الرحمة المهداة / سيد ولد محمد الامين

سيد ولد محمد الامين"إن شانئك هو الأبتر" صدق الله العظيم | الكوثر: 3

الإسلام دين المستضعفين والمهمشين.

هذه ليست دعوى عصية على الإثبات، فيمكن أن ندرك ذلك بسهولة ذلك من خلال ملمحين اثنين:

أولاـ ملمح نظري:

في الإسلام تحذير واضح من الظلم، ونقصد هنا ظلم الناس لبعضهم البعض.

والظلم بين البشر يتجسد في التعدي على حقوق الغير واحتقار شأنهم واستنقاصهم.. إلخ.

يقول تعالي: (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) الشورى: 40

ويقول تعالى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ ) الشورى: 42

"يا عبادي لقد حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرما بينكم فلا تظالموا" حديث قدسي.

ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم يقول لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: "اتق دعوة المظلوم فليس بينها وبين الله حجاب" (صحيح البخاري).

ويقول عليه أفضل الصلاة والسلام: "إن الله ليُمْلي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته.. ثم قرأ قوله تعالى: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة لنفسها إن أخذه أليم شديد" (متفق عليه).

ويقول صلى الله عليه وسلم: "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده" (الترمذي).

ويقول أيضا عليه الصلاة والسلام: " اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة" صحيح الجامع.

ويقول صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يحقره" متفق عليه.

أولا تكفي هذه الآيات والأحاديث لتأكد أن الإسلام يضع في يد المستضعفين والمظلومين "حصانة" في مواجهة الظالمين، وعموم خطابها أن من على من يؤمن بهذا الدين أن يعلم أن الله لا يحب الظلم فلا يأتيه وهو العدل جل وعلا، ويتوعد الظالمين بعذاب أليم، ولا يقتصر الأمر على هذا فالإسلام يمكن المظلوم من سلاح فعال "الدعاء المستجاب".

وفوق كل ذلك فجوهر المسلم في تعريف الدين له هو الذي "لا يظلم ولا يحقر".. هكذا إذن.

............................................................................

فإن قال قائل إنما هذا "الإسلام اليوتوبيا"!!

لم توجد هذه القيم يوما وإنما اتخذت ممارساتها طريقا يزْوَرُ عنها، وخصوصا في العهد النبوي.

حسنا.. لنمرإلى الملمح التطبيقي.

ثانيا ـ الملمح التطبيقي:

خلال العهد النبوي ضرب الرسول الأعظم أبلغ مثل على الانسجام مع دعوته: الدين الإسلامي، وقد جسد مثل الإسلام السامية النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وأصحابه، فقد حرص صلى الله عليه وسلم على الابتعاد عن الظلم، ها هو في موقف خالد عندما جاءه أعرابي جلف يسأله أن يعدل يجيبه برحمته المعهودة، ويبدو من الجواب الخوف من إتيان الظلم: "منيعدِلُإذالمأكنأعدلُ؟ لقد خبت وخسِرتإنلمأكنأعدِل"

أجل: "لقد خبتُ وخسرتُ إن لم أكن أعدل" يقولها بلا صلف ولا جبروت، ويثني أصحابه عن الفتك بالأعرابي الجاهل، لكنه يخشى أكثر ما يخشاه من الظلم.

ها هو يغضب وتحمر عيناه عندما تأتيه شفاعة من (حبه ابن حبه) في تطبيق حكم في سيدة من أشراف قريش ويقول: ".. إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيم الله : لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يده"

لو كان محمد صلى الله عليه محابيا لأقربائه لما أخبر انه لن يتردد في قطع يد فاطمة بنت محمد ابنته وأحب خلق الله إليه لو أنها سرقت.

ولو كان محابيا لأحد من أقربائه لما قال لعشيرته من بني هاشم: " يا بني هاشم , لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم " رواه أحمد والترمذي.

ولو كان مميزا لأقاربه لحابى عمه أبا طالب الذي كفله يتيما ورباه وحماه ومنعه من أذى قريش بعد صدعه بدعوته، فها هو يقول له وهو على فراش الموت "أي عمن قل لا إله إلا الله. كلمةً أحاجُ لك بها عند الله"

وعندما وضعت زينب ابنته حبلا في المسجد لتتعلق به إذا تعبت فأمر بإزالته.

"دخل النبيّ عليه الصلاة والسلام المسجد , فإذا حبل ممدود بين ساريتين بالمسجد فقال : ما هذا الحبل ؟ قالو : حبل لزينب , فإذا فترت تعلقت به , فقال عليه الصلاة والسلام : حُلّوه , ليصلّ أحدكم نشاطه فإذا فتر فليرقد "رواه البخاري .

ألم يردد طيلة حياته: "من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه"؟

أوليس محمد بن عبد الله نبي الإسلام محرر العبيد: بلال وزيد وصهيب وعمار وخبيب...؟

ألم يقوض البنية الاجتماعية التمييزية السائدة ليعتلي هؤلاء المستضعفون أعلى مراتب الرقي الاجتماعي؟

من أول من يستشهد في هذا الدين؟

كانت سيدة، وكانت مستعبدة: سمية.

هذه شهادة للطيب المطيب (لقب لم يجده إلا في الإسلام)عمار بن ياسر: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم  وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر."

خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر!!

وعلى فكرة فعمار هو الذي تكلم كلاما مع خالد بن الوليد فبلغ ذلك النبي محمدا صلى الله عليه وسلم فقال: "يا خالد مالك ولعمار رجل من أهل الجنة قد شهد بدرا" فهل انحاز النبي الأعظم للقرشي المخزومي (ابن عمه خالد) ضد مولى لبني مخزوم (عمار)؟!!

هذا الدين وتعاليمه هي التي قادت عمر وهو مطعون في آخر لحظات حياته الخالدة: " لو كان سالم حيا لوليته من بعدي" فمن هو سالم هذا؟

إنه رقيق فارسي من اصطخر، لكن الإسلام رفعه حتى صار مرشحا لخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

.........................................................

ألم يتزوج صلى الله عليه وسلم من أم المؤمنين: صفية بنت حيي بن أخطب، من هو حيي بن أخطب؟

أحد ألد أعداء الإسلام ومدبر المؤامرات عليه وهو من بني النضير.

وفي قصة زواجه بها لم تغب الرحمة المحمدية، ذلك أن بلالا رضي الله عنه مر بها هي وأختها على قتلى بني قريظة فأخذت تلطم وتصك، فلما بلغت مجلس نبي الرحمة قال لبلال معاتبا: "أنزعت منك الرحمة يا بلال حتى تمر بامرأتين على قتلى رجالهما؟"

...................................

إن محاكمة واقع بداية ظهور الإسلام ـ مع تأثير تراكمات ظلامية وجاهلية العصور التي قبله ـ بمعايير البشرية اليوم من أسفه وأقل الأطروحات حكمة، فقواعد التعامل تقارن في مجالات زمنية متقاربة، فأين قواعد الحرب التي أرساها الرسول صلى الله عليه وسلم من فوضى التدمير والسحق البشري في الحروب التي سبقت الإسلام؟

أما مقارنتها بقواعد الحروب اليوم، وقد استفادت البشرية من الثورة التي أحدثها الإسلام في هذا المجال وطورتها شكلا لا مضمونا وتحررت أكثر من الأنساق والنظم المتوارثة فيها فهي مقارنة ظالمة.

.......................................................

في الأخير آمل أن ندرك جميعا أن الإسلام دين الرحمة والتسامح، فالمسلم لا يكره غير المسلم لذاته وإنما يكره أفعاله، والإسلام كذلك دين العدل والمساواة بامتياز، وحاشاه ونبيه من التهم التي تلصق به.

ولكن في المقابل فهو دين العقل والحكمة لا دين العاطفة والغضب، ولو كان كذلك لما قتل أبو عبيدة بن الجراح والده في ساحة بدر، ولما كان أبوبكر حريصا على قتل ابنه الكافر حينئذ عبد الرحمن.

ديننا دين الاختلاف، فالاختلاف رحمة.

ومن هنا فإنني أدعو إلى تحصن الشباب الموريتاني بالحجة للذب عن دينهم، لا الاختباء وراء العواطف المتقدة الخاوية، ولا يعني هذا بأي حال من الأحوال الدعوة إلى عم الانزعاج من أذية نبينا وحبيبنا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وسلم..

إن مقارعة فكر وحجج المشككين في الإسلام يمر عبر تقوية الدفاعات الفكرية لمعتنقي الإسلام وتعزيز قناعاتهم به، لا عبر الارتهان في محبس الاحتشاد الطائفي، لا بالضغط والزجر، بل بأسلوب الدعوة الصحيح للإسلام: الحكمة والموعظة الحسنة وقوة البرهان العقلي الذي نلمسه في القرآن وهو يقارع أخبث وأقذر الأفكار المتشككة (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم..) (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة..) (وقالت اليهود يد الله مغلولة..) فلم يمتنع القرآن عن ذكر هذه الأفكار الخبيثة ليعلمنا أن نواجه المواقف الإلحادية بعقلانية لا بعاطفية فكان الجواب على التوالي (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام) (وما من إله إلا إله واحد) (بل يداه مبسوطتان)

وعلى هذا فلا موجب لإرهاب مجموعة من الشباب دعوا إلى مقارعة الإساءات والتشكيك في الإسلام بالإقناع لا بالتجاهل والتغلف في لبوس العاطفة، إلا أن يراد بذلك مآرب أخرى.

اللهم صل وسلم على النبي الرحمة المهداة.

سيد ولد محمد الامين:

فجر المولد النبوي الشريف

14 يناير 2013

14. يناير 2014 - 15:31

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا