لقاء الرئيس مع الشباب.. فكرة أخرى / سيد محمد ولد احمد

 سيد محمد ولد احمدمرة أخرى أنصح الجميع بالنظر إلى إصلاحات الرئيس من الزاوية الموجبة، وآخرها الإعداد للقاء الشباب بعيدا عن جيل الأوباش المتمكن من مصادر القرار، والذي لم نر له أدنى فائدة، بل بالعكس تحول أصحابه إلى دمى في أيدي الشيطان، لا هم لهم إلا خداع هذا البلد المسكين،

 فما منهم إلا باحث عن منافعه ومنافع أقربائه وقبيلته، مناصب الدولة توهب لكل من هب ودب لأن الوزير أو المدير من الجهة الفلانية، ودروب السياسية تحولت إلى أزقة أسواق تطل على حوانيت يتحكم فيها كل من يتمتع بصلابة الوجه واللسان (الجهل والوقاحة)، أصبح معيار السياسي المصلح هو جلدة وجهه، وصولة لسانه، أما أن يكون عالما مثقفا صاحب خلق ومشروع غير إشباع بطنه وفرجه، فقليل، وكما قال الشاعر:

يا ليت لي من جلد وجهك رقعة ... فأقـد منـها حـافراً للأدهم

أما مدراء اليوم ووزرائه فمعظمهم لا يهدف إلا لبقائه في منصبه أو منصبا قريبا منه، لعله يشبع قبيلته ومن جاء به، فقل لي بالله عليك كيف يكون نافعا من جاء إلى إدارة بوسيلة غير نافعة، وهو يعلم انه سواء نفع أم لم ينفع لن تعلو درجته بغير الفساد، فترى الواحد منهم يخلص للفساد الذي هو سبب وجوده أكثر من إخلاصه للوظيفة التي لها حق عليه، يعرف ذلك من سار في دروب الإدارات القذرة..

فلا يبالي بمن يأتي به من الشارع ويهبه مقعدا في إدارته لأنه هو نفسه قادم من الشارع، الكفاءة غير مهمة لأن التبتيب الذي جاء به هو الذي يبقيه في مكانه..

نحن اليوم مبتلون بطائفتين من المنافقين، الأولى الطائفة المقربة من السيد الرئيس المؤمن الصالح صاحب الأفكار البهلوانية، من وزراء وأشباههم، والثانية الطائفة الكذابة من أهل السياسة التي تحول أفرادها إلى تجار تحت قناع النضال وطول اللسان، حتى رأينا بعض اللئام التافهين يتحكمون في بعض مصالح الدولة بفضل تلك التجارة المربحة للغربان (السياسة)..

وعندما أفكر في برلماننا القادم أسأل نفسي ما الذي سيضيفه القادم من أصقاع القبلية والتخلف؟! ألن يكون شارع جمال عبد الناصر هو قمة التحضر بالنسبة له؟ كيف يفكر بعد ذلك في وضع رصيف أو منتزه؟

لكن يريحني أن في هذا البلد كثير من أهل الخير النافعين الأذكياء، وذلك يكفي للنهوض به بعيدا عن الوجوه المحترقة التي مللناها في الإدارت والمقار الحزبية.

ولعل الفكرة المبتدعة الجديدة لصاحب المقام العالي وشيخ الطريقة السياسية في بلاد السيبة – وهو صاحب أفكار بديعة لو صدقت، كما وصفته من قبل –، ستسهم في إشراك فئة عريضة من الشباب المهمش، في التخطيط لبناء دولة لا يوجد فيها عود واحد مستقيم، وذلك بشرط سلامة هذا الإعلان من تحكم المنافقين المقيتين الذي يدورون بالبلد وأبنائه الصالحين في حلقة مفرغة..

كل ما أتمناه أن يكون الرئيس صادقا حازما، وإلا فإن مثل هذه الحيل الشيطانية – في الحالة المغايرة-، لن تعود عليه بأدنى نفع، وكفى بها بؤسا وشؤما أن كبار القتلة يتعلمون منها، ومثال ذلك قتلة مصر الجدد الذين أعلن سفاحهم أنه سيترشح للإنتخابات بعد أن ترشح للإنقلابات من قبلها..

إن الديمقراطية التي تنفعنا هي ديمقراطية تنصر الصالحين، وتأخذ على أيدي الطالحين، ديمقراطية – إن جازت التسمية – تحترم أسس ديننا ولا تتعارض معه لأننا لسنا نصارى ولا كفار.. 

وبالمناسبة حتى يتبين أن الديمقراطية لا يمكنها أن تحكم بصفة مطلقة في بلد يوحد الله حق توحيده، تأمل في إعلان البعض عن دفاعهم عن كاتب المقال المسيء، لو كنا في بلد ديمقراطي كافر لكان ذلك أمر عادي، فكل مجرم له الحق في الدفاع، لكن بما أننا في بلد لم ينجح بعد في المزج بين قيم الإسلام والديمقراطية بحيث تحترم الأخيرة الأول، وتكون تابعة خاضعة ذليلة له إن كان لابد منها، وجدنا من يقرر الدفاع عن المخطئ في حق النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان ذلك بحجة الديمقراطية وحدها فتلك كبيرة، أما إن كان بحجة احتمالية أن يكون المسيء المسكين مخطئا أو مترددا تائبا – وذلك ما اعتقده إحسانا للظن بالمسلمين - ، فممكن.

وفي كل الأحوال نحن في بلد يتشدق بأنه ديمقراطي أكثر من تشدقه بالإسلام..

إذن الديمقراطية تجيز الدفاع عن المرتد، ومن اتبعها في إعطائه الحق في ذلك، فقد خالف نصوص العلماء وكان ممن يحادون الله ورسوله، والإسلام أعقل وأرحم وأدرى بما يفعل بمثل أولئك المارقين، وهو عندما جلد وقطع وغرب، لم يفعل إلا ما يعود بالنفع على المذنب وعلى المجتمع ككل، ومن تجرأ من المسلمين على الإعتراض على أحكام الله تعالى (ومنها التعددية في الزواج، ونصيب الأنثى من الإرث، وغير ذلك) فقد ارتكب كبيرة من اكبر الكبائر، واثبت بعد كل ذلك انه أغبى الأغبياء لأنه وهو الجاهل الضعيف المحتاج قد اعترض على ملك الملوك الذي خلقه وخالق السماوات والأرض "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"..

أما أن يقال "تلك حرية رأي" فلا حرية رأي في مثل هذا عند من أراد الخلط بين الإسلام والديمقراطية – والإسلام لا يحتاج إلى ديمقراطية بل من يحتاج إليها هم مسلمو هذا الزمن الناقصون-، والديمقراطية لها حدود..

لقد تأملت في مشاهد قديمة من بلدان من المغرب العربي في فترة الإستعمار المشئومة التي سلختنا سلخا (النهب الذي لا يزال مستمرا حتى اليوم في هيئة الإتفاقيات الدبلوماسية، وزرع العملاء المنافقين، والإبعاد عن الدين، وتقوية أهل البدع السخيفين)، فلاحظت أن النساء في الشوارع متبرقعات، وكذلك الحال في مصر والحجاز وفي كل بلدان المسلمين، أما اليوم فزر أي عاصمة مغاربية وسترى أنواعا من التكشف والتهتك هي أكبر دليل على أن الإستعمار قد عاث فينا فسادا بالعمل على طمس هويتنا الإسلامية، معتمدا في ذلك على فرض طريقته الشاذة في الحياة، ولغته كبديل للغة الدين العربية، ومما يندى له الجبين انه في بلد كبلدنا اليوم يتم التحول من العربية إلى الفرنسية في النظام التعليمي الذي يربي الأبناء، وتفرض الفرنسية كلغة إدارة حتى يحرم كل من خولت له نفسه التمسك بلغته التي هي وسيلته إلى دينه من قوته عقابا لوالديه على تدريسه العربية!

وآخر تلك الحيل الإستعمارية حيلة الديمقراطية، فإسلامنا يحوي كل إيجابياتها بل هو أفضل منها في مجال الإنتخاب (إختيار الحاكم مثلا)، فالإنتخاب يكون بالشورى، فلا يختار المراهقون راقصة أو مغنيا أو من يدفع لهم أكثر أو يطربهم في الملعب الأولمبي، بل يختار العدول من أهل الصلاح والتقوى أنفعهم وأصلحهم للحكم وإعلاء كلمة الله، وهذا ما جرى في الخلافة الراشدة، أما بعد ذلك فقد تنبأ الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه "حكم عضوض"..

والأخلاق الإسلامية أفضل من الأخلاق الديمقراطية المبينة على المنافع المتبادلة وحدها، فالإسلام يدعو إلى ما فيه الخير فقط أما الديمقراطية فقد تهتم بالنزوات الحيوانية، وتراعي الأنانية في كثير من الأحيان.

والنظام الديمقراطي يتيح لمن لا يرجو لله وقارا أن يكون حاكما للمسلمين، وقد يعمل على إغلاق المساجد أو السجن على مد اللحية، أو فرض التكشف على النساء، أما النظام الإسلامي فلا مكان فيه لغير المتقين العدول المصلحين..

وليس الخروج على الحاكم – بالمناسبة – من الإسلام في شيء، بل الأحاديث الصحيحة تحذر منه، وكل من خرج فهو متشبه بالخوارج مثل تنظيم القاعدة – إن كان أصلا موجودا فقد لا يعدو كونه حيلة غربية لإحتلال بلاد المسلمين، والتشويش على الإسلام في مجتمعاتهم – أو غيره من التنظيمات، والحركات الشبابية الساخطة التي غرها فيس بوك التعيس، فالحاكم لن يدوم في الحكم، وكل ما يجري على المسلمين مقدر عليهم لا ينفعهم الصياح ولا النباح في المظاهرات، وإذا أراد الله عودة بلداننا إلى قوتها فلن يعجزه ذلك، وعلينا في سبيل ذلك العمل على العودة إلى الدين الحقيقي المهجور فهما وتطبيقا، فمن جهة الفهم يعتقد البعض أنه يعبد الله، وهو غارق في البدع لا يخشى أن يتحول عمله إلى هباء منثور يوم يكون في أمس الحاجة إليه.

أما التطبيق فقليلون هم الذين يطبقون تعاليم الدين في أنفسهم إذا باعوا واشتروا، وإذا رأوا المنكر، حتى أن بعض العلماء يعرف أن الطريقة الفلانية مبنية على جرف هار، ومع ذلك يضحك في أوجه أصحابها، ويعاملهم بتقدير واحترام بدل الإنتصار لدين الله والنصح لهم، يعتقد المسكين أنه إذا نصح لهم كان محاربا لهم وفقد أخوتهم وزبدتهم، وهذا هو الفخ الذي أوقعنا فيه الشيطان عندما أوهمنا أن الحوار يقود إلى الشجار، وأن إثارة البدع وغربلتها اعتداء على خصوصيات الغير وظلماته، في حين أن الدين واحد، على كل من فصله من على مقاسه أن يعلم أن تلك الدراعة قد تحترق عليه، أعاذنا الله وإياكم من النار..

فكل أمور الدين مما ليس محكما تقبل النقاش، ومناقشتها تحضر ووعي ورقي، أما التعصب للآراء والرجال والإنغلاق على النفس والجماعة، وعدم قبول حتى كلمة انتقاد فيهم فتلك حيلة شيطانية لصد ذلك المغتر عن الحق الذي قد يكون اقرب إليه من قاب قوسين، لكنه بتعصبه لأموات عاشوا كبشر وماتوا كبشر، ولما قرروه هم وأتباعهم من الأئمة المضلين المفسدين للدين، ضل وأضل بمنعه الحق من الإنتشار..

فمحاورة المخالف انتقاد لأفكاره لا لشخصه الكريم، فلنفهم ذلك، ولندع الحق يظهر للنور بمحاربتنا للصمت الكئيب الذي يخيم حتى على العلماء، فالكلام لا يعني الغلط في الآخر، بل بالحكمة والموعظة الحسنى نكمل جميعا ما ينقصنا في ديننا الذي هو أهم شيء عندنا، ونقترب من السلامة .. 

سيد محمد ولد احمد

[email protected]

30. يناير 2014 - 13:57

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا