عجيب أمر البعض من هذا الشعب، يتباكى على برلمان انتهت مأموريته و يعلل النحيب بأن كان من ضمن تشكيلته من دعاهم "المشاغبون" و كأنما كانت مهمتة هؤلاء مقتصرة على الأداء المسرحي لا غير و يتقاضون عليه رواتب مريحة فوق التصور.
و غريب أمر البعض الآخر الذي كان "يرى" بشكل "أعمى" أن البرلمان المنصرم أدى مهمته على أكمل أوجه الديمقراطية بحيث أضفى على الدولة المصداقية و هيأ للحكومة سبل العمل البناء من خلال سن القوانين المواتية و المصادقة لها على تنفيذ عملها المستمد أصلا من برنامج رئيس الجمهورية الانتخابي.
ثم عجيب في مقام وسط "لا مشاغب" و "لا أعمى" صمت الرافضين للانصياع و لطأطأة الرؤوس بالقبول دون الإقدام على إسماع أصواتهم و من فوق مختلف المنابر المتاحة من تلفزيونات و محطات إذاعية و مواقع الكترونية و صحف و شبكات تواصل اجتماعية و غيرها الكثير من الوسائط التي أخذت تقذف بها حمما تكنولوجيا التواصل و المعلومات المتفتقة عن وعي كسر كل القيود الجامدة.
و هي الفئة التي بقدر ما لم تر لأداء ذاك البرلمان، باختلاف تشكيلاته و باستيفائه مدته كاملة أو تزيد لما كان من أزمات سياسية مرحلية و هفوات ديمقراطية سجلها الواقع على استمراره و علاته، أي وقع سياسي على المسار العام، و لا تعقد كبير أمل على البرلمان الجديد الذي عقد أولى جلساته في بحر الأسبوع المنصرم و إن للتعجيل بالمصاقة على مشاريع قوانين لا تحتمل كثير تأجيل بدافع ضرورات التنمية المتعثرة.
و ما بين متباك على الماضي الحاضر بكل تفاصيله و الحاضر الماضي بكل تجلياته يجد المواطن، المنشغل بهمومه التي لا تعرف التراجع و بضبابية مسار البلد السياسي التي لا تنقشع عنها سحب الغموض و دخان الخلافات المزمنة، يجد إذا هذا المواطن المرتبك نفسه في حيرة من أمره، يساوره ألف شك و شك، في حصول انتقال إلى مرحلة تنبئ بالتغيير و لو جزئيا إلى ما يسكت عليه و تعقد عليه الآمال عريضة في مدارك التعاطي السياسي الخالص لدى المنشغلين في حقله و مؤشرا على قيام تعاط جديد يسجل للبلد نموا في رحاب الدولة المضبوطة المسار بحكم القانون.
فهل يحمل مرة أخرى النواب الجدد إلى قبة البرلمان كل سلبيات المجتمع علما بأنهم إفراز عقليته و ممارساته، من قبلية و جهوية و فئوية و طائفية و من كبر و استئثار تماما مثل ما فعل الذين سبقوهم و إن بمساندة أطر تنظيمية تتمتع في أغلبها بمنعة التجربة عبر الزمن و رمزية القيادات؟
و هل يدخلونه رغما عنهم كالمورثين بكل سلبيات أنظمة الدول التي بدأت مشوارها في دورة التحديث منذ سنوات استقلالها الأولى على وقع الأحكام الاستبدادية و هيمنة الحزب الواحد و من بعدها الإحكام العسكرية و دكتاتوريتها مع موجة الانقلابات التي أعقبت فشلها فجاءت أسوأ بديل لكرست نهب الممتلكات العمومية و تفشي ضعف ما كان من الفساد في سوء التسيير و تكرس أكثر قهر و إذلال المواطنين؟
هي إذا وضعية نفسية قائمة على خلفية عقلية موغلة في القدم مرتكزاتها و تتجلى في أبشع صور التعامل مع الدولة كيانا بأن لا تؤثر فيها و مع المواطن رعية تبرر استمرارها.
و مهما يكن من أمر فإن البرلمان الجديد الذي تشكل و البلاد تواجه تحديات جسام و طارئة أفرزت البعض منها مستجدات خطيرة تخطت الحواجز و الخطوط الحمراء التي ما كان لأحد أن يجرؤ عليها في هذه البلاد المتفردة بوحدة المعتقد و المذهب مهما كانت حدة الخلافات الاجتماعية و قوة التباينات السياسية.
فهل تهيئ للبرلمان الظروف المواتية في قضية الشاب الذي أساء إلى نفسه و عرض الدين لمخاطر مجازفة كانت مع ذلك كل الفجاج إلى طرقها و النضال في شأنها متعددة بعيدا عن المساس به إن لم يستعن به دينا قيما و فيه كل الحل إذا استقصيت و تدبرت معالجاته الإلهية لكل قضايا الإنسان و أخذت تأويلاته إلى وجهاتها و مراميها الصحيحة و لن يكون بد من أن لا يحصل ذلك و إن طال بذلك الأمد قليلا؟
و هلا يحاكم الشاب على ملئ في تحكيم عادل و مطلق للمسطرة الشرعية للبلد و بعدما يكفل له الدفاع المناسب فيها دون أن يكون في ذلك شطط و حتى تأخذ العدالة المجردة مجراها فينال الجزاء الذي يستحق فيما ذهب إليه و يكون عبرة لمن لا يرعو و لا يعير للثوابت ما يجدر من الاهتمام الذي تستحقه ضمانا للاستقرار و التوازن.
و لكن قبل ذلك و البرلمان قد التأم و باشر عمله بافتتاح أولى جلساته، فهل تسن و تضبط و تهيأ القوانين الردعية الصارمة المستمدة من شرع الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه في أمور الدين و المعتقد فيناقشها و يصادق على متونها بهدف حماية المعتقد و حتى لا تعطى من بعد الحجة لأي كان ليتجرأ على غير هدى و إتباعا لأهواء الشر فيخوض في ثوابت الأمة و على رأسها محبة منقذ البشرية من غوائل الضلال و الهادي إلى سعادة الدنيا و الفوز في الآخرة محمد صلى الله عليه و سلم؟