ترامب وحرب السند والهند: حين تتحوّل المناوشات إلى دعاية للسلاح الصيني / عالي محمد ولد أبنو

دونالد ترامب رجل أعمال وإعلامي قبل أن يكون سياسيًا، لذلك يفكر بعقلية تجارية واستعراضية. وحين لاحظ أن المناوشات العسكرية الأولى بين الهند وباكستان أدت إلى ارتفاع الطلب العالمي على السلاح الصيني -الذي بدا أكثر فعالية خلال هذه الاشتباكات- مقابل تراجع في الاهتمام بالسلاح الأميركي والغربي، سارع إلى الضغط من أجل وقف إطلاق النار. فقد بدت هذه المناوشات أشبه بحملة دعائية مجانية للسلاح الصيني، وهو ما لا يخدم المصالح التجارية والعسكرية للولايات المتحدة.
ففي خضم الاشتباكات العسكرية المحدودة بين الهند وباكستان، وبينما كانت عيون العالم تتجه إلى احتمالات التصعيد وحدود الخطر النووي، كانت عين دونالد ترامب تراقب مشهدًا آخر تمامًا: منحنى الطلب على السلاح في الأسواق الدولية.
فمنذ أن خرج من عباءة الإعلامي الاستعراضي والتاجر المهرج ودخل البيت الأبيض ببدلة السياسي القائد، ظل ترامب وفيًا لنظرته التجارية للعالم: كل أزمة فرصة، وكل حرب مزاد، وكل رصاصة إعلان. لذلك، لم يكن غريبًا أن يلتقط مبكرًا ما فاته على كثير من القادة؛ أن السلاح الصيني، الذي شارك في تلك المناوشات، خرج منها بمكسب لم يكن محسوبًا: دعاية مباشرة وفعّالة على ساحة قتال حقيقية.
أداء الأسلحة الصينية بدا ملفتًا. الدول المتوسطة والمتحفظة على تكلفة السلاح الأميركي بشكل خاص والغربي بشكل عام مع ما يرافق صفقاته من شروط سياسية، بدأت تعيد حساباتها. وشيئًا فشيئًا، تحولت المعركة إلى معرض ميداني مفتوح، تبثه القنوات والوكالات، ويشاهده صناع القرار العسكري في آسيا وأمريكا الجنوبية وإفريقيا والشرق الأوسط.
بالنسبة لترامب، كان هذا تحوّلًا خطرًا. فالسلاح الأميركي ليس مجرد تجارة رابحة، بل هو أحد أعمدة النفوذ الأميركي العالمي. كل صفقة تُوقع باسم "لوكهيد مارتن" أو "رايثيون" تعني شراكة سياسية وعسكرية ممتدة، وكل تراجع في الطلب يعني خسارة موقع متقدم على خارطة النفوذ. من هنا، جاء تدخله السريع للضغط من أجل وقف إطلاق النار، لا حبًا في السلام، بل غيرة على السوق ومِن مَن ؟ من الصين.
لقد رأى أن السماح باستمرار هذه الحرب الصغيرة يعني ترك منافسه الصيني يروّج لمنتجه الأكثر حساسية في صمت وفعالية. إنها ليست مجرد معركة حدودية، بل حملة إعلانية دولية خطيرة، تشوه صورة السلاح الأميركي، وتفتح الباب أمام تحالفات جديدة خارج المظلة الغربية.
هكذا يفكر ترامب. ليس كرئيس دولة، بل كمدير تنفيذي لشركة عظمى اسمها "الولايات المتحدة الأميركية". لا تعنيه كثيرًا خرائط الجغرافيا ولا الايديولوجيا بقدر ما تهمه حصص السوق، ولا يقلقه الدخان المتصاعد من البنادق ما دام لا يهدد اسم بلاده كأول مزوّد للعالم بالقوة والنفوذ.
إن في قراءة ترامب للحروب من زاوية الأسواق لا من زوايا الجبهات، ما يكشف جانبًا عميقًا من عصرنا: عصرٌ تذوب فيه الفواصل بين السياسة والتجارة، بين الجيوش والشركات، وتُدار فيه المعارك كما تُدار الصفقات. وربما كان هذا ما أدركه ترامب بِحِسه وحَدسه حين سارع لإسكات المدافع لا لأن دم شعوب السند والهند ليس رخيصا، بل لأن صورة “صُنع في أمريكا” كانت تبهت في دخان سلاح صيني يلمع، وخريطة نفوذ تتبدل بصمت.

 

 

12. مايو 2025 - 10:44

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا