حتى لا تفقدهم، سيدي الرئيس..!!! / منصور ولد أحمد

altأخيرا... قررت النخبة الشبابية الموريتانية أخذ زمام المبادرة بيدها، والخروج من عباءة الوصاية الأبوية لأجيال ما بعد الرعيل الأول، بعد أن أعياها التشبث بأذيال منظمات سياسية لا مكان فيها ـ على ما يبدو ـ للجديد والمتجدد، ولا صوت فيها يعلو فوق صوت المحسوبية والحسابات الفئوية الجهوية ، والزبائنية..

قد يُقال إن  القرار جاء متأخرا شيئا ما، ولكنه ، دون شك، قرار هام وفيصلي في المشهد السياسي الوطني برمته، قرار قد يؤدي إلى قلب الكثير من الموازين، وخلط العديد من الأوراق، وإرباك الحسابات،  كما من شأنه أيضا أن يحرك المياه السياسية الراكدة، ويعيد شريان الحياة إلى العملية السياسية المشلولة في البلاد، هذا ان كتب له النجاح، وتفاعلت معه مختلف الأقطاب السياسية المعنية.

لقد غدا واضحا ـ بعد الاستحقاقات البلدية والنيابية الأخيرة ـ أن أطرافا سياسية بعينها لا تحتمل، بل لا تعترف بأي وجود سياسي شبابي تائق للتغيير ومقتنع بضرورته، أو ساع بجدية وصدق لتجسيد دعم عملي ومدروس لبرنامج سياسي اقتنع وسعى من أجله..

هذا الموقف قد يكون مفهوما من أولئك الذين يتبنونه حفاظا على خط سياسي معروف، يستفيد من تغييب النخب الشبابية الواعية والمتحفزة للتغيير والتجديد، لأن توجهاتها وقناعاتها، تتعارض، بالضرورة، مع مصالح طبقة استمرأت الفساد والاستحواذ على سدة الحكم وامتهنت تغييب وتهميش أي مساع حقيقية وصادقة للإصلاح، إلا أن هذا الوضع لن يظل مقبولا ومستساغا من لدن الفاعلين السياسيين خصوصا من النخبة الشبابية التي ربطت مصيرها وطموحاتها ببرنامج سياسي انخرطت فيه وانصهرت لتجد نفسها، فجأة، حبيسة الإقصاء رهينة التغييب.

****

إن المشكلة الحقيقية لا تكمن فقط في تهميش الأصوات الشبابية القوية داخل صفوف الحزب الحاكم والأغلبية الرئاسية بشكل عام فحسب، ولا في استئثار ثلة مشائخية قليلة بمراكز صنع القرار في السلطة والإدارة والهيئات القيادية فحسب، ولكن المشكلة ـ وهذا هو الأخطر ـ تتجسد اليوم في أن وعود الرئيس نفسه بإشراك الشباب ودمجه في الحياة السياسية وفي صنع القرار الوطني أصبحت على محك التجربة السياسة والحزبية أكثر من أي وقت مضى..

لقد شكلت الوعود الرئاسية للشباب بارقة أمل حقيقي، فتحت الآفاق لتغيير سياسي وإداري حقيقي ومحسوس (راجع خطاب نواذيبو)، لكن التجربة الانتخابية الأخيرة، معطوفا عليها ومضافا إليها إقصاء الشباب طيلة الفترة الماضية من المناصب الحيوية في المراكز العليا بالدولة، أدت إلى تنامي وعي متزايد لدى الفئة الشابة بضرورة اتخاذ خطوات حقيقية للتعبير سياسيا وشعبيا عن السخط المتنامي والمبرر داخل هذه الأوساط .

****

تحولت التشكيلات السياسية التي تكونت في السنوات الأخيرة بدعوى دعم الرئيس ومؤازرة برنامجه الانتخابي، إلى مجرد محميات شخصية لأفراد وأسر ومحيط ضيق محدود لا يلبي تطلعات الشباب الموريتاني إلى رسم ملامح تصور واضح وناضج لبناء موريتانيا المستقبل، وغدت المهرجانات والاجتماعات التي تعقدها تلك الأحزاب مجرد نوبات روتينية لمشاهد مسرحية متثائبة ومملة حدَّ القرف، ومعامل تكرير واجترار لخطب خشبية عفا عليه الزمن وتجاوزها الواقع الاجتماعي والسياسي كثيرا...

تقلصت فرص العمل الحزبي  ضمن أحزاب الأغلبية، ولا سيما حزب الاتحاد الذي استحال أخيرا إلى ما يشبه ناديا للمتقاعدين أو ملجأ للعجزة والمسنين، بعد أن حُيدت القامات الشبابية داخل هيئاته، وأغلقت دونها كل النوافذ والأبواب..

****

أضحى لزاما على الشباب الجاد والمقتنع بالبرنامج الإصلاحي وبالمتمسك بعرى التغيير البناء أو ما تبقى منها أن يجد لنفسه موطئ قدم، ومحط رحل في المشهد السياسي المأزوم ، حتى يساهم فكرا وعملا في وضع تصوره الخاص لمستقبل المسار السياسي في البلاد ، ولأجل أن يثري الساحة الوطنية بما تجود به القرائح النخبوية من حلول ممكنة ومتصورة للمشاكل والقضايا التي تشغل الرأي العام الوطني، وتؤرق المواطن البسيط.

ومع أنه لا تزال هناك فرصة سانحة لاستعادة ثقة الشباب في الحزب الحاكم، عبر إطلاق حوار حزبي داخلي حقيقي، يؤدي إلى إشراك النخبة في القرار، واتخاذ خطوات عملية في هذا الصد كترشيح أسماء شبابية بارزة في استحقاقات مجلس الشيوخ القادمة، وهو المجلس الذي يحتاج إلى تجديد طبقته السياسية أكثر من أي مؤسسة سياسية أخرى  في البلاد، فإن كل المؤشرات ـ حتى الآن على الأقل  ـ ، تشير إلى أن ساعة الصفر لإعلان قطب سياسي جديد، قد أزفت، وأن اللمسات الأخيرة توضع على أدق التفاصيل..

والمنتظر المأمول أن يشكل هذا الوليد إضافة نوعية إلى ساحة سياسية ملت التكرار وسئمت الجمود والخمود، وأن يحرك دفة برنامج سياسي أريد له أن يعطل أو يتعطل خدمة لبطانة لا تألو الرئيس إلا خبالا.

[email protected]

5. فبراير 2014 - 14:38

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا