نحن في الهوى سواء
تحكي الأسطورة الشعبية أن سبب اختلاف أشكال رؤوس الحيوانات هو أنه كان في نشأة الكون يوم لتقسيم الرؤوس على الحيوانات فمن حضر الأول كان له الخيار الواسع في الرأس الجميل والجذاب الذي يريد والذي يليه في الحضور يختار من المتبقي من الرؤوس ثم كذلك حتى انتهت العملية بآخر
الحاضرين وهو السيد "بجعران" الذي لم يتبق له من الرؤوس إلا نوع رأسه أما العقرب التي استيقظت متأخرة فقد كانت آخر القادمين إلى مكان "تقسام الروص" وقد التقت في الطريق إليه السيد "بجعران" الذي أخذ لتوه رأسه الغريب فسألته العقرب عن نوعية الرؤوس المتبقية لدى لجنة التقسيم فأجاب أن الحيوانات التي أتت مبكرا استنفدت النوعيات الجميلة والجذابة من الرؤوس ولم يعد هناك من خيارات سوى هذه النوعية القبيحة من الرؤوس التي اخذت, السيدة العقرب قالت كلمتها المشهورة "ذا النوع من الروص!.. الناقصه" وفضلت أن تبقى بدون رأس.
ذلك اليوم كان حاسما و تاريخيا في حياة الحيوانات فكل منها حصل على رأس حسب أسبقيته في ذلك اليوم ولم يعد بإمكانه تغييره وأصبحت ذريته بطريقة أبدية كذلك.
هل هذه الاسطورة مماثلة لما عرفه المجتمع الموريتاني؟!
من الطبيعي أن تتطورـ في الظروف العادية ـ المكانة الاجتماعية لأي فرد أو قبيلة أو شريحة علوا وهبوطا حسب ما حصدت من النقاط في سلم المجد وهو بالتعريف المحلي ينال بأحد هذه الطرق:
إما بالمعرفة: العلماء والشعراء والعباد"الأولياء والصالحون" والمشايخ الطرقية
أو بالسلطة والتحكم: الأمراء والقواد والشيوخ
و أحيانا بالمال: الكرماء والمنفقون ...
لكن ديناميكية التطور في التراتبية الاجتماعية في المجتمع الموريتاني (بيضا وسودا) توقفت بدخول الاستعمار(والذي كان بمثابة يوم تقسام الروص) وكأن الخارطة الشرائحية تجمدت وكانت تلك اللحظة صفر ليصنف موقع كل شريحة وقبيلة وفرد حسب ميزان "قوة" السيف أو القلم في تلك اللحظة الزمنية ولم يعد ممكنا تغييرها للموقع صعودا مهما بذلت من جهود ايجابية كما لا يمكن أن يتقهقر موقعها هبوطا مهما اقترفت من سلبيات. وكأن دخول الاستعمار هو أحد العلامات الكبرى للساعة التي لا تقبل التوبة بعدها .فحافظ المستعمر على تراتبية معينة أورثها بدرجة ما للأحكام المتعاقبة حتى الآن فلم تعد القوة تغير موقعا اجتماعيا في ظل سيطرة المستعمر واحتكاره للسلطة والقوة وكأن التراتبية الطبقية الموروثة أصبحت قضاءا و قدرا لا مناص ولا مفر منه .لكن هذه الشرائح بدأت تثور على ذلك الواقع ف"العيال كبرت" ولم تعد تقبل هذا الموروث الاستعماري ولا تقبل بتمجيداته الأزلية لفلان بدون مبرر ولا تقزيماته الأبدية لعلان بدون علة.
بدأ ذلك مبكرا مع حركة الكادحين ثم لاحقا حركة الحر و المناضلين عن مكانة الحراطين الذين كانوا سباقين إلى الاعتراف بأنهم كانوا طبقة مسحوقة انتفضت لتنال مكانتها ثم الآن حراك لمعلمين الذي يرمي إلى نفض وتفنيد الأساطير و الخرافات المنسوجة حولهم و هناك طبقات ما زالت تتحرك باستحياء وتتهرب من الاعتراف أنها ظلمت في زمن ما وتحاول التخفي والذوبان في طبقات فوقها اجتماعيا إلا أنها ربما تظهر قريبا معلنة أنها كانت "أزناكة" و"لحمة" وتطالب هي الأخرى بالاعتراف بأنها كانت مظلومة بقهر "حسان" و "شعوذة الطلبه" وتطالب بمكانتها.
ولن نتفاجأ إذا قامت طائفة باسم شريحة الزوايا(كما يحلو لهم) أو الطلبه (كما يحلو لغرمائهم) وقالت إنهم لن يتأخروا في الالتحاق بالركب وسيكسرون المسكوت عنه ويعترفون أن أموالهم كانت تنهب وكرامتهم تهان و سيطالبون بالثأر ممن كان السبب.
كذلك شريحة لعرب (كما يحلو لهم) أو حسان (كما يحلو لغرمائهم) فسيطالبون بانصافهم من الذين كانوا يغررون بهم ويشعوذونهم ويشيطنونهم باسم العلم.
الإخوة الزنوج بفئاتهم الثلاث بولار سونينكيي و ولوف ليسوا أحسن حالا فلديهم نفس التقسيمات وبدرجة أشد وطأة أحيانا وحراكهم للثورة على تراتبيتهم الشنيعة ربما يظهر قريبا مع فارق في الطور.
فمن سيثور على من إذن ؟
فنحن جميعا في الهوى سواء مع فارق في التوقيت فقط.
وفقط يجب أن نعترف أن "يوم تقسام الروص" كان كذبة و أسطورة و خرافة و أن من جد وجد ومن زرع حصد.
مع تحياتي
يتواصل