نمتُ البارحة وأنا أعتقد بأن يوم الاثنين الموافق 27 ـ1 ـ2014 سيكون يوم الإعلان الرسمي لميلاد البرلمان الجديد، ويوم نعي البرلمان القديم، فإذا بي أستيقظ على مرسوم رئاسي جديد، يبدو أنه أصدر ليلا، يلغي المرسوم الرئاسي السابق الذي دعا إلى دورة طارئة للجمعية الجديدة في هذا اليوم. المرسوم الجديد أجل اجتماع البرلمان الجديد إلى أجل غير مسمى، ودون أن يبين أسباب ذلك التأجيل.
هكذا ببساطة تم إلغاء الدورة الطارئة للجمعية الجديدة دون تحديد أجل جديد، ودون تحديد الأسباب، وهكذا أيضا سينتقل الناس وببساطة أشد من التكهن والبحث عن اسم رئيس الجمعية القادمة، فهل سيكون رئيس البرلمان الجديد هو رئيس البرلمان السابق، أم سيكون وزير الداخلية السابق، أم رئيس الحزب الحاكم السابق، عفوا، رئيس الحزب الحاكم بدون السابق؟ إلى الحديث عن أسباب التأجيل، وعن الموعد الجديد لاجتماع البرلمان الجديد.
وفي انتظار معرفة أسباب هذا التأجيل المفاجئ، فقد يكون من المهم تسجيل بعض الملاحظات السريعة:
أولا: إن المراسيم الرئاسية التي تصدر في الثلث الأخير من الليل لا تبشر في العادة بخير.
ثانيا: هذا المرسوم الرئاسي الذي تم إصداره ليلا يوحي بأن الرئاسة أصبحت ضعيفة جدا، ولم تعد لديها القدرة على السيطرة على الأمور، وقد يكون ذلك بسبب ميلها إلى الارتجال، وقد يكون لأسباب أخرى.
ثالثا: هذا المرسوم الرئاسي الجديد قد أكد لي من جديد بأن برلماننا السابق هو حقا برلمان بسبع أرواح، وبأنه مأموريته لا تنتهي أبدا، وبأنه يتميز عن كل برلمانات العالم بجملة من الخصائص والميزات كنتُ قد ذكرتها في مقال سابق، وأعيدها الآن بسبب هذا المرسوم الرئاسي الجديد الذي ألغى الدورة الطارئة للبرلمان الجديد، والتي كان من المفترض أن تنعقد في هذا اليوم.
إن البرلمان القديم الذي لا يموت أبدا، يمتاز بما يلي:
1 ـ أنه هو البرلمان الوحيد في هذا العالم الذي عاصر ست حكومات (لم أقل سبعة)، وخمسة رؤساء (لم أقل ستة)، وهم تحديدا: الرئيس أعل ولد محمد فال، الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله، رئيس المجلس العسكري الأعلى (محمد ولد عبد العزيز)، الرئيس الانتقالي (المرحوم با أمبارى)، الرئيس المنتخب (محمد ولد عبد العزيز).
2 ـ هو البرلمان الوحيد في هذا العالم الذي تغيرت أغلبيته ثلاث مرات (لم أقل أربع مرات)، وفي مأمورية واحدة. الأغلبية الأولى: كانت لصالح المستقلين الذين نجحوا بصفتهم المستقلة. الأغلبية الثانية كانت لحزب عادل. أما الأغلبية الثالثة فقد أصبحت الآن لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية.
3 ـ هو البرلمان الوحيد في هذا العالم الذي تناوب حزبان (لم أقل ثلاثة) على تبادل أغلبيته في مأمورية واحدة (عادل والاتحاد من أجل الجمهورية)، وذلك رغم أن الحزبين اللذين تناوبا على الأغلبية لم يكونا قد تأسسا عند حصول الانتخابات التي جاءت بالنواب الذين سينتسبون لهما فيما بعد.
4 ـ هو البرلمان الوحيد في هذا العالم الذي شرَّع انقلابا عسكريا على رئيس منتخب، وهو للمفارقة أيضا، هو البرلمان الذي سيجرم فيما بعد الانقلابات.
5 ـ هو البرلمان الوحيد في هذا العالم الذي لا يملك رئيس جمعيته الوطنية إلا خمسة نواب، أي ما يمثل أقل من 5% من مجموع النواب.
6 ـ هو البرلمان الوحيد الذي لا أحد في هذا العالم يستطيع أن يتكهن بالتوقيت الذي ستنتهي فيه مأموريته هذه.
7 ـ هو البرلمان الوحيد في هذا العالم الذي حطم الرقم القياسي في عدد النواب الذين ارتحلوا بين الأحزاب، ويبقى نائب مكطع لحجار هو خير مثال، فهذا النائب ظهر أول ما ظهر في مضارب حزب حاتم، ثم انتقل إلى منتجعات حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وذلك من قبل أن يستقر به المقام في مرابع حزب تواصل.
8 ـ شكل هذا البرلمان الذي لا يموت أبدا مقبرة لبعض الأحزاب، حيث أعلن عن وفاة حزب البديل بعد رحيل النائب الوحيد الذي كان يمثله في البرلمان، وحدث نفس الشيء مع حزب الوسط، وهناك أحزاب أخرى في هذا البرلمان تعاني من موت سريري منذ مدة.
8 ـ هو البرلمان الوحيد في هذا العالم الذي يقف بعض نوابه موقفا عدائيا من الدوائر التي انتخبتهم، وكأمثلة على ذلك: نائب أطار الذي وقف موقفا عدائيا من دائرته الانتخابية أثناء ظهور حمى الوادي المتصدع بولاية أدرار، نائب أركيز الذي وقف موقفا عدائيا من دائرته حتى لا تحصل على نائب ثالث، نائب مكطع لحجار الذي وقف موقفا عدائيا من دائرته خلال احتجاجاتها المطالبة بتوفير الماء، نائب باسكنو الذي وقف موقفا عدائيا من أحداث فصالة، والذي وصف سكان دائرته بالغوغاء. هذا فضلا عن نائب كرو الذي وصف موريتانيا بكاملها بالدويلة، والذي وقف أيضا ضد مقاطعته خلال معاناتها في الأشهر الماضية من عطش شديد.
9 ـ إذا كانت ميزة النواب في كل برلمانات العالم هي قدرتهم على الصراخ، ففي البرلمان الموريتاني يوجد نواب في منتهى "الأدب" و"الحياء"، حيث لم تسمع لهم ولا كلمة واحدة خلال هذه المأمورية التي لا تنتهي أبدا. ففي هذا البرلمان يوجد النائب الأخرس، ويوجد النائب المتثائب، ويوجد النائب الغائب دائما وأبدا.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل