بيرام والقضية وصناعة الأعداء / محمد عيسى بن المختار

في يوم 30-11-2013 أجرت قناة الساحل الموريتانية مقابلة مع السيد بيرام ولد اعبيدي الناشط الحقوقي تناولت مختلف الموضوعات كالجائزة التي استلمها أخيرا في الأمم المتحدة وكذلك وضعية إيرا وانتماء لحراطين والسلطة والمعارضة والدعاة والشجاعة والتضحية والتهديد، إلخ.

وقبل الدخول إلى محتوى المقابلة لأني أحيي كل جهد صادق لمحو آثار شريحة هامة ألا وهي شريحة لحراطين الوطنية والتي اعتبرها من أهم مكونات الوطن الموريتاني ومن أهم دعائم وجوده لما لها من خصوصيات طيبة مع الاعتراف بالحيف التاريخي.  الطي وقع لها ولغيرها من المظلومين وهنا أحيي الرعيل الأول من المناضلين ذوي التراث النضالي الحق وعلى رأسهم الرئيس مسعود ولد بلخير، راجيا أن يحفظ الله هذا التراث من السرقة والالتفاف عليه.

فعلى الرغم من أن الصحفي في البرنامج التلفزيوني الذي قابل الحقوقي بيرام لم يستطع إدارة الحوار بما يضمن توضيح المسائل المطروحة فأن السيد بيرام قد أوضح بما لا يدع مجالا للشك عداءه للوحدة الوطنية وحقده وعنصريته إلى حد المرض وهذا ما سنبينه في هذه السطور.

الجائزة  ..

فحول السؤال عن الجائزة التي حصل عليها ذكر بيرام إن هذه الجائزة تعطي كل عشر سنوات للمنظمات والشخصيات ذات الأداء الجيد في خدمة ترقية حقوق الإنسان عن طريق النضال السلمي البعيد عن العنف والتمييز وهنا لابد من ملاحظة أن بيرام لم يتبين من حقوق الإنسان إلى قضية العبودية في مجتمع البيظان، فأين حقوق العبيد في المجتمعات الأخرى؟ وأين حقوق المرأة وأين حقوق العمال وأين ازناكه ولمعلمين؟ وأين مساعدات المرضى والتدخل في الحالات الإنسانية؟.

غن ظاهرة الرق بالرغم من بشاعتها توجد في جميع القوميات الموريتانية خاصة منطقة الضفة حيث توجد قرى مقسمة على أساس الأحرار والعبيد، حيث يسود التمييز في المساجد والمقابر وغيرها، وفي المجتمع السنوكي ـ خاصة ـ لم يسبق لبيرام أن ساهم في تغيير وضعيته ولا البحث عن حلول، مما يطرح التساؤل عن جدية منهج الرجل ونزاهته؟.

وأما سلمية نضال حركة إيرا فمسألة فيها نظر فإن تنظير هذه الحركة والأفكار التي تتداولها بالإضافة إلى تربية عناصرها لا توحي بالسلمية ولا المسالمة، وإنما تدل على استعداد متواصل وتأهب لممارسة العنف العنصري متى سمحت الظروف بذلك.

انتماء لحراطين ..

لقد تكلم بيرام عن انتماء لحراطين و وقف عند كلمة السودان والبيظان، ولم يخرج بنتيجة منطقية تثبت أن لحراطين قومية خاصة بذاتها وفي هذا لسنا بصدد تحديد معنى القومية والتي تعتبر اللغة والانتماء الثقافي والحضاري أهم مكوناتها أن لحراطين جزء لا يتجزء مما يسمى شعب البيظان الناطق باللهجة الحسانية أو إن شئت فقل: إن البيظان جزء من الحراطين وإن تداخلا حضاريا وعرقيا واجتماعيا وثقافيا شديدا يوحد هذه المجموعة، وبهذا المفهوم فلا عبرة بلون البشرة والإنتماء لأصول بعيدة، فأصول البيظان متعددة منها ما هو بربري وعربي وزنجي وحتى رومي من بقايا شعوب هذه المنطقة القديمة ـ وتلك سمة من سمات الثقافة العربية والإسلامية أنظر إلى السوريين والعراقيين وشمال إفريقيا والسودان تجد أنك تغالط التاريخ وتجهل حقيقة التشكل التاريخي للشعوب.   

بيرام والسودان والبيظان ..

لقد وقف السيد بيرام كثيرا عند كلمة السودان والبيظان ، باعتبارها إنتاجا عنصريا (أنتجتموه) مخاطبا الصحفي لأنه أبيض، ولا أشك أن بيرام يعرف مصدر هذه التسمية ودلالاتها التاريخية والبعيدة كل البعد عن مفهوم العبودية فقد استخدمها الجاحظ في كتاباته كما استخدمها الأوروبيون دلالة على بعض أقاليم إفريقيا الغربية خاصة مالي ناهيك أنها اليوم تطلق على من أعرق الدول الإسلامية وأعزها وأشرفها هي الجمهورية السودان الديمقراطية، وهنا لابد من تحديد مفهوم السودان والبحث في سبب استدام بيرام له، وتحميله دلالات على العبودية، فهل تعتبر القبائل والشخصيات ذات البشرة السمراء عبيدا ؟ ضف إلى ذلك بيرام إن أشرف وأعز الموريتانيين من القبائل ذوي البشرة السمراء فانظر إلى قبائل الشوكة كذلك في أولاد بنيوك وأولاد عايد وزمبتي وأولاد لغويزي والرماظين الخظر ... وكذلك أهم الشخصيات مثل الشيخ حماه الله بن سيدنا عمر، وعبد الله بن الشيخ سيديا والأمير عبد الرحمن بن سويد أحمد .. إلخ.

إن توظيف هذا المفهوم جاء في غير محله وأقل ما يقال عنه إنه انفعال خارج عن اللاوعي وحجة على صاحبه لا له.

بيرام والسلطة والمعارضة...

لقد تكلم بيرام عن السلطة باعتبارها متجبرة ظالمة .. إلى غير ذلك من النعوت البذيئة ، ثم عرج على المعارضة وصب عليها جام غضبه ولم يستند في هذا النقد إلى أية حجة موضوعية، وإنما ربط دله بوقف الشعب الموريتاني من محرقة الكتب، فلقد كان من الجدير ببرام كمناضل حقوقي أن يبني مواقف عن السلطة والمعارضة على أساس موضوعي يتعلق بأدائها ومواقفها الوطنية ومن ثم كان بإمكانه إدراج موقفها منه في محنته تلك، بيد أن بيرام هاجم هذه الأطراف وسبها عقابا لها على موقفها منه شخصيا مما يدل إلى تناوله للقضية من زاوية ذاتية انفعالية ليست في صالح القضية، كما أنها نابعة من أنانيته المفرطة، فقد وصف السلطة بالظالمة والمارقة و وصف المعارضة بالنفاق والإفك والارتزاق، كما ركز هجومه على بعض الزعماء ممن سماهم :عبيد البيظان" ومعروف من يشير إليهم بيرام بهذه التسمية، وهم نخبة شرفاء من شريحة لحراطين، ناضلوا في ظروف صعبة لم تكن فيها وسائل التواصل الاجتماعي موجودة ولم تكن الديمقراطية في نسختها الحالية قد حققت وجودا، وإنما كان العالم مقسما إلى الليبرالية الغربية ودكتاتورية لبروليتاريا، وغيرها من الأحكام البدائية، إن هذه النخبة من الوطنيين لا يمكن أن ينسى دورها ولا يطمسه تشنج لبعض من تجار الجوائز والصفقات، فالرئيس مسعود وبيجل ومحمد بن الحيمر وعاشور ولد صمبه وبلال ولد ورزك .. وغيرهم هم من ساهموا في الماضي في إزاحة الستار ورفع المعاناة عن جزء كبير من  أبناء شعبنا كما لا يغيب عن الأذهان أن هؤلاء المناضلين قد تربوا في أحضان الحركة الوطنية الموريتانية من قوميين ويساريين وإسلاميين.

والغريب إن هذا "الحقوقي" لم يتطرق إلى قضية تاريخ عبيد سرقلات، وإنما محور نظره حول أبناء جلدته خاصة من يعتبرهم منافسين له في قواعده الشعبية، بما فيهم من أخرجوه من السجن بعد انهيارات ومعاناة معروفة .

وبعد كل هذا عرج السيد بيرام على الداعية محمد بن سيدي يحيى في تشنج حاقد وبعبارات وانفعالات أقل ما يقال عن صاحبها إنه مريض، فما شأن الداعية الواعظ ومربي المجتمع ومهندس وحدته بهذا الموضوع؟ وما سبب الزج به في أتون هذا الانفعال وفي جملة المشتومين؟

ومن الغريب أن بيرام ولد الداه ينفجر غيظا وانفعالا ناسفا جميع مكونات المجتمع والدولة فإن يقول دائما إن القضية "كذا" في المحاكم وأنهم سيلجؤون إلى السلطات في كذا وكذا .. يا ترى ما هذا التخبط وهذا التناقض والهذيان؟

بيرام والشجاعة والتهديد ..

لقد لوح بيرام مرات عديدة بأن في إمكانه تفجير موجات عنف وممارسته متى شاء وإنه أثناء اعتقاله وفي زنزانته حال دون نشوب أحداث دامية كانت ستقع وأن خروجه أو تصفيته مستقبلا ستفتح الباب أمام أحداث مؤسفة كما عبر عنها وإنه زار المكان كذا ودخل تجكجة ضحوة ... .. نعم لقد زار بيرام تجكجة بعد المبيت خارجها، وبعد أن أخلت السلطات الساحات من المحتجين والذين كانوا في أغلبهم من شريحة لحراطين، ومن المستبعد أن يعود بيرام إلى هنالك، ورغم هذه الزيارة التي حمته فيها السلطات وتوفر له الأمن فإنه لم يستطع زيارة أماكن أخرى متفرقة في موريتانيا، حيث تحداه البعض في زيارتها ويعرف بيرام جيدا تلك الأماكن ولا أعتقد أن بمقدوره زيارتها.

أما هذه التهديدات فقد سبقك إليها آخرون وكانوا يهددون ويخططون للقضاء على مكونة أساسية من الشعب الموريتاني وكانت إسرائيل وراء ذلك، ولكن حين أزفت ساعة المواجهة انقلب السحر على أصحابه ولم يحصدوا إلا الحسرة والندم وفي مرحلة لاحقة تم تسليم ملف أولائك إلى السلطات الموريتانية، وتم كشف جميع الخطوات والتمويلات والتي لم تخفى على أحد.

إن الذين يستضعفون الوحدة الوطنية ويعتبرونها عبوة ناسفة يتحكم فيها عن بعدا واهمون، لقد جرب الأعداء ذلك كما جربه الأصدقاء ولم يحصدوا إلا الحسرة والندم، فحينما يهب الشعب الموريتاني للدفاع عن نفسه و وحدته، فسيلقى خبيرا بفنون الدفاع ومسالك هذه الأرض العصية على التطويع كما أن أولائك الذين يظنون أن أراجيف البعض ونزق البعض وطيشه ستكون خطوة أولى على سكة الانتقام من أناس ليسوا هم أصحاب الظلم بل يعزى الظلم للتاريخ فإنهم واهمون.

وفي الختام أدعوا جميع الحقوقيين وخاصة أعضاء جماعة إيرا إلى الابتعاد من اللعب بالنار وتمزيق الوحدة الوطنية والنضال السلمي وتقديم الحجة السلوكية للمواطن الموريتاني الذي بدأ يشك في نوايا البعض خاصة أن التشنج والعنف لا يخدم أحدا وإنما تنبغي الدعوة إلى الأخوة والمساواة المطلقة وتكافؤ الفرص في وطن تسع مساحته وموارده وتنوعه الجميع وطن الموريتانيين من بيظان بيضا وسودا وزنوجا.

 

محمد عيسى بن المختار

باحث في القضايا الاجتماعية

 

16. يناير 2014 - 16:51

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا