دع جميع عقد الدنيا وتعال معي نتنسم هواء الحرية فلم يعد يطيب لي و لك المقام هنا...لم يعد لصوتنا رجع صدى ولا لأحلامنا وقع ذكرى....كل شيء ضاع في ليلة واحدة...قتلونا يوم حددوا آفاقنا بإطارات سياراتهم الفارهة وعقولهم المصنوعة من الإسمنت المسلح...يوم سمحوا للسجان بممارسة دور
الزاهد الصوفي...يوم أجلسوه على عرش المحبة متوجا بإكليل النفاق....دع مدينتي تسبح في خرافاتها وأمجادها السخيفة وتعال بنا في رحلة طويلة فلنا في ولاته موعد مع......صدقني لم أجد كلمة مناسبة أكثر من "التزلف"......
سيخبرك دليل الرحلة عن "أم الأعماق" وعن "تجارة الملح" وشقاء العبيد...عن زمن بيع فيه الإنسان بقطعة من كلوريد الصوديوم..يوم كنا نتقاتل على الجواري والأمجاد الغابرة...لكن الرحلة ستأخذ جميع أبعاد المدينة الزمكانية في تحد غريب لكل العصور...على أوتار آلاتهم المختلفة سيسهرون تحت القمر...سيتقاسمون لحظات جميلة من تصوفهم المادي البحت مستذكرين أمجادا لا هم من صنعوها ولا حتى من حافظوا عليها...سيحتفلون بمدينة لم يقرؤوا لعالم واحد من علمائها وقليل منهم يحفظ عن ظهر قلب بيتا مما ترنمت به في زمن غابر جارية من جواري بلاد السودان تداعب أوتارها في بيت من بيوت ولاته....و ترسم ملامحها لوحة وفاء لحب فرقت بينها وبينه يد تاجر نخاسة كافر بالصبابة..ولاته مدينة الأساطير بامتياز
مدينة التلاحم بين الثقافية الإفريقية العريقة والحضارة الأندلسية الفتية...مدينة الأولياء والكرامات..قامت للزهد بها دولة ذات يوم وزخرفت جدرانها دموع العاشقين...يوم زارها ابن بطوطة كتب عنها ما لفت انتباهه فقط لكنه في لحظة انبهاره بالشكل نسي المضمون.
صرحوا بأنهم سيقومون بنفض الغبار عن تراث مدينة منسية منذ مئات السنين...لكنهم نسوا أو تناسوا ما صلت إليه لمدينة في ذروة عطائها من ترف فكري وعلمي قل مثيلهما في التاريخ...هؤلاء الذين –في ذروة انتشائهم بالحضارة- يعزفون لحنا نشازا أو يطلقون رصاصات جوفاء تحت يافطة "الرماية التقليدية" لا يستطيعون فهم ما سطرته أنامل التاريخ على تلك الرمال المارقة...لا يستطيعون فك طلاسم الوجد في مخطوطات فطاحله العلماء العشاق...يمكنهم تناول الثقافة لكن التناول في حد ذاته ليس استهلاكا بالضرورة.
بعبادها وزهادها،بمتصوفتها ومريديهم سطرت المدينة في تاريخ الوصل سطورا عميقة لا يمكن اختزالها في تاريخ مادي مكتوب كان او شفهي...
تحكي الأسطورة أن سيد احمد البكاي بودمعة عندما جاء من الشمال نازحا مع مريديه، نزلت قافلته خارج سور ولاته مساء، وكان السور يغلق عند مغيب الشمس وكل من كان موجودا خارجه تأكله السباع، وبدافع النصيحة أسرع الأهالي لتنبيه الولي ومريديه لكنه رفض مبارحة مكانه، وجاءت السباع، وظلت تبصبص عند قدميه بأذنابها مسلمة عليه، ولدهشة أهالي ولاته في الصباح عندما وجدوه حياً، طلبوا منه الإقامة معهم، وعندها انتفت السباع نهائيا من المنطقة..
ربما بقدوم زاهد نواكشوط الرباني تنجلي الكرب عن عاصمة القوافل وتستبدل رمضائها بجنات خلد من بركات الزائر ومريديه...مريدي "الثقافة الحلقية" حينها سيقبل سكان المدينة على الوافد الجديد يقبلون الأيادي ويطلبون منه المكوث معهم للانتفاع ببركاته ...يومها تكون المدينة قد قدمت جميلا هي في الحقيقة أهل لتقديمه وسنكون من الشاكرين.
أحمد طالب ولد الطالب خيار