يعمل النظام منذ بعض الوقت علي تهيئة الأوضاع السياسية للمرحلة القادمة من الإستحقاقات المحلية والخارجية وقد بدأ بالفعل في اتخاذ إجراءات وتعديلات وإبرام صفقات.. وبدورها تدخل المعارضة الوطنية مرحلة جديدة من التنسيق بين أطرافها المختلفة من أجل مواجهة أجندة النظام في الإنتخابات الرآسية القادمة ..فماهي الأسس التي بني علها كل طرف استيراتيجيته؟ وماهي الأهداف البارزة في تلك الإستراتيجيات؟
يعتقد أنصار نظام محمد ولد عبد العزيز أنه حقق في الآونة الأخيرة بعض النجاحات علي مستوي تنظيم انتخابات بلدية وبرلمانية شاركت فيها أطراف من المعارضة( بما فيها حزب من منسقية المعارضة) وأدت إلي فوز كبير لحزبه وملحقاته وإخفاقات واضحة للمعارضين التقليدين وفي مقدمتهم حزب مسعود ولد بولخير ، كما شهدت منسيقية المعارضة تراجعا قويا في الأداء السياسي وضعفا في الأنشطة المناوئة يضاف إلي ذلك تنصيب ولد عبد العزيز رئسا للإتحاد الإفريقي أشهرا قبل انتهاء مأموريته الأولي . وقد يسجل للنظام أيضا شق صفوف المعارضة وإجبار (التحالف والوئام) علي الإنصياع للأوامر والسير خلف قافلة النظام بتنازلات ضئيلة – إن وجدت ـ.
أما المعارضة الديمقراطية فهي منهمكة في النقاش مع بعضها البعض وتتحين الفرص للعودة إلي مواقع النضال ، قد يجد البعض صعوبة في فهم إستراتيجيتها القائمة علي التقاط هفوات النظام ورصد أخطائه الجسيمة وتوظيف ذلك بسهولة بالغة ويري الكثيرون أن معارضي ولد عبد العزيز محظوظون أكثر من غيرهم لكثرة عثراته وفجائية أفعاله وتهوره وجهله .لذلك ظلت منسقية المعارضة تؤسس استراتيجيتها علي أخطاء النظام وما يصدر عنه طواعية (بقصد أو بغير قصد) من تصرفات فاضحة له.
إذا عدنا إلي إجراءات النظام و"نجاحاته" فسنجد أنها محكومة بهواجس محلية:
تعد استيراتيجية النظام قائمة علي توازنات اجتماعية قديمة ومتجددة تتعلق بإشراك أقوي الفاعلين الشعبويين في الإستفادة من وظائف الدولة مقابل ولاء فئاتهم للنظام ،لذلك نجد أن رآسة البرلمان أعطيت هذه السنة لوزير الداخلية السابق (ولد ابيليل) عن فئة لحراطين وتم التوافق مع مسعود وبيجل علي الإندماج في زبونية "خاصة" هي الأولي من نوعها بالنسبة لمسعود .
أما الزنوج فقد كان نصيبهم في التوازنات القديمة رآسة الشيوخ وقد تفرغ لها الجنرال انجاك جينك . أما صار وأفلام وبقية الفاعلين في هذه الفئة فيحظون دائما بالوظائف والمناصب .
أما بقية المجتمع فهي موزعة بين رآسة الوزراء للحوض الشرقي(وقد عادت من جديد إلي مهندس ثورات ولد عبد العزيز) والوزراء لجميع المناطق ولبقية التراتبية (لعرب ،ازواي، آزناك ، لمعلمين) مع مراعاة معادلة الأعمار والأجناس (رجال، نساء وشباب) حتي الثقافة (افراكوفونيين وعروبين) ومستوي التدين(فقهاء ، علمانيون ، يساريون)
يبقي أن نذكر أدورا أخري مؤثرة في اختيار شخصيات الموازنات وهم الجنرالات وقادة الجيوش والبطانة والأقرباء وخلصاء الرئيس .
بناءا علي ذلك ستكون التعيينات القادمة في الحكومة وفي أعلي مناصب الدولة مشفوعة بحاجة أصبحت ملحة وتتعلق بالشعبيات المغاضبة إثر الإنتخابات السابقة.
أمام هذه الإستراتيجية الهشة وغير المنسجمة لايبدو أن المعارضة ستذهب أبعد من انتظار ما ستسفر عنه أخطاء تلك الإستراتيجية وبناء أسس معارضتها علي مواقف الغاضبين من النظام أو الذين همشتهم إستراتيجيته إلي حين أن يعود النظام إلي استدعائهم من جديد ضمن توجه آخر يضعف بواسطته المعارضة. وهكذا تظل المعارضة تعاني من الداخل بسبب أشخاصها وأفكارها غير المؤسسة علي وعي معارض ومستقل لا يتأثر بمواقف الشخصيات العامة أو السياسيين الباحثين عن وظائف لدي النظام .
لقد عانت المعارضة عبر تاريخها القصير من تشرذم وتمزق وتنافس بسبب أجندة "المتظاهرين بالمعارضة" دون أن يكون لديهم وعي معارض أو مشروع سياسي وقد نجحت الأنظمة العسكرية المتعاقبة في تفكيك صفوف المعارضين كل ما دعتها الحاجة لذلك ...
إن استراتيجية الجبهة المعارضة لابد أن تقوم علي وعي معارض يحمل مشروعا سياسيا لإنقاذ البلاد من الأنظمة العسكرية ويعمل علي نشر قيم الديمقراطية الصحيحة داخل الأحزاب والمجتمع سبيلا إلي الوصول إلي السلطة ومن أجل ذلك ينبغي أن تتأسس أحزاب ديمقراطية وطنية ومعارضة لاجبهات تجمع أشخصا لايمتلكون من الوعي شيئا وهم إما غاضبون من تهميش النظام لهم أو فقدوا مكاسب كانت لديهم في الدولة أو من يتاجرون بالمواقف .
إننا بحاجة إلي إستراتيجية معارضة قائمة علي الوعي تؤسس لأحزاب قوية وتقود المجتمع إلي تجاوز الصراعات الفئوية وتتجه بالممارسة السياسية إلي الوضوح في الأهداف والتجذر في الواقع والقدرة علي التضحية .
الحاج ولد المصطفي: [email protected]