رد على مقال الكاتب محمد ولد المختار الشنقيطي / محمد سدينا ولد الشيخ

altمع أني اعترف بالمكانة الفكرية المتميزة للشنقطي وكعبه العالي الذي وضعه في مصاف رفيع، إلا أن تنظيره في مجال السياسة الجنائية وتجاوزه حمى التخصص مكنني من تدوين ملاحظات على مقاله المعنون ب:(التطاول على مقام النبوة بين كسب الألباب وقطع الرقاب) والذي قلب فيه فلسفة المراقبة والمعاقبة من منظور المقاصد رأسا على عقب.

 

إن الشنقيطي في نظريته الجديدة طالب باسم السياسة الجنائية بوضع المرتد تحت المراقبة في منزل أهله أو في مؤسسة للتأهيل مدافعا بكل ما أوتي من بيان ضد استئصال المرتد إلى أن قال(............وأسوأ رسالة يوجهها المسلمون اليوم إلى العالم اليوم –من منظور السياسة الشرعية- هي قتل المرتد أو المتطاول على مقام النبوة........) وكان قد شكك قبل هذا الاستنتاج في وجود حد الردة في الإسلام من خلال حديثين شريفين حرفهما عن موضعهما المناسب ،ومن المؤكد أن حد الردة موجود في المذهب المالكي الذي أخذته منه المادة 306من القانون الجنائي الموريتاني هو لمن لا يعرفه مذهب من فروع الشريعة التي اعتبرها الشنقيطي في مقاله المثير تلالا من الرمل تراكمت على ضفاف الشريعة أعمت الناس عنها ،ولولا الجهود الجبارة لعلماء الفروع من أمثال الحاج ولد فحفو - شيخ شيخه حمزة الأمريكي ،كما ذكر- واجتهادهم الذي فرع الفروع لما وصلتنا الشريعة في عالم اليوم.

وبالتزامن مع قراءتي لمقاله قرأت مقالا آخر بعنوان (لا ...لا عنصرية ولا محاباة في مواقف النبي ) للكاتب محمذن بابا ولد اشفغ الذي جذبني تأصيله وتبريره المنطقي لتنفيذ حكم تحكيمي صدر عن حليف تاريخي لبني قريظة هو سعد ابن معاذ كانت نتيجته إعدام رؤوسهم بجريرة ارتكاب جريمتي الخيانة العظمى والتجسس التين تعاقبهما اغلب قوانين عالم اليوم بالإعدام كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ 14 قرنا .

ألهمتني تلك الفكرة العبقرية حقيقة المرتد الذي يعتبر ثائرا فوضويا يعادي النظام العام ويسحب اعترافه بحقوق الناس المتأصلة في الشريعة والتي لا حماية لها خارجها كحق الحياة وحق الملكية وغيرهما من الحقوق.وهو بذلك يختلف عن الذمي الباقي على عهده. والمرتد حين يقدم على كفره بالقانون وهو كامل الإرادة وعن بينة واختيار فإنه يجعل نفسه في مرمى العقوبة ،ما يعني أن استئصاله لابد منه لمعالجة أمراض الأمة الداخلية خاصة في البلاد السائبة ،فضلا عن كون استئصاله لا يمثل رسالة سلبية موجهة لأي كان من غير المسلمين عكس ما يعتقد الشنقيطي في الاستشهاد السابق اللهم إلا إذاكن ذلك الغير هو الذي يلقي بالشباب الموريتاني في وهدة الارتداد بخيله ورجله .

وكان (ميشل فوكو) في كتابه حفريات المعرفة _الذي لخص فيه إرث العوائل القانونية 5 الرئيسية في العالم_ قد صنف الخارجين على القانون إلى قسمين قسم يخالف القانون عن بينة واختيار وهم المجرمون الذين يستحقون العقاب بدرجات تتفاوت حسب نوعية جريمة المجرم ونوعية الأفكار الخبيثة التي تسلطت عليه والتي قد تجعل من الواجب استئصاله ليكون عبرة لغيره، وقسم يخالف القانون من غير قصد وهم المجانين والصغار عديمي الإرادة وارتأى أن يطبق عليهم نظام المراقبة في الإصلاحيات أو المستشفيات العقلية أو البيوت لعلهم يفيدوا المجتمع بينما الميئوس منهم يستمر حبسهم كالحيوانات كبحا لبأسهم عن العقلاء.

وبالرجوع إلى هذا التصنيف يكون المرتد من الفئة التي ينبغي استئصالها من منظور السياسة الجنائية لأنه رفض التوبة على مدى ثلاثة أيام وأصبح يعادي محيطه الثقافي والحضاري ويثور على كل نظمه بفعل الأفكار الخبيثة المتسلطة عليه.

إن جريمة الردة تحدث أثرا خطيرا على واقع المجتمع المسلم تزيد خطورته بكثير على خطورة جرائم المس بأمن الدولة والإرهاب و معاداة السامية في قوانين بعض الولايات الأمريكية التي ينتمي إليها الشنقيطي وشيخه (الشيخ حمزة) ويدفعان لها الضرائب لتمويل السياسات الاتحادية المدنية والعسكرية الأمريكية.

والردة في الإسلام ممنوعة لأنها كفر بالقانون أي الدين لأن الإسلام دين وحياة يجمع بين إقليمية القوانين وشخصيتها وله أركان يفرضها على أتباعه حتى قبل وصولهم درجة الإيمان كنطق الشهادتين قولا ،والصلاة، والصيام ، والزكاة، والحج . والتي تمكن من يؤديها من كسب حقوق كثيرة بما فيها تقلد المناصب التي قد يحتاج تقلدها إلى أداء قسم بمقدس معين تماما مثل ما في القوانين الأمريكية.

إن كل مسلم قبل بلوغه مستوى الإيمان أو الإحسان عليه أن يسلم بوجود الله ويصدق برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ويترجم اقتناعه بتلك المسلمة في شهادة تمثل ولوجه للعقد الاجتماعي للمسلمين_وهي شهادة على التسليم لا على الاعتقاد_لأنه لا يزال قاصرا عن بلوغ مستوى الاعتبار العقلي ،لكن متطلباته الحياتية اليومية لا تقبل تصوفه وعزلته عن المجتمع المسلم الذي قد يتقلد فيه وظائف يستوجب تحملها أداء القسم فضلا عن كونه كأي إنسان في قلب الأحداث قد يصبح خصما أو شاهدا يطلب منه اليمين بمقدس، فهذه المقاصد ربما هي التي منعت الشريعة من السماح بسن قانون لكل فرد بمعزل عن الناس حتى يعيش المرتد في عالمه الخاص .

وزيادة على ما سبق فإن أداء الحج والصلوات المفروضة يحمل المتعبد غير المؤمن على توجيه وجهه شطرعاصمة المسلمين ما يقوي ارتباط بالمركز ويذكي فيه جذوة الانتماء الوطني ويعمقه في الناس بالانتقال من جيل إلى جيل بالوراثة،بينما الزكاة تماثل الضرائب المفروض في القوانين الأمريكية.

والمرتد إما أن يكون نشأ في بيئة مسلمة كما هي حالة المرتد المويتاني(ولد امخيطير) أو يكون دخل الإسلام بعد كفره وشهد شهادة زور بتصديقه بوجود الله ورسالة رسوله محمد. وفي الحالة الأولى سيكون المرتد تسلطت عليه أفكار خبيثة لا صلاح له بعدها .

وفي الحالة الثانية تكون وضعيته تماثل وضعية الجاسوس الذي جاء لخدمة العدو وهي جريمة جزاؤها الإعدام في كثير من دول عالم اليوم .

و(الشنقيطي) ليس مستشرقا ولا مرتدا حتى يغمض عينيه عن هذه الحقائق،كما أنه لا ينبغي أن تختلط عليه خصائص الصورتين السالفتين و يجمع بينهما كما يفعل بعض المستشرقين والمستغربين حين تصويب أسهمهم المسمومة للنيل من الإسلام كي يطفئوا نوره.

فعلى (الشنقيطي) الانتباه إلى تدرج أقسام الدين ما دام الجانب ألعبادي البحت يمكن غير المؤمنين من فوائد حياتية وفوائد روحية توصلهم فيما بعد إلى مستوى الإيمان عبر التذوق الصوفي .

فالتسليم الذي أستهلوا به حياتهم له فوائد دنيوية أنتبه إليها بنات الجيوش الأول وتبعتهم على رسلها القوانين العسكرية التي تلزم الجنود بامتثال حركات معينة - كمسلمات دون نقاش - حين سماع مصطلحات معينة من القائد تمثل اختبارا استباقيا لمدى امتثالهم لأوامر أخرى في لحظات حاسمة.

وعليه يكون الإسلام فرض على أتباعه التطبع بتلك الأفعال قبل إيمانهم كطريق سالكة وآمنة قد تؤدي بهم إلى الإيمان،مع العلم أن الإيمان والاعتبار العقلي ليسا في نهاية المطاف إلا طمأنينة تصيب الإنسان حين وصول تفكيره نهاية حدود العقل البشري ، والعقول البشرية حدودها النهائية هي المسلمات التي تنشأ من العادة والتكرار.

بيد أن المسلمات التي تحد عقولنا في محيطنا الحضاري قد لا تكون بالضرورة هي نفسها التي أصبحت حدودا لعقل الشنقيطي في نسخته المريكية .

وقد فات على (الشنقيطي) أن الموريتاني المرتد (ولد امخيطير) شكك في عدالة الإسلام ونفى كونه دينا موجه للناس كافة.

وقد أصبحت نوايا (الشنقيطي ) مريبة حين تقديمه لسرد قصصي مشفر عن ملاحدة طلقاء في الحجاز لم تطبق فيهم حدود الله وتخفوا تزندقا حتى قابلوه وناقشوه وانكشف له أمرهم ولم يذكر أنه بلغ عنهم للأسف،وقصص أخرى عن زنادقة أخر في دول عربية بينهم قائدة لمؤسسات إسلامية سمع عنها ولم يبلغ عنها القضاء المختص أوضحاياها من المتبرعين والمستهدفين، وبدل التبليغ القضائي عن كل ذلك نشر هذه المعلومات بين الشباب الموريتاني الذي لا ينتمي إليه الشيخ حمزه الأمريكي الذي بحمد الله تذوق فضائل خير البرية لكن ليس بجهود أمريكا التي يراها الكاتب مركزا للدنيا والآخرة،وإنما بجهود شيخ موريتاني من أهل الفروع زاهد في الدنيا وأهلها هو العلامة الحاج ولد فحفو .

كان من الأنسب على (الشنقيطي)المساهمة في الدفاع الاجتماعي ضد الجريمة و تبليغ قضاء الدول المعنية عن تلك الكوارث المرضية وكتمها كي لا تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.

ورغم كل هذا فإن ما أقدم عليه (الشنقيطي) لا يجد تبريرا في الشريعة الإسلامية ولا القانون الوضعي وإنما في الثقافة السائدة موريتانيا التي تفرض على فرسان القبيلة حماية أفرادها من قرابة النسب والولاء إن وقع بعضهم في شرك القانون لأي سبب.

وقد استنتجت هذه المعلومة من معايشتي للوقائع القضائية في موريتانيا على مدى 20 عاما لا حظت خلالها أن القانون غير محترم كرسالة أخلاقية وأن المباح والممنوع الذي يلتزم به الناس طوعا لا يتجاوز حدود القبيلة عند كثير منهم ليتلاشى خارجها ويتوقف تطبيق قواعد الحلال والحرام و يباح للفرد كلما اقترف دون تناه عن منكر أو تواص بحق أو عدل ،و تفرض الثقافة السائدة بعد ذلك على القبيلة مساعدة الجناة في الإفلات من العقاب بدل نبذهم والتبرؤ منهم .

وكان أجدر (بالشنقيطي) بدل التشكيك في وجود حد الردة وما سبق ذلك من كر وفر التأسي بالأديب الحساني يحي ولد اسويدي الذي ينتمي لشريحة ولد امخيطير الطبقية والذي جرد يراعه دفاعا عن دينه وشريحته وقال:

نحن هذو لمعلمين ،،جملة وأفراد امعلمين

بن لله امسلمين ،، أمرن واعل انبين

زاد امصلين امسلمين ،، أفادين كامل بين

أبالفيدين متألمين ،، أمنحرين أحنا بين

تطاول حد ابلا اعقل،، وابلادين اعل انبين

فاكعن وسو ينتقل ،، عنو زاد اتمابين

نحن هذو لمعلمين.........

لكن (الشنقيطي) يظهر أنه من أتباع المسمى الشيخ حمزة الأميركي الذي ترجم له قصيدة في ترجمتها زيف عاطفة أعاق توابلها عن جذب القارئ إلى فقه ومعتقد الكاتب وزيت زيتونته !!.

المحامي / محمد سدينا ولد الشيخ

sidinavocat@yahoo/fr

12. يناير 2014 - 10:03

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا