للإصلاح كلمة موجهة للنواب الجدد / محمدو بن البار

altكلمة الإصلاح هذه المرة ستـتوجه إلى قبة البرلمان لترحب بسيادة النواب الجدد ، ولتضع أمام كل كرسي واحد منهم هذين السؤالين المتعلقين بعملهم والمتبادرين على ذهن كل مواطن موريتاني .

السؤال الأول : جوابه بديهي لكل نائب ولكن يترتب عليه سؤال ثان أظن أنه لا يعرفه أي نائب .

والسؤال هو سيادة النائب ، أنت نائب عن من ؟ وهذا السؤال جوابه بديهي على كل نائب وهو أنا نائب أولا عن مقاطعتي وثانيا عن الشعب الموريتاني ولكن هذا الجواب يترتب عليه سؤال ثان وهو الذي لا يعرفه أي نائب ، وإذا كان يعرفه لم يعمل به ولم يصرح به على منبر الجمعية الوطنية وهذا السؤال هو  أنت نائب عن الشعب فيماذا ؟

فالمعقول في ذهن كل عاقـل أن أي نائب ينوب عن من نوبه في كل ما لم يستطيع المنوب عنه أن يقوم به وفي نفس الوقت يكون فيه نفع للمنوب عنه أو دفع ضرر عنه . 

والمعلوم أن كل الشعوب تحتاج إلى المسائل التالية :

أولا : تحتاج إلى كل من يسهل لها قضية المعاش ويرفع عنها إصر الفاقة والاحتياج وتتفاوت احتياجات الشعب في ذلك مع أن كل محتاج ساهم بصوته في نجاح النائب .

ثانيا : يحتاج إلى من يحفظ له أمنه حتى يبيت نائما مطمئنا على روحه وممتلكاته بمعنى عنده قوت يومه  وآمنا في سربه.

ثالثا : يحتاج إلى من يحفظ له هويته الثقافية وتضامنه ومحو الفوارق بين مكوناته .

رابعا : يحافظ على سمعته في الخارج بمراقبة أفعاله في الداخل ومراعاة مشاكل جالياته في الخارج .

خامسا : وأخيرا مراقبة ومناقشة كل ما يصدر من السلطة التنفيذية من قرارات ومراسيم وقوانين .

وهذا الأخير وحده هو الذي شاهد الشعب الجمعية الوطنية تهتم به وتناقشه وتصادق عليه بدون أي ملاحظة مع أن هذا البند من أعمال الجمعية الوطنية أكثره لا يعود بالفائدة إلى جميع أفراد الشعب زيادة على أن الموافقة عليه محسومة من قـبل .

فهو قبل أن يصل إلى الجمعية الوطنية توافق عليه الحكومة بدون أي معارض ويجد أمامه نواب الحزب الحاكم يساندهم نواب أحزاب الأغلبية كما يسمون أنفسهم ويصادقون عليه بالأغلبية المرصودة لذلك .

أما نواب المعارضة فأقصى جهدهم أن يستدعوا وزيرا لمساءلته كما أعطاهم الدستور ذلك ولكنها مساءلة لا تحزن صديقا ولا يـفرح بها عدو لأن الوزير يجيب المعارضة بما بني عليه عمله فإن اخـتـلفا يتـشاتمان على هوى الأثير وينتهي الأمر .

فمجرد اقتصار أفعال الجمعية الوطنية على هذا النوع من العمل فقط لا يجوز لعقـلاء أن يسموا أنفسهم من أجله أنهم نواب عن الشعب .

فإذا كان المثـل يقول أن ألسنة العـقلاء مصونة عن العبث فإن أفعالهم أولى صيانتها عن ذلك .

فإذا كان الشعب يعلم أن ميزانية الجمعية الوطنية المصروفة من ميزانيته السنوية عند الدولة بما فيها رواتب النواب وعلاوة جـلساتهم غير العادية الكثيرة وميزانية تسيـير إدارتـهم أكثر بكثـير أن لو كان هذا المبـلغ مولت به تسعة مطاعم في المقاطعات التسعـة بمعدل مطعم واحد لكل مقاطعة وجعل على هذا إدارة خيرية من الدولة وأعطت هذه الجمعية الخيرية بطاقة لكل فقير لا يجد في اليوم والليلة ما يسـد رمقـه وليس عنده أي أحد أوجبت عليه الشريعـة نفـقـته وجعـلت على بطاقة هذا الفقير صورته حتى لا يدخل بها غير ه لو صرفت الدولة ميزانية الجمعية الوطنية في هذا لعاد إليها فائض من الميزانية ولأدت عنها ما أمرها الله به كما قال تعالى مخاطبا المسلمين وعلى رأسهم دولة الإسلام (( وفي أموالهم حق معلوم للسائـل والمحروم )) .

ولعلم الجميع فعـندما كانت الدولة الأولى ملـتزمة بالجانب الاجتماعي من حق الشعب مع أن ميزانيـتها آنذاك لا تتجاوز 25 ملـيار من الأفرنك الإفريقي أن ما يعـادل 5 مـلايـير أوقية فقط ، فإن في تلك الميزانية بندا للفقراء والمساكين ينفق منه عليهم عند ما يثبتون ذلك ويتداوون على نفقة صندوق الضمان الاجتماعي ولا يدفعون أوقية واحدة تتعلق بضريبة وثائق الحالة المدنية كما أن كثيرا من الدول  عندها جمعية خيرية لهذا الغرض.

وبما أنني أتـيـقن أن هذه الكلمة لا تغـير من الواقع شيئا فإن ذلك لا يمنعني أن أوضح للسادة النواب المسائل المذكورة أعلاه والتي عليهم القيام بها تجاه هذا الشعب الذي وقف كثيرا في الطابور ليدلي بصوته لنجاحهم وعمل نهارا وسهر ليلا لتحقيق ذلك .

والمسائل هي :

أولا : قضية  تسهيـل المعاش حتى يبقي الفقير حيا لا يفترسه الجوع وذلك بالبحث عن تخفيض الأسعار على كل المأكولات ولا يكـتـفوا النواب بالجواب بأن الأسعار قضية عالمية ......الخ .

ثانيا : ضبط الأمن في المدينة بل في كل المدن ولا يكتفوا النواب أيضا بمساءلة وزير الداخلية والرضى بجوابه .

ثالثا : تحقيق الهوية العربية الإسلامية الإفريقية ويتحقق ذلك بوضع الدستور في كل مؤسسة وزارة : فما أوجب الدستور بإصداره باللغة العربية يصدر بها بمعنى أنه يتعلق بالسيادة وما لا يتعلق بالسيادة يصدر بأي لغة يتمكن بها المسؤول عن إصدارها .

رابعا : تـتـفقد الجمعية الوطنية كل قضية وقعت خارج الوطن وتتعـلق به أو أي فرد أو جماعة تحمل الجنسية الموريتانية وتـتابع كل ما يتم به تسوية القضية .

خامسا : كل ما يصدر من الدولة وعرض عليها للموافقة عليه تقوم ببحثه بنية وطنية مجردة عن وصف الولاء والمعارضة .

فكلمة موالاة على الإطلاق كلمة حائدة عن الطريق المستقيم وكلمة معارضة على الإطلاق كلمة غير عادلة في التعـامل الإسلامي .

وبالرجوع إلى تحليل كل هذا ومعرفة الآليات التي تحقق بها الجمعية المثالية أو النواب المثاليون فإني أقـترح تحصيل آلية العمل المحقق لهذا كله بما يلي حسب الترتيب :

ـــ يقوم النواب المكونون من أكثر من مائة وأربعين نائبا بتـشكيل لجان لمتابعة كل هذه الأسس التي يطلبها الشعب من نوابه وبالقيام بها يصح أن يطلق عليهم نواب الشعب .

فحسب الاختصاص تكون لجنة اقتصادية تبحث في سبب ارتفاع الأسعار الدائم وتطلع على قضية الاستيراد والجمركة وما إلى ذلك ، وتفرق بين السلع الضرورية توفيرها للفقير وبين أسعار المواد الكمالية وتراقب أسعار المواد المحلية وما إلى ذلك وتقدم هذه اللجنة كل ثلاثة أشهر تـقريرا للجمعية بما يصح من الأسعار وما لا يصح وتفرض الجمعية على الدولة ما يصح من الأسعار وتراقب تنفيذها ، فالدولة سلطة منفذة فقط وليست سلطة تشريعية ولا مالكة للذات .

فالمعروف أن كل دولة تكون السلعة التي تنـتج فيها رخيصة في سوقها إلا موريتانيا فبالرغم من كثرة السمك في شواطئها وبالرغم من أهمية غذائه وكثرة الفقراء المحتاجين له فإن الكيل منه في انواكشوط بألفين وخمسمائة أوقية .

( ما هذه الكارثة التي حلت بعقول مسؤولينا حتى يقـتـلونـنا باستمرار هذا الواقع الحالي السيء) .

ثانيا : من ناحية الأمن تشكل لجان لكل مقاطعة تطـلع فيها على سبب تدهور الأمن وأسباب كثرة القــتـل والسرقة  والاغـتصاب إلى آخره حتى يتضح لهذه اللجان الاطلاع المباشر على كيفية  مراقبة الأمن ومن هي الجهة المسؤولة عنه؟ وهل هي قائمة بهذه المسؤولية ؟  وهل عندها الأدوات لذلك ؟  وعـندئذ تـقدم اللجان في كل ثلاثة أشهر تـقريرا عن الأسباب وأدوات المعالجة إلى آخره .

ثالثا : لا معنى أن يكون مادة الدستور(6) تقول : اللغات الوطنية العربية والبورالية والولفية والسونكية :اللغة الرسمية هي العربية بالضمير المنفصل الدال على الحصر ومع ذلك لا يكتب بها إلا عناوين الشكليات الرسمية بجانب اللغة الأجنبية والموضوع لا يكتب إلا بتـلك اللغة الأجنبية ، فمن لا نـقاذ الهوية الوطنية إلا النواب .

فعليهم أن يبدأوا بتعريب مؤسستهم ويفرضوا تطبيق ذلك طبقا للدستور أو يغـيروا المادة، أو يسحبوا من كلامهم  كلمة  الدستور نص على هذا لأن الدستور لا معنى لبعض مواده  .

رابعا : المحافظة على سمعة البلد في الخارج فإذا وقعـت كارثة في أي بلد فيه جالية موريتانية فعلى النواب أن يتحركوا لمساعدتهم بكل الوسائل أو إذا سجن أي مواطن في الخارج فكذلك على النواب أن يتحركوا لإطلاق سراحه ولا سيما إذا كان مظلوما سياسيا أو  مهينا في سجنه .

فالشعب لا يسمع ولا يقرأ عن المواطنين في الخارج إلا ما كتبـته المواقع أو تدخل الدولة على استحياء .

خامسا : إن الآليات التي تحقق هذا كله هي تـشـكيل لجان من البرلمان لكل موضوع من هذه المواضيع تجتمع كل ثلاثة أشهر لتقويم عملها داخل تلك الأشهر وتستـعين بأهل الخبرة  في الموضوع للإنجاز .

وقـبل هذا كله هو اعتـراف السادة النواب أنهم مسؤولون مساءلة أصلية في الدنيا والآخرة عن هذا كله وأن الحكومة هي مجرد سلطة تنفيذية والقضاء سلطة إصدار أحكام على وقائع .

ومن جهة أكبر وأعظم فليعلم السادة النواب أنهم مكونون من عدة شرائح هي المكونة للشعب الموريتاني والشريحة تـقال لمن تشملهم لغة واحدة .

وعلى  ذلك فشرائح موريتانيا أربعة فقط وكل شريحة يوجد داخلها تمايز تعرف به داخل شريحتها وهذا من صنع التاريخ لا مفر منه ويزول حسب الظروف إلا أن أفراد الجميع متساوون أمام القانون وأمام فرص الحياة أيا كانت وفي الآخرة متساوون أمام الله ((من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعـليها وما ريك بظلام للعبـيد )) .

وبناء على هذه الحقائق فبوجود كل هذه الشرائح وهذه الفئات داخل البرلمان  تجعل كل من حاد عن هذا أيا كان فإن على النواب كل فيما يخصه واجبا دينيا وأخلاقيا أن يكون لهذا الخارج على الشعب وعلى قوة تماسكه له بالمرصاد .

وعلى هامش هذا المقال أرجوا من السادة العائـدين من النواب الذين يطلق عليهم كتيبة نواب الحزب الحاكم وما سينضم إليهم من أمثالهم ممن أعطاهم الله معرفة واسعة وخبرة كاملة في فواصل الكلم وأدوات تقوية الحجج أن يصرفوا ما أعطاهم الله في هذا الاستحقاق في المصلحة العامة للشعب الموريتاني كما تـبـين أعلاه ، فالله سائل كل أحد عن ما عمله فيما أعطاه .

ففي الاستحقاق الماضي صرفوا ذلك في إظهار إنجازات رئيس الدولة وهنا أقول أن إنجازات الرئيس في بعض الأشياء بالنسبة لمن سبقوه لا ينكرها إلا مكابر ومنها أنواع البنى التحتية في جميع الولايات تقريبا ومنها ضبط كل مداخل الدولة مثل الضرائب والجمركة وكل الحيل غير المشروعة ومن أهمها ترك تـأجير المنازل إلى آخره .

ولكن لا يجوز لأي قائل ولو كان فصيحا مفوها أن يقول أن الرئيس أنجز شيئا في تخفيض الأسعار التي هي رزق الفقراء ولا أنجز أي شيء في تحقيق استـتـباب الأمن ولم يضع قواعد لتماسك هذا الشعب تماسكا لا يحركه العنصريون ولا الحاقدون ولا الملحدون ....الخ  إلا أن يكون ينتظر بهذا الانجاز استحقاقه الأخير .

وبناء على هذا فإني أرجوا من الجميع أن يترك كلمة أنا من الأغلبية لأنها لا معنى لها وتنذر بضعف قائـلها فهو نائب عن الشعب فقط ، وعلى الجميع أن يتحد في النيابة عن الشعب لا عن الدولة ولا عن معارضتها .

وحان الآن أن يقول لكم الشعب المسلم ما قاله الله للمسلمين (( وقـل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينـبـئـكم بما كنتم تعلمون ))

29. يناير 2014 - 0:17

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا