موريتانيا والمخدرات: دولة في قبضة “الكوكا”… وفضائح لا تنتهي / عالي محمد ولد أبنو

قصة بلدٍ تخترقه شبكات التهريب وتضع العدالة على المحك

منذ تسعينيات القرن الماضي، تقف موريتانيا في قلب معركة غير متكافئة ضد تهريب المخدرات. لا بسبب ضعف أجهزتها فحسب، بل لتورط بعض رموزها، ممن يفترض بهم حماية القانون، في صفقات مشبوهة جعلت من البلاد معبرًا استراتيجيًا للكوكايين نحو أوروبا.

1996: أول فضيحة كبرى… وكشف المستور

عرفت سنة 1996 أول انفجار إعلامي حقيقي لملف المخدرات، عندما تم فتح الملف المعروف بملف معلم القرآن وزعيم شبكة تهريب المخدرات "آم" ذلك الملف الذي على إثره تم اعتقال عدد من مفوضي ومفتشي وعناصر الشرطة، ولم يسلم القضاة من الاعتقال حيث أوقف وكيل الجمهورية حينها القاضي محمدن ولد عبد الرحمن الذي كان يحقق في القضية وتحول إلى متهم فيها، وليس هو وحده من تعرض لهذا السيناريو فكثير من أعضاء لجنة التحقيق تحولوا إلى متهمين؛ ورغم ضغوط الرأي العام، تم لفّ القضية بسرعة في غلاف الصمت والترضيات، في أولى دلائل تسلل “الدولة العميقة” في حماية هذه الشبكات.

2007: الكارثة… رئيس الإنتربول ضمن العصابة

شكل اعتقال سيدي أحمد ولد الطايع (رئيس مكتب الإنتربول في نواكشوط وابن شقيق الرئيس السابق معاوية) نقطة تحوّل، بعد ضبط شحنة من الكوكايين تصل إلى 600 كلغ في مطار نواذيبو. كانت الحماية الأمنية التي يوفرها المسؤول الأمني البارز جزءًا من شبكة تمتد إلى رجال الأعمال ومصدي أسماك  ووسطاء من أصحاب السوابق، على رأسهم:
 • ميني ولد السوداني
 • باركلله ولد أكريميش
 • صيدو كان

وفي أغسطس 2007، أُحبطت عملية تهريب ضخمة أخرى تضمنت 830 كلغ من الكوكايين، ما أكد أن البلاد أصبحت ممرًا إقليميًا رئيسيًا للمخدرات القادمة من أمريكا الجنوبية.

2010 – 2011: محاكمات… ثم عفو رئاسي صادم

بعد سنوات من التحقيق، صدرت في فبراير 2010 أحكام بالسجن 15 عامًا على عدد من المتهمين، مع مصادرة ممتلكاتهم. لكن ما لبث أن صدر عفو رئاسي في 2011 عن عدد من المدانين من ذرف الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، في خطوة وُصفت بأنها “استهتار بالقضاء” و”تكريس لثقافة الإفلات من العقاب”.

قضية القاضي ولد النيني: بين التبرئة والجدل

من أبرز القضايا المرتبطة بهذا الملف، قضية القاضي محمد الأمين ولد المختار النيني، الذي قام ـ بحسب سجلات المحكمة ـ بتبرئة متهمين رئيسيين في ملف المخدرات، ما أثار موجة غضب داخل السلك القضائي والإعلام.
وقرر مجلس التأديب طرده من القضاء، وسط اتهامات له بالتساهل أو التواطؤ، بينما اعتبرت بعض أطياف المعارضة فصله قرارًا مسيّسًا يُخفي صراعات داخلية في بنية العدالة واشترطت عودته إلى عمله شرطا مبدئيا من ضمن شروط أخرى للمشاركة في الحوار مع السلطة حينها.
بين من رأى فيه كبش فداء، ومن رأى أنه خان الأمانة القضائية، ظل اسم ولد النيني مثيرًا للجدل حتى تمت إعادته إلى منصبه بقرار من المجلس الأعلى للقضاء أواخر 2020.

اعتقال صحفيين في 2008 بسبب كشفهم لصفقة مشبوهة

في يوليو 2008، تم اعتقال الصحفي محمد ولد عبد اللطيف والناشر محمد نعمة عمر من صحيفة “الحرية” بعد نشرهم مقالاً يتهم ثلاثة قضاة بقبول رشاوى لإطلاق سراح متهمين في قضايا تهريب مخدرات. اتهم الصحفيان بالتشهير والإهانة، واحتُجزا في ظروف وُصفت بالسيئة، وظلا قابعين في السجن إلى تمت الإطاحة بنظام المرحوم سيدي ولد الشيخ عبد الله، مما أثار احتجاجات من منظمات حقوقية دولية مثل الاتحاد الدولي للصحفيين ومنظمة مراسلون بلا حدود، التي طالبت بإطلاق سراحهما الفوري واحترام حرية الصحافة.

قضايا مخدرات حديثة: اكتشافات مقلقة في مايو 2025

في الأسبوع الأول من مايو 2025، أعلنت السلطات الأمنية في موريتانيا عن ضبط كميات كبيرة من المخدرات وحبوب الهلوسة، بالإضافة إلى ما فيل إنه اكتشاف لمصنع غير قانوني لتصنيع المواد المخدرة في إحدى ضواحي العاصمة نواكشوط. تأتي هذه العمليات في إطار جهود متواصلة لمكافحة تهريب المخدرات، إلا أنها تسلط الضوء مجددًا على التحديات المستمرة في هذا المجال

ما الذي تغيّر؟

رغم تعاقب الأنظمة، لا تزال موريتانيا تعاني من:
 • تغلغل شبكات التهريب داخل المؤسسة الأمنية والقضائية.
 • ضعف التنسيق الإقليمي لمواجهة عصابات الكوكايين.
 • اختراق الأجهزة الأمنية وعدم جدية القضاة وعدم استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية.

خاتمة: دولة بين مطرقة المخدرات وسندان التواطؤ

قضية المخدرات في موريتانيا لا تختصرها شحنة أو محاكمة، بل تعبّر عن أزمة دولة تُخترق من داخلها. فحين يتحول من يفترض بهم تطبيق القانون إلى أدوات في خدمة الجريمة، تصبح كل القوانين بلا معنى، ويكون أول ضحايا ذلك: الثقة، السيادة، وحق المواطن في وطن نقيس .

 

 

6. مايو 2025 - 19:55

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا