الشناقطة والتشيع كيف يلتقيان ؟! / محمد سالم بن دودو

altسأحرص وأنا أكتب هذه السطور على المبالغة في إنصاف الشيعة والتشيع من خلال تجليين أساسيين؛

أولهما: أن لا أنقل في عقائدهم إلا عن أكابر علمائهم المتبوعين في أكثر مؤلفاتهم شهرة ومحورية لديهم، وأزيد في هذه النقطة بأن لا أعقب على أقوالهم طيلة المقال بأي رد من ردود خصومهم.

وثانيهما: أن أكبت مشاعري وانطباعاتي تجاههم واحتفظ بها لنفسي ولا أشرك فيها القارئ، وأستثني من ذلك ما تمليه علي عقيدتي من الترضي ونحوه عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيثما ذكرتهم، دون أن أدرجه في نقولي عنهم. تاركا بذلك الفرصة للقارئ ليحكم بنفسه على الشيعة والتشيع سلبا أو إيجابا بناء على ما يروجون به لأنفسهم، لا على ما يلمزهم به خصومهم، ودون محاولة التأثير عليه بما يحلو لي شخصيا نعتهم به من فظيع الأوصاف وسيئ الألقاب.

وقبل الشروع في ذلك أقدم كلمات معدودة ألخص فيها قصة العلاقة بين الشناقطة والتشيع.

فقد اتجهت أنظار الشيعة مبكرا بعد نجاح ثورتهم في إيران إلى بلدان المالكية بالمغرب العربي وشمال إفريقيا التي استعصت كثيرا على التشيع على مدى أكثر من ثلاثة عشر قرنا من الزمن، كما أثبت ذلك القاضي عياض حيث قال في كتابه ترتيب المدارك في أعلام مذهب مالك: «فلم نر مذهبا من المذاهب غيره أسلم منه، فإن فيهم الجهمية والرافضة والخوارج والمرجئة والشيعة.. إلا مذهب مالك فإنا ما سمعنا أحدا من نقلة مذهبه قال بشيء من هذه البدع».

وقد ركزوا في البداية على المملكة المغربية فاستطاعوا أن يكتسبوا فيها بعض الأتباع قبل أن يكتشف النظام وحماة السنة حقيقة الخطر المحدق بهم فيصمموا على وضع حد نهائي له. 

وخلال فترة اختراق التشيع للمغرب كان يمنعهم من التوجه إلى موريتانيا شدة بغضهم لاسم "معاوية" الذي يحمله رئيسها آنذاك، فقرروا التمدد إلى بلاد السنغال.. ولكنهم سرعان ما استبشروا باسم "علي" الذي يحمله قائد الانقلاب الذي أطاح به، فعلق التلفزيون الإيراني الرسمي على ذلك قائلا: «وأخيرا انتصر "علي" على "معاوية" في موريتانيا»، مستغلا دلالة الاسمين في تمثل ما كان بين الإمام علي بن أبي طالب والخليفة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أيام الفتنة.

وقد حال موقف العقيد اعل ولد محمد فال حينها من "الإسلام السياسي" دون تجاوبه مع مغازلات المد الشيعي، لكن الورطة التي وقعت فيها البلاد سنة 2009م، دفعت النظام إلى تقارب كبير مع النظام الإيراني أسفر عن تبادل السفراء والزيارات وسمح لهم بالتغلغل في المجتمع الموريتاني أكثر فأكثر.. ويقتضي إنصاف النظام حينها التذكير بأنه ليس وحده في تلك الفترة من لم يكن يرى بأسا في مثل ذلك الموقف.

هذه باختصار هي قصة العلاقة بين الشناقطة والتشيع ببعديها المذهبي والرسمي.

أما قصة التشيع نفسه فيمكن اختصارها في ثلاث محطات بارزة؛

أولاها: مرحلة تقديم آل البيت على غيرهم من الصحابة من غير تنقيص من الشيخين وابنتيهما أمي المؤمنين، ولا من ذي النورين وآل أبي سفيان رضي الله عنهم أجمعين، وقد كان هذا شأن كل من انحاز للإمام علي من الصحابة والتابعين منذ حادثة السقيفة.

وثانيها: مرحلة الرفض التي تعني إعلان البراءة من الشيخين وابنتيهما ومن عثمان وآل أبي سفيان ومن والهم، قبل إعلان الولاء لآل البيت الطاهرين، وفي هذا المعنى يقول الجوهري في صحاحه، والزبيدي في تاج العروس: «والروافض كل جند تركوا قائدهم والرافضة فرقة منهم، والرافضة أيضا فرقة من الشيعة، قال الأصمعي: سموا بذلك لأنهم بايعوا زيد بن علي ثم قالوا له تبرأ من الشيخين فأبى، وقال: لا. كانا وزيري جدي، فتركوه ورفضوه وارفضوا عنه» [تاج العروس ج 5 ص 34، صحاح الجوهري: ج 3 ص 1078 تسلسل عام الكتاب].

غير أن بعضا من أهل السنة سحب صفة "الرفض" على كل الموالين لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وغالى بعضهم في ذلك حتى إن من سفهائهم من سحبه على كل مُظهِر لحب آل البيت الطاهر ولو لم يكن منحازا لطرف عن طرف، وهذا ما بينه الشيخ محمود شكري الآلوسي (وهو من أعلام أهل السنة) في تفسيره لقول الله تعالى: قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ [الشورى: 23]، فقال: «وكلما كانت جهة القرابة أقوى كان طلب المودة أشد، فمودة العلويين الفاطميين ألزم من محبة العباسيين على القول بعموم ٱلْقُرْبَىٰ،

وهي على القول بالخصوص قد تتفاوت أيضاً باعتبار تفاوت الجهات والاعتبارات. وآثارُ تلك المودة التعظيمُ والاحترامُ والقيام بأداء الحقوق أتم قيام، وقد تهاون كثير من الناس بذلك حتى عَدُّوا من الرفض السلوك في هاتيك المسالك. وأنا أقول قول الشافعي:

يا راكباً قف بالمحصب من منى ** واهتف بساكن خيفها والناهض

سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى ** فيضاً كملتطم الفرات الفائض

إن كان رفضاً حب آل محمد ** فليشهد الثقلان إنَّيَ رافضي

ومع هذا لا أعد الخروج عما يعتقده أكابر أهل السنة في الصحابة رضي الله تعالى عنهم ديناً، وأرى حبهم فرضاً عليَّ مُبيناً، فقد أوجبه أيضاً الشارع وقامت على ذلك البراهين السواطع». [تفسير الألوسي: ج: 25، ص: 44].

وأما الطور الثالث؛ فهو التشيع الإمامي الإثنا عشري، وهو السائد اليوم في إيران والعراق ولبنان وبعض الدول الخليجية، وهو مؤسس على فكرة الرفض بأجلى صورها، ويضيف إليها تكفير الصحابة المذكورين ولعنهم ولعن من لم يلعنهم إلى يوم الدين.

وسنكتفي في هذا المقال بعرض بعض آراء الشيعة اليوم في ثلاثة من الخلفاء الراشدين واثنتين من أمهات المؤمنين رضوان الله عليهم أجمعين.

فقد ذكر المجلسي وهو من كبار أعلام الشيعة وعلمائهم، فـي كتابه (حق اليقين ص 522): «قال لعلي بن الحسين مولى له: أخبرني عن أبي بكر وعمر؟ فقال: إنّهما كانا كافرين، والذي يحبهما فهو كافر أيضا. وفـي تفسير القُمِّيِّ عند قوله تعالى: وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، [سورة النحل: 90]؛ قالوا: الفحشاء أبو بكر، والمنكر عمر، والبغي عثمان».

وقال الطوسي في تهذيب الأحكام (ج: 2 ص: 321)، والكليني في الكافي (ج: 3 ص: 342): عن «محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل ابن بزيع عن الحسين بن ثوير وأبي سلمة السراج قالا: سمعنا أبا عبد الله عليه السلام وهو يلعن في دبر كل مكتوبة أربعة من الرجال، وأربعا من النساء؛ التيمي، والعدوي، وفعلان، ومعاوية ويسميهم. وفلانة، وفلانة، وهند، وأم الحكم أخت معاوية». ونشير هنا للإيضاح إلى أن كناياتهم بفلان وفلانة وفعلان أو بالنسبة إلى البطن كالتيمي والعدوي والأموي، هي من باب كراهة ذكر أسماء المعنيين إلا في صيغ اللعن، ولذلك قال: ويسميهم، أي وقت لعنه لهم.

وقال محمد بن الحسن الصفار، في بصائر الدرجات (ص 289): «حدثنى أحمد بن محمد عن عمر بن عبد العزيز عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالى عن علي بن الحسين عليه السلام، قال قلت له: أسالك -جُعلت فداك- عن ثلاث خصال أنفي عني فيها التقية، قال: فقال ذلك لك، قلت: أسالك عن فلان وفلان؟ قال: فعليها لعنة الله بلعناته كلها، ماتا –والله- وهما كافران مشركان بالله العظيم».

وقال العياشي في تفسيره (وهو من كبار مفسريهم)، عند قول الله جل وعلا: إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا: «عن عبد الله بن كثير الهاشمي، عن أبي عبد الله عليه السلام: نزلت في فلان وفلان آمنوا برسول الله صلى الله عليه وآله في أول الأمر ثم كفروا حين عُرضت عليهم الولاية، حيث قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، ثم آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين عليه السلام حيث قالوا له: «بأمر الله وأمر رسوله..»، فبايعوه، ثم كفروا حيث مضى رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يقروا بالبيعة، ثم ازدادوا كفرا بأخذهم من بايعوه بالبيعة لهم، فهؤلاء لم يبق فيهم من الإيمان شيء».

وأورد مؤرخهم ومترجم أعلامهم الكشي في رجاله: «عن محمد بن عبد الحميد، عن أبي جميلة، عن الحارث بن المغيرة، عن الورد بن زيد، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: جعلني الله فداك قدِمَ الكميتُ. فقال: أدخله. فسأله الكميت عن الشيخين ؟ فقال له أبو جعفر عليه السلام: ما أهريق دم ولا حكم بحكم غير موافق لحكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وآله وحكم علي عليه السلام إلا وهو في أعناقهما. فقال الكميت: الله أكبر الله أكبر.. حسبي حسبي».

وأما أقوالهم في حق ابنتيهما أمي المؤمنين الطاهرتين عائشة وحفصة، فقد تراوحت بين الكفر وارتكاب الفواحش والتآمر لاغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنكتفي منها بما أورده مرجعهم في التفسير، محمد بن مسعود العياشي، حيث أسند في تفسيره (ج: 1، ص: 408): «إلى أبي عبد الله جعفر الصادق قال: تدرون مات النبي صلى الله عليه وآله أو قُتل؟ إن الله يقول: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ [آل عمران: 144]، فسُمَّ قبل الموت، إنهما سقتاه قبل الموت؛ فقلنا: إنهما وأبويهما شر مَن خلق الله».

وخلاصة القول هي أن أكبر حسنة لدى الطائفة الشيعية هي دعواها لحب آل البيت الطاهرين، وأن منشأ خلافها مع السنة هو تعبدُها لله جل وعلا بالحكم بالردة والكفر والنفاق في حق أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، وعائشة المبرأة، وحفصة الصوامة القوامة.. وغيرهم من كبار الصحابة وجماهيرهم.. وتشيعُهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته بالبراءة من كل هؤلاء وسبهم ولعنهم في كل كتاب وقناة وموقع وحين وملإ.

وأعتقد أن من يتباهى على الشناقطة بحب آل البيت فإنما هو «كحامل التمر إلى هجر»، وأن من يتهمهم بالتقصير في حق عترة قدوتهم وشفيعهم المصطفى صلى الله عليه وسلم إنما يَلمِزهم في أصل عقيدتهم السُّنِّية الصافية، وأن من يحمل إليهم بُغض الخلفاء الراشدين الثلاثة، وأمهات المؤمنين، والعشرة المبشرين.. وغيرهم من كبار صحابته صلى الله عليه وسلم وأقرب مقربيه وأخلص مؤازريه رضوان الله عليهم أجمعين، فلن يستقبلوه بالزغاريد والورود، لأنه طعنهم في أصل عقيدتهم السُّنِّية الصافية كذلك.

وباختصار فإن قلوب الشناقطة رغم فرط حبها لآل البيت الطاهرين، وتعظيمها لذرياتهم وذريات ذرياتهم إلى اليوم، لم تُقصِّر يوما من الأيام في حُبِّ أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة.. ولم تر في ذلك تناقضا، ولم تجد فيه تعارضا.. فهل ينجح دعاة التشيع اليوم في تضييق قلوب الشناقطة ؟ بحملهم على إعلان البراءة من الخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين، والعشرة المبشرين ؟!

 

مقاطع ملحقة:

أستغفر الله العظيم وأتوب إليه ختما ومبتدأ من نقل تلك النقول ومشاهدة هذه المقاطع وسماعها، ومن عرضها على أبصاركم ومسامعكم، واعذروني فإنما أقدمها بناء على ضرورة معرفة حقيقة هذا الضيف الوافد علينا من بعيد، حتى يكون استقبالنا له على قدر مقامه ومكانته، وفق ما يروج به لنفسه، لا ما يشوهه به أعداؤه ولو تسموا بأهل السنة.

وسأبدأ هذه المقاطع بتقديم ألفاظ الشهادة التي يجب على من رغب في اعتناق التشيع أن ينطقها ويعتقدها، خاصة إذا كان سبق أن اعتنق مذهب أهل السنة والجماعة في نسخته المالكية المغربية، فشاهدوا بأنفسكم وألجموا عوطفكم واكبتوها كما كبتها حتى تشاهدوا المقطعين الآخرين، اللذين يتعلقان ببعض الشعائر العملية التي ستتوجب عليكم ممارستها بعد النطق بشهادات التشيع.

وقد حرصت على قصر المقاطع، فلا يتجاوز مجموعها 10 دقائق.

المقطع الأول: للداعية الشيعي الكويتي الشهير ياسر الحبيب وهو يلقن متصلا عبر الهاتف من المغرب شهادات التشيع، (ومدته أربع دقائق ونصف):

http://www.youtube.com/watch?v=7vTdepzR55o

المقطع الثاني: من احتفالات الشيعة بوفاة أم المؤمنين الطاهرة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما وأرضاهما، (ومدته دقيقتان ونصف):

http://www.youtube.com/watch?v=JG01TuSpFFI

المقطع الثالث: من احتفالات الشيعة بوفاة أم المؤمنين الصوامة القوامة حفصة بنت عمر الفاروق، رضي الله عنهما وأرضاهما، (ومدته ثلاث دقائق):

http://www.youtube.com/watch?v=9rM74CLyGeI

 

 محمد سالم بن دودو عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

12. يناير 2014 - 10:19

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا