مسار التهافت ..(1) / سيد الأمين ولد باب

altأهداني أحد الأصدقاء ـ يوما ـ كتاب "تهافت الفلاسفة" لحجة الاسلام الغزالي ، تعبيرا منه عن استهجانه لإعجابي بالفلسفة ، فلم يكن أمامي إلا أن أشكره علي هديته الثمينة ،وما كان مني إلا أن سألته هل سمعت بكتاب "تهافت التهافت" للفقيه والمفكر والفيلسوف الإسلامي ابن رشد ؟ قال نعم ، قلت : هلا أتبعت تهافت الفلاسفة .. بقراءة تهافت التهافت ..هكذا فإن مسار التهافت.. غالبا إلي تهافت ، لأن النقد غالبا يكون متأثرا بأحوال ذاتية تدفع به إلي التهافت في نهاية المطاف.

ينطبق ذلك الأمر في هذه الأيام علي سعي الدكتور الشيخ ولد حرمة ولد ببانه المحترم ، إلي نشر سلسلة مقالاته المعنونة ب" نحن والمسار الحانوتي " والحرص علي انتشارها بشكل واسع ، كأنها هدية سخية إلي القارئ الكريم ، وبعد نضج هذا المسار الحانوتي الساعي إلي بيان تهافت النظام القائم، ووفشل عمله السياسي ، وبعد اتضاح مرتكزات هذا المسار وأهدافه ، وغياب مبرراته !! ، بعد الحلقة الثالثة، المعنونة (بالحكم القبلي) أصبح من الواضح إلي أين يتجه هذا المسار الحانوتي . إنه يتجه إلي التهافت ، أي تهافت التهافت .ويمكن أن نجمل نقاش المسألة في خمس عناوين أساسية، وذلك علي النحو التالي:

 

إثارة النعرات القبلية وتأجيجها

 

تعتبر إثارة النعرات القبلية ، أكبر خطيئة يمكن أن يرتكبها أحد في وطنه ...وأنتم أيها المحترم ، تعرفون ذلك جيدا ، لذلك ولشدة إمعانكم في شتمتم الرئيس محمد ولد عبد العزيز وصفتموه بالداعي للقبلية المكرس لها ، وذلك في قولكم :(الحكم القبلي) ! الذي عنونتم به مقالكم الأخير، مبررين إقدامه علي ذلك ، بقولكم :(لإطالة عمر حكمه الأئل إلي الزاول)!، ومقدمين دليلكم علي ذلك في جرد بعض المناصب في الدولة يتقلدها رجال من أبناء عمومة الرئيس !!. اسمحوا لي أيها المحترم ، بأن أبين تهافت ما ذهبتم إليه .. تعلمونه ـ أيها المحترم ، وأنتم تعلمون ـ أيضا ـ بأن الدولة في العصر الحديث لا يمكن أن تقوم علي عصبية القبيلة ، ولذلك لم نسمع الآن في العالم كله : بدولة بني فلان ، ولا دولة الفلانيين ،لذلك فأنتم تعلمون ـ كما يعلم الجميع ـ بأن ما قلتم عن محمد ولد عبد العزيز ، وما وصفتم به الحكم ، هو باطل ،باطل ، باطل ؛لأن المنطق يكذبه .

أما الدليل الذي قدمتم لتدعيم رأيكم بهذا الخصوص ، فهو أشد تهافتا ؛ ذلك أن مجرد تعيين بعض أقارب الرئيس في مناصب مهمة ... ليس دليلا علي تكريس القبلية ؛ وإن بحثتم بموضوعية عن أسبابه ، ستجدون له خلفية غير تلك . حتي ولو كان العنصر القبلي حاضرا فيها ، فإنه ليس هو السبب الرئيس والفاعل في المسألة . فمثلا قد تكون الثقة فقط بالاضافة إلي الكفاءة والخبرة هي أساس تلك التعيينات .. وهذا مبرر جدا لضرورة حماية أمن البلد ، واستقراره .

مبرر جدا أن يتفرغ الرئيس لبعض شأنه ، بعد أن يطمئن علي استمرار العمل ـ كما ينبغي ـ في جوانب أخري مهمة جدا .

فأن لا يلتفت الرئيس إلي ما أسند إلي أولائك الرجال .. لأن خيانتهم في تلك المهام ، لأي سبب كان هو أمر مستبعد ،لما سيسبب لهم ولقبيلتهم من السب والشتم ، وما سيلحق بهم جميعا من العار ، فهو أمر جيد يبعث علي الطمئنينة ، لأن ما لايمكن للرئيس القيام به لوحده ، وجد من يعينه عليه بكل صدق وإخلاص ، دون أن يتخذه ورقة ضغط عليه ، وحينها سيحسن الرئيس التفرغ لأشياء أخري .

إن طمئنينة الرئيس ، بعدم حصول الخيانة في المناصب الحساسة ، مستندا في ذلك إلي العنصر القبلي ، لا حبا له ،بل سعيا لضمان أمن واستقرار البلد ،الذي هو مسؤول عنه بين يدي الله ـ غدا ـ وأمام شعبه ـ اليوم قبل غد ـ هي أمر ضروري ، ولا يعني هذا أن الرئيس لا يثق إلا في أقاربه ، لا بل إنكم تعلمون جيدا أنه شديد الثقة في من هو أهلها ، وشديد التمسك به ..واستناده إلي العنصر القبلي هنا ـ كما تزعمون ـ هو أمر مبرر جدا ، لأننا نري ، بأن مجرد الثقة ولو كانت زائدة ، لا تضمن عدم خيانة الموثوق به للواثق فيه، والأدلة كثيرة .. ولسنا بحاجة إلي تبيان أسباب الخيانة : الأنانية وحب المصلحة الشخصية (المادية بالخصوص)،والسعي إلي تحقيقها ، ولو بأي ثمن.

لذلك كان العنصر القبلي الذي يضع الطرفين.. أمام مصير واحد .. هو الضمانة الإضافية ، لعدم تهديد أمن البلد من خلال مراكز حساسة ، ووظائف مهمة ، قد يعبث بدورها ، حب المصلحة الشخصية ..ولستُ بحاجة إلي إعطاء نموذج ، لعله قريب منا .

لوأن أي قائد ،لأي بلد أخذ علي عاتقه التزاما بعدم تعيين أقاربه في المراكز الحساسة .. لكان ذلك ورقة قوية يتمتع بها من يعينون في تلك الوظائف ، فسيكون ذلك الموظف ، في سعة من أمره : إن أراد فسادا في الأرض ، فليس لصاحب الشأن الأول في البلد أن يمنعه ، لأنه قادر علي إحداث ضرر أكبر من مفسدته ، وذلك من خلال الوظيفة الحساسة التي يشغلها . ولا ينفع في ذلك عزل الموظف وتعيين آخر ، لأن ما به به ، أي(من غَزية).

فأبناء العمومة ، لن يفعلوا شيئا من ذلك القبيل ، لأن المعرة ستلحق بهم وبمجتمعهم جميعا ، أما الآخرون ، فلن يلحقهم شيء مما يحدث ، لأن المسؤول الأول هو الرئيس .

لهذا فإن استناد كل القادة عبر التاريخ ،واتكائهم بمستوي معين علي العنصر القبلي ، ليس عيبا ، ولا مسعا قبليا ـ كما سوغتم ـ يا محترم.. واعذرني فهذه الحقيقة ، أصبح من الواجب تبيانها ، وليس بوسع ، أبناء أبي السباع أن يذكروها ؛ لأنهم ـ هنا ـ حسب تعبير البيظان : "ينواو"، أما إن وردت علي لسان غيرهم فلا بأس .

واسمحوا لي أن أسألكم ـ أيها المحترم ـ هل ستؤدي الدور المطلوب من حماية أمن الدولة،لو أسندت إليك المهمة ؟ وأنت الذي أدرت ظهرك لصديق له منة عليك..لمجرد أنه لم يُعِد تعيينك.. وهذا أمر عادي، فالديمقراطية تقتضي أن يعزل بعض الموظفين لفترة ، وأن يعين آخرون، لهم زمن طويل عن التعيين ،أو لم يعينوا بعدُ.

هل ستسلم أموال الصندوق الوطني للضمان الصحي إذا عينتم عليه؟ وأنتم الذين يقال: إن ميزانية وزارة الصحة في زمنكم لم تسلم ، وربما يؤكد ذكركم للصندوق الوطني للضمان الصحي بالخصوص ، ومعرفتكم بميزانيته، أن عينكم ـ أيها الوزيرـ كانت ترصد حركة الأموال في قطاعكم ... أسألكم ـ أيها الوزير ـ هل سبق العذل السيف ؟ هل سبق العزل نهاية خطة كنتم تنوون القيام بها ؟ إن كان ذلك فلا بأس ، خيرا حصل.

أخي الكريم : إن النظر إلي ذات الأشخاص ..دون التركيز علي الدور الذي يقومون به ، وذكر قبائل الموظفين ، وإظهار المفاضلة بينهم ، من خلال أهمية الوظائف التي يتقلدونها ، ولو افترضنا جدلا أنه صحيح ، فهو بكل تأكيد يعني إثارة التحيز القبلي ، والتضاد القبلي (النعرات القبلية) خصوصا إذا كان من شخص مهم مثلكم ،وهذا يعني أن الذي يسعي إلي انتشار النعرات القبلية في البلاد هو أنتم ـ أيها المحترم ـ ومن يسير في الطريق الذي سلكتموا ..وهذا ليس اتهاما عابرا ، بل عندنا الدليل الساطع عليه .

ألستم القائلون:".. فهو الرئيس الموريتاني الأكثر حديثا في مجالسه الخاصة عن القبائل.. (الفلانيين طلبه، الفلانيين ماهم ش، أنا لا أثق في أي شخص من الفلانيين.. الفلانيين يكفيهم أنني عينت منهم مديرا ولم يكن فيهم رئيس مصلحة....إلخ" .

دعني أيها المحترم أسألك من أخبركم بهذا ؟، أم أنك كنت تحضر مجالسه الخاصة ؟، وماهو السر الكامن وراء هذا التحول من الحب العميق إلي البغض القاتل؟.

إن محاولة تشكيك العامة في نوايا قيادتها ، بهذه الطريقة ، لا يهدف فقط إلي الإساءة إلي الرئيس ، بل يتعداه إلي إثارة غضب بعض القبائل.. وحينها تنقسم القبائل بين مناصر ومعارض ، فأي مصلحة في ذلك غير الفتنة ، أيها المحترم؟ . إن قولكم :(جيل ممن كانوا يلتقطون البعرة، أصبحوا يديرون المليارات والشركات والبنوك) معروف ـ أيها المحترم ـ من تعنون به .. وليس خافيا في قولكم :( والذي لم يجد لإدارة تجارته وثرواته وأمواله السائلة والمنقولة سوى جسر من رعاع الأنفس، الذين كانوا مضرب المثل في التسول على أبواب الشخصيات الاجتماعية) .

إن إطلاق هذه البذاءات ، وانتظار الرد عليها ـ أيها المحترم ـ هو في الأصل طريق إثارة النعرات القبلية ، حيث لن يقول أحد هذا كلام مقبول ، ولو افترضنا جدلا أنه صحيح ، وأن قائله كان صادقا في ما ذهب إليه؛ لأن البذاءات لا يشفع لها صدقها ،ولا ينمقها ويجعلها ذلك مقبولة ؛ يقول جل من قائل : " لاَّ يُحِبُّ الله الجهر بالسوء مِنَ القول إِلاَّ مَن ظُلِمَ" سورة النساء \الآية: 148 . ومن تعنيهم بهذا الكلام ـ أيها المحترم ـ لم يظلموك في شيئ . فماذا عساهم أن يقولوا وهم يسمعون بذاءات بهذا الحجم.. من شخص بهذا المستوي ؟..وماذا عساهم أن يفعلوا ؟.

أتراهم سيدي المحترم ، سيقعون في الفخ الذي نصبت لهم ( الرد بالمثل الذي ينجر عنه التحيز القبلي لكل طرف ). لا لا لا سيدي المحترم ، أنت مخطئ ، إن ظننت ذلك ، بل سيقولون: "دع العوجاء تخطأك"، وسيفعلون : الصبر. سيتلون الآية الكريمة "يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا" سورة النور\الآية: 28 . لقد صدق القائلون .. وكانت أخت هارون علي حق ، وصدق أولائك المبتلون الذين قلت في حقهم :" كون هؤلاء جيلا جديدا أكثر خطورة و دهاء في سرقة أرزاق الشعب و نشر ثقافة اللاثقافة و تشجيع اضمحلال الأخلاق و إبقاء موريتانيا في الحضيض".

لقد صدقوا هم أيضا..رغم ما بدر منك ..إذ لا يتجاوزك . وإنهم لصابرون ومكررون : إنا لله وإنا إليه راجعون ، لعل الأجر يثبت لهم ، ولإخوتهم ، في ما حل بهم جميعا من فقدانهم رجاحة عقلكم وبصيرتكم ، وإنه حقا لمصاب جلل ، لا تبرره مصلحة عامة، ولا شخصية .

أيها المحترم : إن سعيكم لإثارة النعرات القبلية ، الذي رأيناه في مجرد ذكركم لوجودها ، حتي ولو كان صحيحا ، ورأينا منكم انتهاج الطريق المؤدية إليه ، لا نتمني أن يحدث منه أي شيئ ،بسبب خطورته علي المجتمع كله ،ونسأل الله أن يبقي واقع كل هذه المجتمعات علي ماهو عليه ـ الآن ـ من التعاضد والتلاحم ، حيث تُقدِمُ كل جماعة ، الجماعات الأخرى علي نفسها ، في كل أوصاف الخير والفضيلة .

 

التحريض علي الفتنة

 

معالي الوزيز : تعلمون أن الطريق المؤدية إلي الحرب الأهلية ، هي التحريض علي الفتنة ، وتعلمون ـ معالي الوزيرـ بأن تبادل الشتائم ، إذا انتشر ظهرت النعرات القبلية ، وإن حدث ذلك ، كانت الفتنة (الحرب الأهلية) قاب قوسين أو أدني .

إن طلبكم من النخبة الفكرية أن تجرد أقلامها ببذاءات مثل ما أنت فاعل ـ الآن ـ هو بداية تبادل الشتائم ـ السابق الذكرـ وإن قولكم :" ألا أذكركم أن الصامت على الباطل شيطان أخرس" هوكلمة حق أريد بها باطل ، وأن قولكم : " أيها الزعماء الأجلاء، رموز الصمود و النضال في بلاد الرجال.. كفاكم مهادنة وعقلانية.. كفاكم أيضا من الصبر والحكمة والموعظة" هو كلام باطل أريد به باطل : إنه تحريض علي الفتنة واضح ،غير مستور !! يا أيها المحترم ، ما الذي حملكم علي هذا الكلام ؟ًًََ! أي مصلحة عامة يمكن أن تحصل علي إثر الفتنة ، والانقسام والتشرذم : جماعات وقبائل متناحرة؟ََ!!.

بالله عليك ،أخبرنا : أي مبرر لهذا الكلام ، وفي من سيؤثر:" لا تكونوا عامل تبرير، وديكور توظيفي في مشهد سياسي ملوث، كفاكم من سياسة التعازي، والقبول بالأمر الواقع وانتظار الفرج... لا تكونوا كما كنتم.. وإلا فإنكم وحاملها وبائعها و شاريها وشاربها واحد) . أليست السياسة ـ أيها المحترم ـ مواقف ، فإذا كان موقفي ـ مثلا ـ دعم النظام ، وموقفك معارضته ، فبأي حق تناديني وتطلب مني أن أتبني موقفك ، ولست أنا أنت ولا أنت أنا ..أليست هذه هزلية واضحة ، سقطتم ـ أيها المحترم ـ في أوحالها؟!!، وإذا كنتُ معارضا ، ولكنني لا أتكلم إلا حين يكون الكلام هادفا وبناءا (النقد الموضوعي ) ، فهل سيخرجني عن عادتي المحمودة ، لهيب نار موقودة ،يعلم العاقل أنه، إن لم يسع إلي إخمادها ،ستلتهمه ومن حوله ، فبأي منطق يساعد في انتشار لهيبها ؟.

إن لم تكن تريد بهذا الكلام وبغيره التخطيط لحرب أهلية ، فما الذي تريد به؟، أليست فكرة التخطيط لحرب أهلية ، حاضرة بشكل فعلي في مسارك الحانوتي هذا ، ألم تقل :" فما الذي يخطط له أباطرة النظام؟ أهو حرب أهلية تخفي الجرائم التي يجري تنفيذها منذ خمس سنوات، تطمس بذلك آثار النهب الذي تتعرض له ثروات البلاد؟) .إن هذا التساؤل غير بريء ، يشي بأن صاحبه هو من يخطط .. لكنه لم يوفق في تلفيق المسألة علي النظام ، لما سوغها بطمس جرائمه!! .

إن هذا التسويغ مضحك جدا ، أليست الحرب الأهلية أبشع جرما من أي شيء غير لائق قد يقوم به أي نظام ؟! من تريد أيها الوزير أن يسمع هذا الكلام ؟ بأي منطق يمكن أن نستسيغ هذا التبريرالعجيب ؟! النظام يشعل حربا أهلية ، ليغطي بها علي نهبه للمال العام !! أنت تعلم ـ أيها المحترم ـ بأن نهب المال العام كان إلي عهد قريب مفخرة فينا . صاحبه في أدبياتنا الشعبية"أفكراش" وهذا الرئيس هو من جعله حراما ، تري إذا رجع الرئيس عن قراره وأباح أكل المال العام ،ولو لنفسه فقط ، فهل في ذلك من بأس يدفعه إلي تأجيج الحرب الأهلية للتغطية عليه ؟، ألا يكون قد حصل فقط علي لقب "أفكراش "التي مازالت لحد الساعة عالقة بأذهننا عن من ينهب المال العام ؟، فأين مبرر الحرب الأهلية إذا؟!.

أم أنه قياس ـ مع شدة الفوارق ـ علي ما فعل صاحب حانوت أدويره ـ الذي جنت منك معرفته أكثر مما كسبت من خلالها ـ أيمكن أن نُسقط حالة فردية .. بهذه الطريقة علي مسألة مجتمع وأمة بكاملها ، أي منطق هذا ؟!. كلام يحتاج إلي تصويب

قلتم يا معالي الوزير:" انتبهوا ليومكم، فلا تغرنكم حصيلته... انتبهوا لغدكم و إلا فإن أمامكم خمس شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون... من كرامتكم و مصداقيتكم...." .

عندما يطلق المرء الكلام علي عواهنه ، يصبح ما يقول فاقدا للمعني ، فالناس الآن بخير ، وسيزدادو خيرا في الفترة الثانية من حكم محمد ولد عبد العزيز إن شاء الله .أم أنكم تعني ، الذين حصلوا علي أموال مغلولة وعزلوا ، فلا يغرنهم كثرة ما غلوا ، لأن خمس سنوات قادمة من التهميش كفيلة به، صحيح .

وأما الكرامة فما الذي تبقي منها بعد الغلول.. غير الشعور بالاشمئزاز من تناول موضوع خطير ، ولم يمنع ذلك الإشمئزاز من إثارته !!، قلتم:" إنني أشعر بالاشمئزاز عند تناول هذا الموضوع " .

والبحث عادة لا يكون إلا عن المفقود ، وها أنتم تعترفون بأن الكرامة مفقودة ، قلتم :" البحث عن الكرامة الوطنية في هذه التلال أصبح مستحيلا في هذا الظرف ". إن طرق الخير ميسرة ، وسبل الكرامة مفتوحة والدين الإسلامي خير شاهد علي ذلك . فما الذي جعل البحث عن الكرامة مستحيلا؟!! ، أم أنكم لم تبحثوا عنها حقيقة ؟!!.

أما تحميل شخص واحد في البلد ـ مهما كانت وظيفته ـ مسؤولية وجود ظاهرة: إجتماعية ،أودينية ،أو فكرية ، فهو اكتشاف وإبداع ، نحتاج إلي تقديم معلومات كاملة عنه !!.

 

تجاهل الحقائق

 

معالي الوزير : لقد تجاهلتم بعض الحقائق التي لا أحد يفهمها أكثر منكم ، فقولكم :" عبثية "حوانيت أمل"الهزيلة المهينة" يعني التنقيص من أهميتها ، وأنت تعلم مدي تلك الأهمية، خصوصا عند الفقراء من الناس ، والناس يعرفون ذلك ، فهل نجوت بهذا القول من تهمة تطمس الحقيقة ؟، أم أنك ـ معالي الوزيرـ تتحدث من موقعك ؟ إن كان الأمر كذلك، فأنت علي حق.

أما قولك :" نحن هنا أمام واقع مر ومرير، أمام أمة تباع مصالحها بالجملة والتجزئة.. حتى بطاقة الهوية الوطنية دخلت مزاد الاستثمار الفردي، بأبشع صورة تقع عليها العين". فهو تنميق لا بأس به ، لكن لأي مضمون ؟ ألا يتعلق بالتعويض عن بطاقات الهوية ؟ فلنقف علي هذه المسألة بشيء العناية .

أنتم تعرفون جميعا أيها القراء الكرام ، وأنت معالي الوزير ، بأن الائشمئزاز من التعويض عن بطاقة التعريف يعود إلي أنها كانت مجانية ، ولكن أي بطاقة مجانية هي ؟ كرتون ورقي لا يكلف شيئا ، ولا يسمن ولا يغني من جوع ، ثم إن الحاجة إليه ليست كثيرة ، لأنه لم يكن هناك أي شيء مقنن. لذلك كانت مجانية ، ولذلك شنع البعض التعويض عنها الآن.

دليل ذلك أننا لم نسمع باشمئزاز من التعويض عن جوازات السفر، رغم أنهم أغلي ثمن . ذلك أنها لم تكن مجانية ، وأنها ضرورية للسفر ، أو ليست بطاقة التعريف مثل الجواز ؟ بلي ولكن الحاجة إليها لم تكن ماسة ، ولو بيعت في الأزمة الماضية بأوقية واحدة ، فلن تجد من يحوزها ، أما الآن فإنها أصبحت ضرورية ، للقيام بأي عمل ، أهميتها تفوق أهمية الجواز ، فهل يجوز أن ننزعج من التعويض عنها بألف أوقية ، ندفعها ـ يوميا ـ في ما لا يسمن ولا يغني من جوع (بطاقات التزويد).

إن ما يسميه البعض بيع أوراق الحالة المدنية : من بطاقة التعريف ، ومن عقد زواج ، وعقد ازدياد ..ومضاعفة التعويض إذا تأخر عن وقت محدد ، لا يخلوا من حكمة ظاهرة ، قد تخفي علي الأمي ،أما المثقف الحاذق فلن تخف عليه .

تعلمون جميعا بأن حالة الشعب الموريتاني البدوية ، الطاغية علي أغلبه حاليا ، تسبب الكثير من التهاون بالأوراق ،وعدم الاهتمام بها ، حتي إن الابن المترشح .. لا يسوغ عند بعضهم ضرورة امتلاكهم للأوراق ..فهذا التعويض ، الأولي العادي عن الأوراق ، يجعل الأمر محاطا بجدية جديدة ، استوجبت الدفع مقابل الأمرالتافه(الأوراق الثبوتية) مبلغا ماديا .

إذا هذا التعويض لامتلاك الأوراق يكتسي طابعا جديا ، لكنه لم يعد يكفي هذا المجتمع البدوي ؛ لذلك وتفاديا للتهاون بها ، تم تحديد وقت معين ، تزداد بعده تكلفة متلاك تلك الأوراق ، فعندما يدفع المرء مبلغا كبيرا ـ مثلا ـ للحصول علي أوراق تأخرت عن وقتها ، فإنه مستقبلا سيحافظ علي أن يحصل عليها في وقتها بتكلفة عادية ، وعندما تنتشر ثقافة امتلاك أوراق الحالة المدنية في وقتها ، وتنضبط كل الأحوال ،بسبب الخوف من التكاليف ، سترون أن فرض تلك التعويضات كان أمرا حكيما للغاية ، وسترون أنه بإمكان الدولة أن تنهيه برسوم رئاسي ، عندما تطمئن علي أن الحاجة إليه لم تعد قائمة.

وسترون أن ذلك سيكشف بكل وضوح عن زيف ما يذهب إليه البعض ، من القول بالإتجار بالأوراق الثبوتية . إن هذا ليس تحليلا كاذبا ، بل هو الحقيقة ، لكن الدولة ليست مجبرة علي أن تبرر كل ما تقوم به ،وعدم تبريره ليس مبررا لتجاسر العارفين بالمسألة ..علي هيبة الدولة وكرامتها .

 

أدلة علي عدم الصدق

 

معالي الوزير اسمحولي بأن أقول بحسن نية أن كل ما ذهبتم إليه طيلة المسار الحانوتي ليس صحيحا ، والدليل علي ذلك هو أن أشد الأمور حساسية ، وأخطرها ،والمحاطة بسرية كاملة ـ حسب تعبيرك ـ تُقدِم إلينا مضامينها بالتفصيل!!. ، ولم تكن ضمن الجالسين لأجلها ، ولم تعطنا اسم من أخبرك بالأمر الذي وصفته بشديد السرية ، فما معني ذلك ؟ ألا يمكن أن نقول ـ هنا ـ بأن التحفظ علي مصدر المعلومات في هذه الحال، لا يخدم القضية (الحقيقة) ،وأنه لاغني عن التعريف به للتأكد من الحقيقة؟ ،حيث يحتاج الأمرإلي أكثر من ذلك ، إلي أدلة ؟.

معالي الوزير، قلتم:" يردد الرئيس أمام بعض الخلصاء من أقاربه أنه لأول مرة في موريتانيا يتولى منصبي "رئيس الجمهورية" و" رئيس مجلس الشيوخ" الذي هو بمثابة نائب رئيس الجمهورية". فأي من هؤلاء الأقارب والخلصاء أوصل إليكم النبأ؟!

وقولكم :" كم هي الشحنة التي تحملها طائرة خاصة كل أسبوع.. وسط طوق من السرية لم تشهده أي منشأة في البلاد؟"ََ!!. بكل اختصارهذا السياق لا يشي بصدق الأخبار التي تنشرونها.

والآن ـ أيها المحترم ـ إن الاعتراف بالخطأ فضيلة ، ليس عيبا ، بل العيب يكمن في التعالي علي الحق ، والإنهماك في الباطل ، لا أحد يستطيع أن ينكر عليكم الموقف المعارض للنظام ، لأنه خيار ، وكما اختار البعض من الأطر مساندة النظام ، يحق يحق لغيرهم معارضته ، لكن هذه المعارضة يجب أن تكون سليمة ، ليس بالضرورة أن تكون معارضا خاملا ، لكن النشاط الذي يتجاوز كل الخطوط الخطيرة هو أمر يعاب علي الجاهلين ، فما بالك بمن هو في مثل مستواك العلمي ، والعائلي السامي؟.

أظنني قسوت عليكم ـ أيها المحترم ـ لكن يعلم الله ، أني لا أريد إلا خيرنا جميعا..جميعا ، لا أريد إلا أن تبقي ، كريما معززا عند من لا يعرفك إلا من خلال قلمك، وأن تبقي سياسيا ناجحا : في النظام مستمتعا ، أوفي المعارضة صابرا ، إن كان مقياس النفع السياسي هو مادي صرف ، أو مرتاحا ومستمتعا في النظام أوالمعارضة إن كان للنفع السياسي مقياس معنوي (بناء الموقف.. علي القناعة).

والله أسأل أن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه ، وأن يسلك بنا جميعا سبل الخير والرشاد ، وأن يمتعنا جميعا بالخير والعافية ، في بلد مستقر وآمن غوائل الفرقة والاختلاف .

 

31. يناير 2014 - 21:59

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا