إن المتتبع للأحداث المتلاحقة للمشهد السياسى والاجتماعى في المجتمع الموريتاني يراها تنطلق بسرعة فائقة تتخطى سرعة التكنولوجيا التي نعيش حاليا وذلك من وجهة نظري يرجع إلي خلل بنيوى تأسس عليه المجتمع في فوضوية تامة وغياب للسلطة المركزية و كانت الحياة للأقوى و الضعيف لا يعيش
إلا إذا سلبت ارادته و انتهكت حرماته و لفهم هذه الظاهرة يتطلب منا ذلك أن نعرف القبيلة و مكوناتها و هي عبارة عن تجمع سكاني يحمل الاسم فيه والقيادة البعض وغالبا ما يكون من نسب واحد و أما الاخرون فينتمون الي فئات اخري شكلوا مجتمعين ما يسمي بالقبيلة , وأما هذه الفئات فغالبا ما تتكون حسب التراتبية القبلية من : الاشراف الذين يجلهم الجميع لانتسابهم الي رسول الله صلي الله عليه وسلم , رغم تحفظ بعض المؤرخين علي نسب بعضهم و اعتبروه نوع من الحماية لأنفسهم في أرض السيبة لمكانة رسول الله صلي الله عليه وسلم في قلوب الناس فيأتي بعد ذلك المهاجرون وهم صنفان , مهاجر معروف النسب فيأخذ مكانته في المجتمع مباشرة و آخر غير معروف يقول عنه المثل الحساني (خليه يكبظ صاحبه) أي دعوه يأخذ صاحبه وغالبا ما يطلق عليه (أزناكي أو اللحمي)يأتي بعد ذلك العبيد – لمعلمين- ايجاون .....إلخ , إذا تتكون القبيلة من ست مكونات( أزواية – لعرب – أزناك – العبيد – لمعلمين – إيجاون )
[[ اللهم إني أبــــرأ إليك من هذه التسميات ولو كان المقام لا يتطلبها لما ذكرتها و عزائي في ذلك ما قاله سعــيد بن جبير رضي الله عنه للحجاج عندما سأله عن الخلاف الذي دار بين علي و معاوية رضي الله عنهما فقال له : تلك دماء طهر الله منها ايدينا فل نطهر منها ألسنتنا.]]
جاءت الدولة الحديثة فوجدت نفسها أمام أمر واقع تعاملت معه بالنصوص القانونية والأوامر الادارية للقضاء علي هذه الفوارق الاجتماعية إلا أن عدم احتياج الناس لخدمات الدولة رغم ضئالتها في العقدين الاولين وإنهاك موارد الدولة في حرب الصحراء وبفساد الحكام العسكريين الذين انهكوا اقتصاد الدولة منذ ما يزيد علي ثلاثة عقود علاوة علي الجفاف الذي ضرب البلاد في الثمانينيات الذي ساوي بين شرائح المجتمع فاعتبرتها الثلة العسكرية الحاكمة (والتي تتكون للأمانة من جميع فئات المجتمع ) فرصتها للغنيمة لجمع المال بسياسة التسول تارة بالجفاف و أخري بأحياء الصفيح , وبدؤوا يجذرون الفئوية لإحلالها محل القبيلية لخلق زعامات جديدة بحجة عدم المساواة وانتهاك حقوق الانسان مطالبين ما يسمي بالتمييز الايجابي و المحاصصة الوظيفية التي تحمل في طياتها ان تتخلي فئتا الزوايا ولعرب عن المشهد السياسي ليستأثر به المهمشون السابقون ليشفوا غليلهم ممن يدعون أن اجدادهم كانوا السبب في تهميشهم بعد ذلك نرجع للمحاصصة او لا نرجع غير مهم وهذا لعمري تفكير صاحبه مريض لا يريد الخير لنفسه و لا لغيره و لا لدولة المواطنة التي ننشدها جميعا, فالشرع والقانون واضحين في ذلك بأن لا يؤخذ شخص بجرم آخر قال الله تعالي:"لاتزر وازرة وزر أخري‘‘ صدق الله العظيم .
لكن التساؤلات التي تطرح نفسها ألا يوجد في القوم رجال رشداء يغتنمون سماحة الاسلام وطيبة الشعب و الترسانة القانونية وبراءة المتهمين لتوفير جو ملائم للتسامح مع الذات أولا و مع الاخر ثانيا ؟ أم انـــــه البحث عن الشهــرة من باب بـــول الاعرابي؟أم انها سياسة محكمة لسلطة العسكر مع بعض ضعفاء النفوس من هذه الشرائح المهمشة لإنقاذ العسكر كلما ضاقت عليهم الارض بما رحبت , ففي موجة الربيع العربي و استشعار السلطة بالخطر دبرت مسرحية جريمة حرق الكتب الفقهية واحرزت بذلك سبقا اعلاميا لإعلامها , و اوعزت الي ولاتها وحكامها بتسيير مظاهرات في طول البلاد و عرضها وخروج رأس السلطة لاستقبال المتظاهرين وإيهامهم بأنه حامي البلاد والدين توج ذلك بعد فترة بالإفراج عن الجاني دون محاكمة وتكريمه بلقاء خاص مطول مع الرئيس بمناسبة مرور سنة علي ارتكابه جرمه وتركه يصول ويجول في البلاد وخارجها باسم حركة عنصرية شوفينية غير مرخصة , وإطلاق العنان له بسب العلماء و الاستهزاء بمصنفاتهم , أما الضائقة الثانية فكانت عندما خرج حزب الدولة يجر وراءه أذيال الهزيمة والعار من الانتخابات البلدية والتشريعية الاخيرة بعدما استخدم فيها اسلوب الترهيب والترغيب و المال العام والخاص و رشح فيها وزراء و سفراء وفرغ البعض الاخر للحملة فمنهم من رجع بخفي حنين و الاخر بنتيجة هزيلة , بعد هذا كله يطل علينا حدث آخر بوخزة اشد قوة انستنا ما قبلها وهي تطاول أحد أفراد شريحة أخري علي مقام خير البشرية صلي الله عليه وسلم.
الي متي سنظل مفعول بنا ؟ اما حان لنا أن نستفيق من سباتنا لنعي ما يحاك ضدنا ونستشعر بنعمة الايمان والتنوع الثقافي والتعايش السلمي الذين من الله بهم علينا؟أما حان لنا أن نعرف أن الاسلام هو الحل و أنه الضامن لوحدتنا وانه هو الذي يمنحنا الحقوق و(كبر خيمة الب من عدمها).