أتمنى.. وأتوقع / أحمد ولد الوديعة

بين ما يتمنى المرأ وما يدرك مسافة كثيرا ما جرت الرياح بما يجعلها تتسع، وفي أحيان عديدة تأتي الرياح بما تشتهي السفن  فيتحقق الحلم ولو بعد آماد طويلة.

في النواحي العاطفية من حياة الإنسان غالبا ما يجد صاحب الحلم  أو الأمنية متعة ولذة في حالة الحرمان تلك فيجسدها نصوصا أدبية تجعل المتلقى يسعد بحرمان الضحية ؛

 إذ لولا لحظات الشقاء والهجر تلك لما جادت قريحة المبدع أو الفنان بقطع جمالية تبقي أزمنة طويلة بعد صاحبها، دليلا إضافيا في حوزة من يجادلون أن الأدب مأساة أولا يكون.

أما في الجوانب العاقلة من حياة الإنسان فالهوة بين التمني والتوقع، بين الخطة والانجاز، بين المصلحة العليا وتنكب طريقها، هو المأساة بمعناها الأصلي وليس بدلالتها الأدبية المضمخة بالتخيل والانزياح .

في واقعنا السياسي الموريتاني  - الذي لايحتل فيه الشعراء  مكانة مقدرة في ألطف التعبيرات  -  تبدو الهوة إلى اتساع بين ما نتمنى وما نتوقع منذرة باستمرار البلد في السير الحثيث نحو إضاعة المزيد من فرص الانطلاق نحو تأسيس وطن، أو ربما حتى نحو الحلم بتأسيس وطن، لعل من أكثر عناوين المأساة عندنا درامية أن الحلم بوطن لايبدو  مرئيا على الأقل في خريطة  أحلام الكثير منا بمن فيهم – وتلك هي الطامة – من يفترض أنهم يتصدرون مشهد العمل من أجل تأسيس وطن

وحتى لا نذهب بعيدا في المنحى الشاعري الذي يجزم رئيسنا -  غير الشاعر طبعا -   أنهم أصل المأساة، أستأذنكم في جولة سريعة  بين خريطة ما أتمنى وما أتوقع في عامنا الجديد هذا.

- أتمنى أن يقرأ الرئيس وسلطته نتائج الانتخابات الأخيرة قراءة صحيحة، تضع خطوطا عريضة تحت فشل الانتحابات الذريع في حل الأزمة السياسية وتحولها إلى عنصر تأزيم وتعقيد إضافي وهي التي كان من الممكن أن تكون محطة هامة نحو" عودة متدرجة لعملية ديمقراطية ذات مصداقية"....

لكني – وبكل أسف – أتوقع أن يستمر الرئيس في القراءة التي عبر عنها وهو يخرج من مكتب الاقتراع في الشوط الثاني منتشيا بعد أن لم يحتج للاستعانة برئيس اللجنة في إكمال عميلة تصويته ويعلن أن المعارضة" فاتها القطار على مدى السنوات الخمس القادمة"..

لقد قالها أخ لك من قبل رئيس وجنرال لكنه وجد نفسه في النهاية مضطرا للنزول من القطار وتسليم قيادته لطاقم مشترك  ليعيده في النهاية إلى نقطة البداية حيث يمكن للجميع أن يأخذ مقعده الوطني في رحلة يحدد الجميع أيضا وجهتها ومحطات توقفها  بما فيها تلك الاضطراية.

-  أتمنى أن تدرك المعارضة المقاطعة أنه ليس بالشعارات وحدها ينجز التغيير، وأن التمسك بخيارات راديكالية ثورية والسير نحوها بخطوات  تقليدية إصلاحية ممجوجة هو أفضل وصفة لتنفير الناس من التغيير وتحويله بشعاراته وحامليه والعاملين من أجله إلى مادة للتنكيت الجمعي... فالثورة المرخصة تصلح عنوان قصيدة لكنها ليست عنوان مرحلة سياسية...

أما ما أتوقع لمعارضتنا المقاطعة فهو الاستمرار في نهج الجمود على خيارات لاتسندها خطط قادرة على تحقيقها، والتوغل أكثر في تسديد النيران باتجاه شركاء الخندق المعارض الذين أو صلتهم خياراتهم السياسية  لمسار مختلف ولو جزئيا، وبالطبع سيكون من المجازفة الكبيرة  توقع قدرة هؤلاء وغيرهم من المعارضين على توحيد الموقف من الاستحقاق الرئاسي.. آه لو أن بإمكاني توقع أنهم سينجحون في ذلك لفعلت حتى  اكسر الطابع الحزين لخريطة التوقعات هذه.

-  أتمنى أن تدرك معارضتنا المشاركة  أن ما حققت من نتائج في الانتخابات الماضية متواضع جدا ليس بحساب عدد المقاعد التي حققت مجتمعة أو منفردة فحسب، بل وأيضا بحساب المصلحة الديمقراطية العليا؛ وبالتالي فالواجب عليها الآن أن تكون ضمن المبادرين للعثور على أرضية مشتركة مع بقية المعارضين لاستئناف مسار النضال الديمقراطي المشترك من أجل فرض عملية ديمقراطية حقة....

أتوقع أن معارضينا المشاركين سيعتبرون الآن أنهم أول المعني بالدفاع عن نتائج انتخابات كانوا هم أكثر من قدم للرأي العام جوانب الخلل فيها، وستقودهم هذه الموجة الدفاعية إلى  شواطئ  إن لم تكن على ضفة السلطة فستكون قريبة منها إلى الحد الذي إن لم يحجب الرؤية فسيجعلها قاصرة عن الإلمام بتفاصيل جوانب النقص والتقصير.

- أتمنى أن يدرك المتخاصمون على مواقع التواصل الاجتماعي من التيارات السياسية والفكرية المعارضة أن خصوماتهم " سابقة لأوانها" وخادمة في محصلتها النهائية لاستمرار حكم العسكر وبالتالي حال التخلف... وتوقعي أن نيران الخلاف ستتسع إذ لايوجد في الواقع الكثير من المقتنعين بفكرة ضرورة إطفاء النيران، وتبدو القلة القليلة المؤمنة بفكرة تأجيل الاشتباك أو وضع قواعد له تحمي مراكب النضال من أجل الديمقراطية لهيبه.. تبدو هذه القلة بين المعزول أو المجرد من أدوات الإطفاء الضرورية للتعامل مع حريق تذكيه تيارات قوية قادمة من الشمال، وتوفر له " آلتنا الأمنية" حصبا كافيا للاشتعال في الأفق السياسي المنظور.

- أتمنى  - و آخر الأمنيات أصعبها وأغلاها  -  أن نمتلك ؛نخبا وحكاما شجاعة الانخراط في جهد وطني جامع ، يرفع الظلم عن المظلومين وما أكثرهم، ويسلك طريق أمل نحو المستقبل، طريقا ينهي مع ممارسات الاسترقاق والعنصرية، ينصف لمعلمين ويرفع عنهم أغلال الظلم الاجتماعي، يعيد الحقوق لضحايا الإرث الإنساني، ويمكن المبعدين العائدين من سنوات الإبعاد من كامل حقوقهم السياسية والمدنية، ويفتح نقاشا وطنيا يفضي لدولة قانون تحتفي وتفتخر بكل مكوناتها بكل لغاتها بكل ألوانها....

مع صعوبة توقع أمر مختلف عن حلمنا الجميل السابق أجدني مضطرا للامتناع عن  أن أبيعكم مخدرات فأنا في هذه -  وفي أمور أخرى  - على  مذهب أحمد مطر ... روحو اشتروا تلك البضاعة من دكاكين الولاة... أنا لا أبيع مخدرات

في أفقنا الوطني الحزين نظام حكم برأي واحد ولون واحد وأفق واحد، وأيا تكن التحالفات أو التلوينات التي يظهر أو تظهر معه،  فهو غير معني وغير مؤهل لتحقيق دولة المواطنة.. قد يخرج  من حين لآخر ملثما  أو حاسر الرأس ليعلن  إعلانات انتخابية قصيرة الأمد... قد يدفع مبالغ أو قطعا أرضية لهذا الضحية أو تلك، قد يؤسس هيئات بضغط دولي  لكنه - وأقولها على مسؤوليتي -  لن يقدمنا قيد أنملة نحو وحدة قائمة على العدل واحترام التنوع  وتجسيد الأخوة الإسلامية الحقة.

ليت مأساوية المشهد تنتهي هنا لتترك لنا رهانا ممكنا على  "نخبنا الوطنية "  لكن واقع الحال يقول إن هذه النخب يغلب عليها تياران يدافع أحدهما بكل ما يملك عن الوضع القائم بكل اختلالاته ومظالمه، ويبذل الثاني أقصى الجهد لخصخصة النضال من أجل الحرية ووضع المتاريس أمام كل فكرة أو مجموعة يمكنها أن تعجل في فضح ممارسي الظلم وتعريتهم من أدوات ظلمهم القانونية والفقهية والسياسية.

تلك  خريطة  أمنيات وتوقعات تبدو  قاتمة معتمة مأساوية إلى الحد الذي ربما يجعل البعض يسأل إذا ما الفائدة من العمل ما دام أن الأمور سائرة كلها في هذه الوجهة الخاطئة ... لكن الحقيقة أن هذا السير ليس حتميا ولا قدريا، بل إنه أحد الممكنات فقط، ويبقى من الممكن تماما أن تسير الأمور في اتجاه ما تشتهيه سفن الحالمين بغد مختلف لنحقق الأمنيات أو نقترب منها فندركها في عام قادم.. فمن سار على الدرب وصل ومن حلم بالحرية والوحدة والأخوة نالها...

أو نسيتم  بشائر الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين  بمفاتيح الشام وقصورها الحمر،  وقصر المدائن، وهم يحفرون الخندق لمواجهة زحف الأحزاب المفزع...   لنحتفظ بالأمل لنحتفظ بالحلم

24. يناير 2014 - 20:15

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا