بسم الله الرحمن الرحيم
" ولَاتَحَاسَدُوا، وَلَاتَنَاجَشُوا، وَلَاتَبَاغَضُوا"
"ولات" كما يلفظ (محليا) اسمها ويشتق من صميم لغة القرآن والحديث هي المدينة التاريخية التي تتجه إليها الأنظار هذه الأيام ويتباري الوزراء والكتاب في تمجيدها والإفتخار بها
وهي في الحقيقة دليل علي عجز أنظمة الحكم في موريتانيا وتخلفها. كانت هذه المدينة النائية في سالف الأيام منارة علم ودعوة وحضارة لكنها اليوم مدينة أطلال وفقر وعزلة وخراب .. ولو قدر لها أن تكون في بلد آخر لكانت جوهرة مدنه ومنطقته الحرة وعاصمته الثقافية، لكن حظها أوقعها في بلاد يحكمها الجهل بالتاريخ والفشل في السياسات والتملق للحكام...! لاتنبع أهمية مدينة ولاته من تاريخها المليء بالعطاء العلمي والإشعاع الثقافي وحسب بل إن قيمتها التاريخية أعظم من ذلك بكثير ...إن تلك القرية الصغيرة ،الهادئة والقابعة بين الرمال والجبال أسست ثقافة مدنية وأسلوب حياة متطور جسدته في سلوك أبنائها الإجتماعي والإقتصادي والعلمي وأنتجت مفاهيم خاصة (تمثل أسس بناء ثقافي ومجمعي صالح لنشأة دولة المواطنة الحديثة ).من أهمها مفهوم الإنتماء:
سكان ولاته ليسوا مجتمعا قبليا تنعزل فيه الأسرة تبعا لإنتمائها القبلي إنه نسيج اجتماعي مترابط عضويا توحده ثقافة ولاتية وتطبعه قيم "الولاتي" بطابع مميز.
والولاتي هو الشخص الذي ينتمي بسلوكه وعاداته وأخلاقه وعلمه وتميزه لذلك المفهوم وغير الولاتي في مفهوم أهل ولاته هو "الرحالي"أو البدوي ..
إن الثقافة الولاتية جامعة لعناصر الحياة كلها (اللباس والطعام والشراب والتعلم والتجارة والعمل ووو) ...
ومنذ الإستقلال واجهت تلك الثقافة الولاتية صعوبات كبيرة في التكيف مع نظام دولة الفوضي وطغيان حياة "الرحالة" البدو علي السلوك الإجتماعي والرسمي ...
ومع الإنقلاب الأول تلاشت فرص المدينة في النهوض بعد أن عدت مقاطعة ضمن ولاية الحوض الشرقي ونالت من البنية التحتية نصيبا محدودا (مباني إدارية قليلة )
توارت المدينة التاريخية بعيدا في عزلتها وغادرها الأبناء والأحفاد ومنهم من لم يعد إليها بعد وأصبحت قرية صغيرة نائية ومتوحشة لايسكنها سوي قليل من الفقراء وعناصر من الجيش وبعض الموظفين و الإداريين وجميعهم يشكون من صعوبة العيش والفراغ والغلاء وانعدام أبسط المقومات ...
زارها رئيس الأغنياء ومن بعده رئيس الفقراء والقادة المنقلبون علي الحكم والمرشحون للرآسة وشاهدوا جميعا واقعها ووعورة طريقها ومحدودية وسائل العيش لدي الصامدين فيها واطلعوا علي كنوزها وثقافتها وتاريخها وموقعها ومناظر أرضها الخلابة ولكنهم عادوا كما جاءوا أول مرة ولم يحركوا ساكنا ...
واليوم يطل عليها الوزراء مدججين بالشعارات والخطابات والأهازيج والأغاني والألعاب ويستقبلون فيها قائدهم ورئيسهم وكل شيء بالنسبة لهم ..ويتجدد حديثهم عن التنمية والإزدهار والبناء ووو.....
لكن ولاته تقول لهؤلاء ولرئيسهم:
إن من يهدر الأموال ليشيد مدنا جديدة في
انبيكت لحواش وترمس والشامي لا يدرك قيمة ولاته ولاتيشيت ولاوادان ولا النعمة ولعيون وكيف وكيهيدي ....... إن من يجمع التبرعات بالملايين للعب كرة القدم (علي أهمية ذلك)ويعجز عن بناء حجرة للدراسة في ولاته أو مضخة للمياه أو سرير لمريض أو ورشة للعمل أو أو ليس لديه ما يقوله لأهل ولاته ....
الحاج ولد المصطفي: [email protected]