاريع ذات الأولوية ووضع محددات علي أساسها نقيم تنمية متوازنة تأخذ في الحسبان إكراهات  الديموغرافيا، وحقائق  التاريخ ومبادئ العدل والإنصاف بين أبناء وجهات  الوطن الواحد.

  و ركزت بصفة خاصة  علي ما يمكن أن نسميه الغبن والحرمان من الولوج إلي مصادر الثروة التي تتحكم فيها الدولة بطريقة أو بأخرى كترخيص المؤسسات المصرفية وشركات التأمين ورخص التنقيب والصفقات العمومية وشبه العمومية، فعلى سبيل المثال لا الحصر ضمن عشرين مؤسسة مصرفية في البلد  اليوم نلاحظ غيابا تاما للمنحدرين من الحوض فئ هذا القطاع، نفس الشيء ينطبق على عشرات شركات التأمين ومئات رخص التنقيب المنجمي   والصفقات الكبيرة والفاعلين في قطاع الصيد، بل أكاد أجزم أن ولايتي العصابة والحوض الغربي تعرفان نفس الوضعية مع فوارق طفيفة، علما بأن الولايات الثلاث تمثلان  قرابة  أربعين في المائة من  سكان الجمهورية إن لم أقل قرابة  نصفهم .

اعتراف ولكن.....

ورغم ارتفاع  الأصوات المطالبة بتلافي تصحيح هذا الوضع المختل ( إرفود أهل لخل)، لم تحرك الدولة أي ساكن حتى الآن،  وإن كان اعتراف رئيس الجمهورية مؤخرا  في لقاء الشعب بالنعمة بأن  هذه الولاية مهمشة وبأن أوضاعها مزرية هو خطوة في الاتجاه الصحيح .

لقد اعتبرنا وقتها أن  التصريح كان شجاعا، وإن كنا نود أن يذكر لنا الرئيس أسباب ذلك التهميش خاصة في فترة مأمورية فخامته التي لم يبقي منها إلا بضعة أشهر، وتوقعنا منه مباشرة تنفيذ سياسة تنموية في الولاية مبنية علي مبدإ أصبح شائعا اليوم يعرف بالتمييز الإيجابي، وهو ما لم يحصل حتى الساعة.

صحيح أن كل الأنظمة المتعاقبة في البلد  تتقاسم المسئولة  عن تلك الوضعية المأساوية، لكن علينا أن نعترف بأن النظام الحالي كرس حالة التخلف تلك ولم يوفق بعد في خلق آلية لتحسين أوضاع الناس في تلك الربوع، ولعل ما أظهرته صناديق الاقتراع مؤخرا هو الرد المناسب على التهميش وسوء الأوضاع بصفة عامة، فمن كان يصدق أن النعمة سيهزم فيها حزب الدولة بهذه الطريقة المهينة، خاصة أن الخصم لم يكن بالقوة المادية  ولا الحجم  الانتخابي   اللذين  يخولانه  ذلك ، وإنما كان هناك تصويتا عقابيا واضحا ورسالة صريحة بأن عهد التحكم في رقاب الناس قد ولي، إنها رسالة واضحة ينبغي التعامل معها بالجدية اللازمة ، نفس الشيء حصل في جكن وكادت ولاته تحذو حذو سابقتيها  لولا الجهود الجبارة والمضنية لحملة الحزب الحاكم هناك.

لا أنكر بأن سيلا من التصريحات المعبرة عن حسن النية  و الوعود الرسمية قد تحدثت عن الكثير من المشاريع و باستثمارات  تصل عشرات المليارات، لكن أكثر تلك المشاريع وأهمها لم ينطلق بعد، وحتى وإن انطلقت تلك المشاريع فإنها لن تغير من واقع الناس على المديين القريب والمتوسط على الأقل، فبناء الطرق وجلب مياه الظهر هي مشاريع إستراتيجية لها نفعها  بدون شك ، لكنها  لن  تخلق  الموارد اللازمة لتشغيل الناس، وتنشيط الحياة الاقتصادية، فالمشكل أساسا هو مشكل موارد.

المطلوب اليوم هو خلق مشاريع تنموية صغيرة مدرة للدخل توجه أساسا للاقتصاد التقليدي للمنطقة (الزراعة الموسمية والثروة الحيوانية)، تخفف من البطالة وتحسن من  ظروف الناس المعيشية، يستفيد منها المزارع في حقله والمنمي في قطيعه، والنسوة في تعاونياتهن، وتخلق ديناميكية اقتصادية بين صغار المتعاملين، وتحيي الأمل في نفوس آلاف الشباب العاطلين والمعطلين بدون وجه حق، و بكلمة واحدة المطلوب اليوم هو أن يشعر الناس أنهم ليسوا غرباء  في وطنهم  وأن هذا  الوطن  لن يتخلي عنهم وهم يعيشون أسوأ الظروف . وفي هذا المقام يجدر بنا أن ننوه  بمشروع المركب الصناعي للألبان في النعمة الذي يعتبر  نموذجا رائدا  من النوع الذي ينفع الناس ويمكث في الأرض، لكنه حتى الساعة لم يبرح مرحلة وضع الحجر الأساس رغم مضي ستة أشهر على إعلان انطلاقة المشروع.

 

ولاته المنسية

وتبقي مدينة ولاته  المثال الأسوأ في الإهمال والتهميش بالنسبة للحوض  الشرقي، فلم يشفع لها تاريخها  كمدينة علم وعلماء، ولا حاضرها كجزء من تراث البشرية في أن تنال من الحظوة  والاهتمام  ما تستحق، فما تزال تعاني من الإقصاء والإهمال والنسيان والعزلة التامة.

إن  ولاته اليوم  معرضة بكل تراثها الإسلامي العريق للغرق بفعل التصحر والزحف المستمر للرمال ، وكذا هجرة غالبية  سكانها لدرجة أنهم أصبحوا يعدون  بالميئات بعد أن كانوا بالآلاف  في عهود ماضية، كما أن مكتباتها الثمينة باتت عرضة للضياع والإهمال وتعيش حالة مزرية تهدد وجودها إن لم يتلافاها الغيورون علي ثقافة هذا الشعب.

وتبقى الخطوة الأهم – ضمن خطوات أخري -  في انتشالها من الإندثار هي بناء طريق معبد يربطها بحاضرتها الإدارية مدينة النعمة من جهة ومن جهة أخري يربطها بماضيها التاريخي والتراثي عبر مدينة تيشيت,

إن طريق النعمة- ولاته- تيشيت- تجكجة (حوالي  650 كلم ) هو مشروع في منتهي الأهمية ينبغي لرئيس الجمهورية أن يعلن في  ولاته عن بدء  الدراسات فيه لما له من أهمية بالغة في ربط جنوب شرقي البلاد بشمالي شرقيها وعلاوة علي ذلك سيسهم هذا الطريق بشكل فعال في توفير الأمن في مناطق خالية من كل أشكال  الحياة بسبب وعورة المسالك وغياب مقومات البقاء  ، زد علي ذلك أنه سينشط السياحة وسيشجع السياح  علي التدفق إلي صحارينا الساحرة   ومدننا التاريخية، إنه باختصار أهم هدية  يقدمها الرئيس لشعبه مع مطلع العام الجديد أحسن  خاتمة يختم بها  مأموريته وهو فى الشهور الأخيرة منها، وهو مشروع  لن يتردد   شركائنا في التنمية في تمويله  نظرا لجد وائيته  الأمنية وحتى  الاقتصادية  ولبعده الإنساني كرابط بين مجموعة مدن هي جزأ من التراث العالمي وكعابر لمنطقة غير آمنة في عهد  مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، فبه  سترتبط ولاته وتيشيت أيضا بشنقيط وودان عبر طريق تجكجة – أطار الذي يجري تنفيذه الآن، ثم لم لا نفكر لاحقا بالتنسيق مع جيراننا الماليين في بناء طريق تينبكتو- إنبيكت لحواش- ولاتة، فبناء هذا الطريق  سيحقق  الأمن للمنطقة ويحيي  خط القوافل التاريخي في صورة طريق دولي  معبد نسميه طريق الأمن أو طريق القوافل أو .....

ليست العزلة وحدها هي ما تعانيه ولاته، فالعطش بات كابوسا حقيقيا يهدد وجودها  والمناطق المجاورة لها، وعلي الرغم من بعض الحلول الترقيعية  التي قيم بها إلا أن المشكل ظل قائما، لذلك ينبغي التفكير جديا في تزويد المدينة ومحيطها بالمياه الصالحة للشرب  من أقرب نقطة لها من بحيرة تاودني، فقد أكدت أحدث الاستكشافات الهيدرولوجية أن هذه البحيرة لا تبعد من ولاته سوي سبعين كيلوميتر عند موقع (إنبيكات أوراش)، وفي هذا الجانب أيضا ينبغي أن توجه الدولة المهتمين بالبحث المنجمي والدارسين الجيولوجيين  لهذه المنطقة نظرا لقربها الجغرافي من حوض تاودني  ( قد تكون ولاته أقرب مدينة لحوض تاودني)  الذي بشرت كل المؤشرات بوجود النفط فيه.

أما في الجانب الثقافي فإننا نطالب بتعزيز القدرات المادية والمعنوية والقانونية للمؤسسات الرسمية المعنية بولاته وأخواتها، كالمؤسسة الوطنية لحماية المدن التاريخية والمعهد الموريتاني للبحث العلمي والمتحف الوطني وإدارة المحاضر وغيرها   حتى يتسنى لهذه الجهات العمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه الكنوز الثمينة والمحافظة على ماهو قائم منها . وينبغي التفكير فورا في تأسيس معهد أو مركز وطني يسمي المركز الوطني لتنمية وتطوير فن الزخرفة في ولاته ويكون مقره بنفس المدينة يعهد إليه بالتكوين في مجال الزخرفة كما يعمل علي إدخال هذا  الفن في عمراننا الحديث،  ذلك أن هذه الزخرفة هي احدي إسهاماتنا في الحضارة البشرية وهي محدد من محددات هويتنا  الوطنية يكاد يضيع.

وحتى تكتمل الصورة ونعيد لولاته جزءا يسيرا من ماضيها العلمي الزاهر يجب العمل على بناء مركب علمي محضري في حلة عصرية يعهد إليه بتدريس العلوم القرآنية والفقهية واللغوية علي هيئة معهد عالي تابع لجامعة العيون الإسلامية يوجه إليه الطلاب من كل جهات موريتانيا.

تلك وجهة نظر مواطن عادي لاتحركه سوي الغيرة علي وطنه، بعيدا عن التجاذب السياسي ، أردت من خلالها أن ألفت نظر القائمين علي شأننا العام إلي إختلالات  بنيوية فى توزيع الثروة الوطنية على المستوي الوطني، كما أرجو أن أكون قد وفقت في تذكير المعنيين بأهم المشاريع الضرورية لإعادة الحياة إلي روح ولاته المنسية.

كل ذلك لم أرد به إلا الإصلاح مااستطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

12. يناير 2014 - 9:40

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا