ألم يحن الوقت لضبط الفتوى وتحسين أداء لجنة الأهلة؟ / محمد الأمين الفاضل

من الأمور التي تشوش علينا نحن عوام المسلمين في هذه البلاد، وتربكنا كل عام، هو هذا الخلاف الذي يتجدد دائما بين علمائنا وفقهائنا الأجلاء، حول صيام يوم عرفة إذا ما اختلفت رؤيتنا لهلال شهر ذي الحجة مع رؤية المملكة العربية السعودية، ومن الأمور المشوشة كذلك علينا نحن عوام المسلمين التشكيك المتكرر في بيانات لجنة الأهلة بعد صدورها من طرف أئمة ودعاة بحجة أن هناك رؤية سابقة تجاهلها بيان لجنة الأهلة.
الراجح أن هذا الخلاف حول صوم يوم عرفة، وذلك التشكيك في بيانات لجنة الأهلة، لن يتوقفا مستقبلا، إذا لم تضبط الفتوى، وإذا لم يُحَسَّن من أداء لجنة مراقبة الأهلة.
ألم يحن الوقت لضبط الفتوى؟
من المفارقات اللافتة أن الغائب الأبرز في الأوقات التي تتعدد فيها الفتاوى وتتنوع، هو الهيئة الوحيدة المخولة دستوريا للإفتاء في موريتانيا، أي المجلس الأعلى للفتوى والمظالم. صحيحٌ أن صفحة المجلس على الفيسبوك، نشرت هذا العام توضيحا بشأن صيام يوم عرفة، صادرا عن المجلس قبل فترة، حسب ما كُتِبَ في مقدمته، ولكن الصحيح أيضا أن هذا التوضيح كان هو الأقل تداولا في الإعلام وبين الناس، خلال الأيام الماضية. وإذا كان المجلس قد أصدر هذه المرة  توضيحا حول قضية أثارت ـ وما تزال تثير ـ نقاشا بلا أول ولا آخر، فإن الغالب على المجلس هو الغياب عن مثل هذه النقاشات الفقهية، وعدم الإدلاء بفتواه حول قضايا يكثر فيها الخلاف وتتعدد حولها الفتاوى، وهو إن أصدر فتوى عجز عن تسويقها وإيصالها لعموم الناس، وقد يتفوق عليه في هذا المجال شيوخ وفقهاء يتمكنون من إيصال فتاويهم إلى جمهور كبير مع أنهم لا يمتلكون مؤسسات ولا ميزانيات لإيصال فتاويهم إلى الناس.
من الواضح أن هناك خللا بيِّنا في ضبط الفتوى، وكذلك في إيصال فتاوى مجلس الفتوى والمظالم إلى عموم الناس، ولعل المثال الأبرز الذي يمكن تقديمه عن عجز المجلس في ضبط الفتوى، هو هذا الخلاف الذي تابعناه منذ أسابيع حول صوم يوم عرفة.
تقول المادة 94 من الدستور الموريتاني في فقرتها الثالثة: "يكلف المجلس الأعلى للفتوى والمظالم بإصدار الفتاوى، أي الآراء الفقهية، طبقا لتعاليم المذهب المالكي." 
ولتفعيل هذا التكليف الدستوري، ووقفا لتجدد الخلاف حول يوم عرفة كل عام، فإنه على المجلس الأعلى للفتوى والمظالم أن يجمع كل العلماء والمشايخ والفقهاء الذين عُرِفوا بالاختلاف في فتاويهم  حول تحديد يوم عرفة الذي علينا صيامه في هذه البلاد إن اختلفت رؤيتنا للهلال عن رؤية السعودية، أن يجمعهم، ودون أن يستثني منهم أحدا، لمناقشة آرائهم الفقهية المتباينة حول يوم عرفة، فيستعرض أصحاب كل رأي فقهي أدلتهم وحججهم، على أن يعتمد المجلس في ختام ذلك النقاش الرأي الفقهي الذي ظهر أنه هو الأرجح والأقوى أدلة، فيُعمم ذلك الرأي الفقهي ويلزم الجميع بالعمل به، ولا أظن أن أي فقيه من فقهائنا سيتعصب لرأيه الفقهي إذا ما ظهر له أن هناك رأيا أرجح  وأقوى أدلة، خاصة وأنه يعلم أن تمسكه برأيه الفقهي في هذه الحالة  سيؤدي إلى المزيد  من إرباك عامة المسلمين، وتعميق الخلاف بينهم، وهو ما سيستغله ـ وبكل تأكيد ـ أعداء الدين الذين لن يفوتوا فرصة أي اختلاف بين العلماء إلا واستغلوها للإساءة إلى الدين والعلماء.
إننا نرجو من علمائنا ومشايخنا وفقهائنا الأجلاء أن يوقفوا هذه البلبلة التي تحدث كل عام في ممارسة بعض الشعائر الدينية، وندعوهم إلى عدم منح المزيد من الفرص لمن يريد من بيننا أن يشوه هذا الدين العظيم ويسيء إلى علمائنا الأجلاء من خلال استغلال خلافهم في قضايا ما كانوا ليختلفوا فيها، كصوم يوم عرفة، لو أنهم اجتمعوا وناقشوا آراءهم الفقهية دون تعصب، واعتمدوا منها ما رأوا أنه هو الأقرب إلى الصواب.
ألم يحن الوقت لتحسين أداء لجنة الأهلة؟
في كل عام يتجدد الخلاف حول رؤية الأهلة التي ترتبط بها بعض العبادات والشعائر الدينية، ولذا فقد وجب إعادة النظر في تشكيل لجنة الأهلة، وفي أساليب عملها، حتى تكون قادرة على وقف هذا الجدل الذي يتجدد دائما مع أول يوم من أيام شهر رمضان، ومع يوم عرفة، وكذلك مع يومي عيدي الفطر والأضحى.
في سنوات خلت كانت لجنة الأهلة تعلن في بعض الأحيان عن أول يوم من رمضان في ضحى النهار بعد أن يكون الناس قد تناولوا فطورهم في الصباح، وربما أعلنته في الزوال، بعد أن يتأكد لها في وقت متأخر رؤية الهلال، وكانت في حالات أخرى تدعو الناس للإفطار بعد أن قضوا ساعات وهم صيامٌ في آخر يوم من أيام رمضان، ومما لا خلاف فيه أن ذلك كان يربك الناس كثيرا، ويظهر نوعا من الفوضوية التي لا تليق بلجنة من القضاة والعلماء تم تكليفها رسميا بمهمة جسيمة ترتبط بها عبادات وشعائر دينية مهمة في حياة المسلم.
ولوقف هذه الفوضوية، حددت اللجنة وقتا معلوما تستقبل فيه الاتصالات، ولا تستقبلها بعد انقضائه، ولا بعد أن تصدر بياناتها التي يبدو أنها لم تعد قابلة للتعديل، ومع أن تحديد وقت معلوم لاستقبال المتصلين قد حسن من أداء اللجنة، إلا أنه في المقابل أظهر مشاكل من نوع آخر، تتمثل في الأساس في أن البعض منا قد لا يبلغ اللجنة برؤيته للهلال إن رآه في الوقت المحدد لاستقبال الاتصالات، وينتظر حتى تنفض اللجنة من اجتماعها وتصدر بيانها فيتحدث في الوقت الضائع عن رؤيته للهلال، فيتلقف البعض من مشايخنا وفقهائنا تلك الرؤية، فيعتمدها وينشرها بين الناس محدثا بذلك بلبلة وتشويشا على عوام المسلمين، وربما يتحمس البعض في تسويق تلك الرؤية بسبب خلافه مع لجنة الأهلة أو بسبب عدم رضاه عن السلطة الحاكمة.
هنا لابد من القول بأنه لا مصلحة للجنة الأهلة، ولا للسلطة الحاكمة، في تعجيل رؤية الهلال أو تأخيرها، لا مصلحة لها إطلاقا في ذلك، ومن المؤكد أن تحديد اللجنة لوقت معلوم تستقبل فيه الاتصالات، وإصدارها لبيانات غير قابلة للتعديل بعد إغلاق المجال للاتصال، من المؤكد أن ذلك هو الأسلوب الأمثل الذي يليق ببلد مسلم تحكمه سلطة مركزية، يفترض في سكانه ـ كل سكانه ـ أن يصوموا في يوم واحد، ويفطروا في يوم واحد، ويؤدوا صلاة عيد الأضحى في يوم واحد.
نعم هذا هو الأسلوب الأمثل، ولكن هذا الأسلوب يجب أن تصاحبه جملة من الإجراءات المكملة، وذلك تفاديا لتكرار الأخطاء التي سُجلت في السنوات الأخيرة، ولعل من أهم تلك الإجراءات:
1 ـ إطلاق حملة واسعة لمدة أسبوع كامل قبل أي تحر للهلال، لتوعية الناس بأهمية المسارعة في الاتصال باللجنة لإبلاغها برؤية الهلال، وأن لا يؤخر ذلك الإبلاغ عن الموعد المحدد لتلقي الإبلاغات.
يمكن أن توحد خطبة الجمعة في الأسبوع الذي سيُتحرى فيه الهلال لتبيان أهمية الإسراع في إبلاغ اللجنة برؤية الهلال إن حصلت رؤيته؛
2 ـ حث الناس على المسارعة بالتبليغ بالرؤية إن حصلت يجب أن يصاحبه تحذيرهم من إفشائها بين الناس إذا لم يتم التبليغ اللجنة بها في الوقت المحدد لذلك، فعلى من لم يبلغ اللجنة برؤيته للهلال في الوقت المناسب لسبب أو لآخر، أن يعمل بتلك الرؤية ولكن دون أن يفشيها بين الناس بعد أن تكون اللجنة قد أصدرت بيانا لا يأخذ بتلك الرؤية، فذلك مما يشوش على الناس ويربكهم، ويبعث على الخلاف بينهم؛
3 ـ التعزيز من حضور ممثلي اللجنة في الولايات الداخلية، ومنحهم ما يكفي من وسائل لأداء عملهم على أحسن وجه.  
تنبيه : أعتذر عن تأخير نشر المقال المكتمل منذ فترة، وذلك بسبب الانشغال بمتابعة التطورات الأخيرة. 

 

حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين الفاضل
[email protected]

 

 

18. يونيو 2025 - 15:52

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا