كلنا أمل في أن تعود موريتانيا إلي سابق عهدها ، همزة وصل بين إفريقيا والوطن العربي. وأن تتبوأ مكانتها اللائقة كأرض المنارة والرباط وبلاد المليون شاعر ودولة الشناقطة الذين نشروا رسالة التوحيد وعلومها وقيمها الحميدة في جميع أصقاع القارة ،وتركوا رصيدا كبيرا من التقدير والإعجاب
ونسجوا أواصر المحبة والأخوة مع أبناء قارتنا السمراء . وقد سار المرحوم الأستاذ المختار ولد داداه علي طريق الأجداد وعزز الثقة بالبلاد ورفع رايتها في المحافل الدولية حتي أصبح اسمها أكبر من مسماها ، مما جعل البعض ينتقده باعتبار أن جهوده الخارجية أخذت الكثير من نصيب التنمية المحلية والمشكلات الداخلية ومع ذلك كان لموريتانيا ما تفخر به وينال مواطنوها بسببه التقدير والإحترام ثم تراجع الأداء الخارجي وسقطت البلاد في مستنقع الإنقلابات والصراعات العقيمة وهاهي القارة الإفريقية تمنحنا الفرصة من جديد.
فهل لهذه الخطوة تبعات ؟ وهل النظام مؤهل للقيام بالدور التاريخي للشناقطة؟ أم أن البلاد ستدفع فاتورة مالية وأمنية مرتبطة بأجندة إفريقية وخارجية ؟ بعبارة أخري هل لهذه الرئاسة من معني ؟
((فقد كان هدفى الثابت منذ 1957 وحتى 1978 أن تصبح "موريتانيا موحدة ضمن إفريقيا موحدة". فموريتانيا التى تمثل صورة مصغرة لإفريقيا السوداء والبيضاء وحلقة ربط بينهما، لا يمكن أن تؤدي دورها الكامل الذى منحته لها الجغرافيا والتاريخ والثقافة إلا إذا كانت موحدة داخل إفريقيا موحدة كذلك.)) المرحوم الأستاذ المختار ولد داداه (من مذكراته).
تمثل موريتانيا اليوم بضابط في الجيش الوطني كان يعمل قائدا لحرس عقيد آخر جاء إلي السلطة بانقلاب علي انقلابي آخر ضمن سلسلة من الإنقلابات أوصلت 6عسكريين إلي رئاسة الدولة خلال 36 عاما، انحرف فيها مسار الدولة وتوقف مشروعها النهضوي ودخلت البلاد نفق الصراع علي السلطة.
رئاسة الإتحاد الإفريقي تسلمها ذات الجنرال الذي اتخذ الإتحاد نفسه قرارا بتجميد عضوية البلاد بسبب انقلابه علي الشرعية .
ويعد اتفاق دكار وثيقة سياسية هامة بالنسبة للإتحاد سمحت للبلاد باستعادة عضويتها والزمت الفائز بالإنتخابات من الطرفين بتنفيذ بقية بنودها المتعلقة بالسماح للطرف المعارض بالمشاركة السياسية علي أساس حوارات جديدة ولكن الرجل الفائز والمتوج برئاسة الإتحاد تنكر لذلك الإتفاق وأجبر معارضيه علي عدم المشاركة في انتخابات بلدية وبرلمانية في سابقة خطيرة علي مستقبل الديمقراطية .
الإتحاد الإفريقي يعبر عن معنيين متناقضين :
المعني الأول لتتويج موريتانيا رئيسة للإتحاد ينصرف إلي مكانة البلاد التاريخية وعطائها المعرف جدا والذي يقدره الأفارقة ولم يجد ولد عبد العزيز بدا من الإشارة الواضحة إليه وكأنه يؤكد علي هذا المعني الذي يسمح لبلاده بترأس الأفارقة .
المعني الثاني لرئاسة الجنرال محمد ولد عبد العزيز يضرب عرض الحائط بمقررات ومواثيق الإتحاد الإفريقي ويتعارض مع توجهاته الداعمة للديمقراطية وللحكم الرشيد في القارة الإفريقية ويشجع الإنقلابات ويكرم الإنقلابين ويبعث برسالة طمأنة إلي الضباط الأفارقة الراغبين في الإطاحة برؤسائهم والإستحواذ علي السلطة وتهميش معارضيهم وتبديد ثروات شعوبهم.
لابد إذا أن الإتحاد الإفريقي أقدم علي تلك الخطوة تحت ضغط عوامل داخلية وأخري خارجية .
العوامل الداخلية مرتبطة بغياب أبرز القادة في المغرب العربي نتيجة ظروف بلدانهم (ليبيا ،تونس، الجزائر والمغرب) ولم يبقي سوي موريتانيا المدعومة بأموال الخليج العربي (السعودية والإمارات والكويت) في سعي من هذه الدول لتمكين نظام ولد عبد العزيز كخطوة أولي نحو الإعتراف بانقلاب مصر ومشيرها(السيسي) الذي سلك طريقا مشابها لجنرال موريتانيا.
كذلك يمكن أن نلاحظ عدم رغبة أغلب زعماء القارة السمراء في ذلك التكليف لأنه يزيد من الأعباء المادية علي دولهم ويشغلهم عن التصدي لمشاكل بلدانهم الداخلية ويجلب لهم توترات في العلاقات مع بعض البلدان التي تفرض عليها مواثيق الإتحاد عقوبات ملزمة للرئاسة.
أما العوامل الخارجية فلعلها معلومة بداهة من تثمين فرنسا لرئاسة الرجل وتهنئتها له وحرص الغربيين علي دفع القارة إلي اتخاذ إجراءات أكثر صرامة نحو منع هجرة الأفارقة إلي أوربا والتصدي بقوة للتنظيمات الجهادية خاصة في الدول الإسلامية وربما لدي فرنسا طمع في جر الجيش الموريتاني إلي الدخول في مواجهة مسلحة مع تنظيم القاعدة في شمال مالي الذي تقول آخر الأخبار إنه أعاد تنظيم صفوفه أمام عجز الماليين أو عدم جديتهم في حربهم معه .
ولكن ماذا لو أراد رئيس الإتحاد الإفريقي محمد ولد عبد العزيز أن يستلهم بحق خطوات المرحوم الأستاذ المختار ولد داداه الأب المؤسس(مع بعض نظرائه) لمنظمة الوحدة الإفريقية؟
أترك لكم و لقادم الأيام الإجابة عن هذا السؤال!