أثبت الشعب الموريتاني فشله في فهم أزمة مابات يعرف بالمقال المسيء، أو هكذا أرى الصورة على الأقل من جانبي، ولعل من أتيحت له الفرصة لمتابعة الجو الملبد بالهموم والنكبات التي صدر فيه المقال وماتبعه من ردود فعل باهتة لاتناسب الحدث ولاتتجه لاتجاه معين، سيدرك بمرارة ما أقصده،
لقد كنت من أوائل من قرءوا ذلك المقال المشؤوم علي صفحات موقع أقلام، وصدمت وأنا أقرأ محتواه، ولكني لم أشأ أن أعلق عليه لعظم الصدمة التي انتابتني، وراقبت الحدث عن بعد، وخرجت باستنتاج سيء عن ضعف هذا الشعب المسالم المسكين وخوره.
لقد هزم هذا الشعب وغلب على أمره منذ سنين، وتعلم فنون المداهنة والمراوغة حتى أصبحت في يوميات حياته: أل مانافق ماوافق، ولماذا يوافق أصلا الله تعالى أعلم، فأُبرم لهذه الأمة أمر فساد وضلال يذل فيه أهل الحق، ويعز فيه أهل الباطل، ثم يأتي متزلف منافق ليتحدث عن أن فخامة الرئيس هبة من الله، أي هبة هذي التي تتحدث عنها؟
ولست هنا في معرض الرد على المقال المسيء ولا دفاعا عن رسول الله فداه أبي وأمي، فلقد رد عنه من هو خير مني ومن هو أهل لذلك، لكنني هنا أحاول مقاربة الموضوع من زاويا عدة لم يتطرق لها أحد بعد، فهناك ثلاث ملاحظات أود تبيانها: أولاها أننا كمجتع ظالم غافل نتقاسم مع النظام الحاكم الراعي للمنحرفين المسكت لأهل الحق المعتدلين، تحمّل جرم هذا النوع من الكتابات ، ثانيتها: أن هذه الهجمة ليست ظلما لمقام النبي الأسمى صلى الله عليه وسلم بقدر ما هي ظلم منا لأنفسنا، وثالثتها: أن الظلم قد عم في هذه البلاد حتى لم يعد لشريحة من المجتمع منه نصيب يخصها عن شريحة.
إنَّما أُكِلْتُ يَوْمَ أُكِل الثَّوْرُ الأبْيَضُ
انغراس الحربائية الانهزامية في أعماق وجداننا هي ماجعلت كل مارق (هنتات) يتطاول على مجتمعنا ويسبه عن بكرة أبيه، ولايجد من يقول له كلمة حق ولو كان ثمنها مجرد إقالة أو إقصاء من صفقات التغابن للاستثراء الفاحش، وصلت بنا المهانة أن صار اللص المارق يسير – كما حدثني ثقات - قطاعا من نواكشوط بعساكره ومدنييه ويسب أمهاتهم حين يشاء، ولانحرك حرفا في ضمائرنا ولاقلوبنا، وأزعم أن الشعوب التي تحيط بنا لو أرادت اتخاذ عبيد لما فكرت في غير شعبنا الذي صلبته المآسي وعلمته الصبر على الويلات والضيم والبؤس.
لم لم نتحدث أبدا حول المقال المسيء للعقيدة في أحد ثوابتها(الحج) المنشور في موقع كريدم؟
لم لم نتحدث أبدا حول خطابات وبيانات منظمة رابطة معيلات الأسر التي تسب الدين وثوابته منذ سنين؟
لم لم نحرك ساكنا أمام من دعوا جهارا نهارا في تلفزيوناتنا المحلية لتقطيع أوصال البلاد؟
لم لم نتحدث حديثا عميقا حول ظاهرة بيرام ذلك الحقوقي المزعوم؟ ولم نقم بردعه مقابل مايقوم به من إفساد في المجتمع وبث للنعارات فيه ليل نهار؟
قبول الظلم والضيم واستشراء الظلم في هذا البلد بلغ مبلغا عظيما لايوصف، فالكل في هذه البلاد ظالم مظلوم غنيا كان أو فقيرا، متعلما أو جاهلا، كبيرا أو صغبرا، فكأنهم في مهرجان للجهل والظلم، ومامن مواطن موريتاني إلا وعاش أو يعيش في مأساة من هذه المآسي اليومية، فالجندي في الشارع يظلم المواطنين، واللص يسرقهم، والطبيب يؤذيهم، والمعلم يغشهم، وحتى البواب البسيط يهينهم لأبسط الأسباب، وهم صابرون محتسبون ينتظرون فرصتهم ليظلموا هم بدورهم غيرهم، ولقد زرت مطعما في وسط نواكشوط البائسة فوجدت مطعما يقدم لزبنائه العشاء على فرش مهترئة بالية ولديه مغسل ملئ قذارة هو أول مايناوله لزبنائه، فسألت صاحب المطعم ألديك مكان أنظف من هذا فأجابني بصوته الأجش: خالك الا ذا ذا اثرو ماله؟ اللعنة على بطن تجلس صاحبها على فراش قذر كهذا ولقد أبيت على الطوى وأظله حتى أنال به كريم المأكل
وهنا أسأل نفسي وأسأل مواطني المساكين: أما تحسون بالفعل المسيء الذي تمارسونه ويمارس عليكم ليل نهار؟ ألا تفكرون في رسول الله إلا حين تأكلون باسمه الخبز، ألا تتساءلون باسم عدله ونصرته أين تذهب خيرات أرضكم؟ ألا يأكلكم البعوض وتأكلونه بينما تنهب خيراتكم؟ إني لأعجب لمؤمن يرا المنكر ليل نهار فلا ينبس ببت شفة ثم يهب فجأة زاعما أنه ينصر المصطفى صلى الله عليه وسلم...
ألا فابقوا في نومكم غافلين سيغني الله عنكم نبيه، ولا والله لاتحصلون على شرف نصرته وأنتم المضيعون لشريعته الضالون عن طريقه، أي شيء في هذا البلاد يدل على حبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ المساجد المغبرة المتسخة التي نطأها بأحذيتنا القذرة ونتصارع على إمامتها للنفع التافه ثم ندبر عن تنظيفها ورعايتها، هذا المجتمع إلا قليل من الصالحين يسبون رسول الله بأفعالهم ويتبرؤون منه بأفعالهم ألا فلتنصروا رسول الله في بيوتكم أولا وفي أعمالكم لايحتاجكم رسول الله في الشوارع ولايحتاجكم يوم الجمعة مصطفين كالخراف لاتعون شيئا مما يقال كأنكم خشب مسندة، إنما نصرة رسول الله في صلاة الصبح، والسعي الحلال في الرزق والابتعاد عن الغش والكذب والزنا والفواحش، من أراد أن ينصر رسول الله فليتبعه أو ليدعنا من كذبه، في كل شيء تنافقون وتزورون أيها الموريتانيون حتى في حب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
هذا الانغماس في الشهوات والابتعاد عن الأخلاق الذي نغط فيه قمة وقاعدة هو ما أدى لهذا البلاء المبين، لست أرى تطاول هذا النكرة التافه على مقام النبوة السامي في هذه البلاد إلا فضحا من الله لأهلها وتوبيخا لهم وابتلاء مابعده ابتلاء، ها أنتم تزعمون أنكم أحفاد المرابطين حملة لواء الجهاد والشناقطة حملة العلم، فمن أين جاء هذا الهراء الذي تسمونه إساءة لرسول الله وهو إساءة لكم أنتم ولايتعداكم ضيره وشينه؟ ومن أين جاء سيل الإلحاد المنتشر في صفحات فيس بوك؟
هذه أمراض مجتمعية آتية من تراكمات سنين عديدة من الفساد: فساد الأخلاق وإبعاد العلماء والدعاة الصادقين المتنورين في السجون والمنافي والتمكين للمفسدين المنافقين، فطغت النظرة المادية على اللمسة الروحانية الإيمانية، فانتشرت المنكرات تباعا، ولم يتحدث فيه عالم ولا باحث اجتماعي، لقد شوهنا كل شيء حتى المسجد والمحظرة جعلناهما تجارة ولم يتكلم أحد وفشت أنواع الزنى بمسمياتها المختلفة ولم يتكلم أحد، وفشى الربى ولم يتكلم أحد، فأين كان من ينصروا رسول الله حينئذ ، إنما انتهكت المقدسات يوم انتهكتموها في بيوتكم وشوارعكم بصمت، ومسحتم أفواهم منها ظنا منكم أن الله ينسى حاشاه.
فالدين وحدة متكاملة، تقتضي أنه لايمكن أن ننصر النبي صلى الله عليه وسلم بالغدو ثم ننهمك في غش المواطنين وأكل خيرات وطنهم بالعشي، ومن أعجب العجب أن ننتظر نصرة الرسول الأعظم من نظام الفساد الفاسد المفسد المستبد الذي يحكم البلاد، لو كان النظام يريد نصرة لأي مظلوم في هذا البلد لما ظلمهم واغتثب أموالهم وتركهم في العراء يصارعون الجوع والبرد، كم من أرملة تركت تصارع وصغارها البرد والجوع في الترحيل؟ وكم من مريض مسكين ترك فريسة للمرض لأن حياته لاتسوى عند الظغمة الحاكمة حفنة أوقيات، من يلجأون لمحمد ولد عبد العزيز نصرة لرسول الله هم مغفلون أغبياء، كالخراف التي ترى في الذئب قاضيا منصفا، مادام ولد عبد العزيز المنقلب ظلما وعدوانا المنتخب زورا وبهتانا وطغمته العسكرية المصطنعة ورجال أعماله المزيفين، يحكمون هذا البلد فثقوا أن خطانا تتسارع نحو الهاوية، وكل مواطن يرى مايحاك لمواطني هذا البلد من الدسائس ثم يلتفت إلى همومه الشخصية هو غاش لهذا الوطن الذي سيسأل عنه أمام الله ماذا قدم له؟
لقد كتبت قبل فترة، مقالا نقديا تحت عنوان موريتانيا في عين الإعصار لحظات قبل اللعنة ، قلت فيه إنه إن لم يأخذ العقلاء زمام المبادرة في هذا البلد قبل فوات الأوان فلسوف تحدث فيه بلايا وفتن عظام كل واحدة منها تنسي بلاحقتها. وأكرر ذلك اليوم وليس هذا المقال المشؤوم إلا بداية سلسلة من الويلات واللعنات لن تمهل هذا البلد أكثر من عقد من الزمن حتى توصله لدرك البلاء والشقاء لاقدر الله.