قدم الوزير الأول استقالة الحكومة التي يُديرْ، وأشاد بما أنجزت نافيا عن أدائها التقصيرْ، وأثنى عليها ولم يستثن من أعضائها أيَّ وزيرْ. ولم يطلب منها رئيس الجمهورية البقاء لمواجهة الأمور الجارية وما تتطلبه من تسييرْ، فثارت ثائرة بعض المواقع الإخبارية
وأكثرت من نشر التقاريرْ، بأن الحكومة خالفت القوانين وما تنطوي عليه من أوامر ومحاذيرْ، وتصرفت من غير سند فحادت عن الصواب وتورطت في مأزق عسيرْ. وحمل عليَّ في هذا المجال أحدُ المواقع أتجنب ذكر اسمه تفاديا للإحراج والتشهيرْ، وأظهر الانزعاج من أسلوبي بعبارات تفتقر إلى اللياقة والتوقيرْ، واتهمني بالاستهزاء بالقوانين عن طريق سجع الكهان كما قال وما أستخدم فيه من تعبيرْ، مع أن العبرة ليست في الشكل لأنه لا يصمد أمام عملية التقشيرْ، وإنما بالجوهر الذي يحتمل التضليل والتزويرْ، أو التوضيح والتبيين والتنويرْ.
تخطأ الحكومة إذا لم تتقيد بما يفرض القانون عليها من تحجيرْ، أو تُحجِم عن تنفيذ المقتضيات والأوامر التي إليها يُشيرْ، ولا يمكن لومها قانونيا على مسلك عندما تتعدد في فهمه الاتجاهات والتفاسيرْ، لأنها ستركن إلى ما تطمئن إليه منها وما يكون لها سندا وظهيرْ، وذلك حسب ما تمليه عليها مصالحها وما تقوم به في هذا المضمار من تقديرْ، فلا بد إذن للقول بوجود خطأ من تقديم دليل منيرْ، وذلك بالإشارة إلى القاعدة التي خرقتها الحكومة وأنها لاحترام مضمونها لم تعيرْ.
لم ينص الدستور على استقالة الحكومة إلا في حالتين لا تحتاجان إلى تفسيرْ، الحالة الأولى عند شغور منصب رئيس الجمهورية وهو وضع خطيرْ، وتولي رئيس مجلس الشيوخ الرئاسة بالنيابة بدون تأخيرْ، إلى حين انتخاب من يرى الشعب أنه لهذا الأمر جديرْ، والحالة الثانية استخدام الجمعية الوطنية لوسيلة ليس لها لدى مجلس الشيوخ نظيرْ، وهي إسقاط الحكومة بالتصويت على ملتمس الرقابة أو إجراء مسألة الثقة الشهيرْ. في هاتين الحالتين نص الدستور على أن الحكومة تعتبر مستقيلة ولا مفر لها من هذا المصيرْ، وأكد أنها تستمر تلقائيا في تسيير الأعمال الجارية وليس في هذه النتيجة تخييرْ، إلى أن يعين رئيس الجمهورية حكومة جديدة ويحصل العلم بها لدى الجماهيرْ.
أما ما عدا هاتين الحالتين فهو مجرد تقاليد وأعراف أسهب في شرحها من الكتّابِ المشاهيرْ، وشاع ظهورها في بلدان على نهج الديمقراطية تسيرْ، ولا وجود لها في الدستور وليس لها في القوانين أيُّ تأطيرْ، كتقديم الاستقالة إثر الانتخابات التشريعية بأجل يسيرْ، أو بعد الانتخابات الرئاسية ولو من غير اتهامها بالتقصيرْ، أو سقوط الحكومة بوفاة رئيسها إن جرت بذلك المقاديرْ، أو باستقالة أو إعفاء وزراء يكون عددهم كبيرْ، ففي لبنان مثلا باستقالة ثلث الوزراء يكون لا بد للحكومة من تغييرْ، ويجري على هذه الأعراف ما رتبّ الدستور على حالتي الاستقالة من تأثيرْ، وهو قيام الحكومة تلقائيا بتسيير الأمور الجارية واتخاذ ما تتطلبه من تدابيرْ، إلى حين إعلان مرسوم تشكيل حكومة جديدة ونشره ولو عبر الأثيرْ، لذلك يكون التكليف قائما في كل الأحوال ولا يحتاج إلى تقريرْ، وإن وُجِد التكليف فهو مجرد كشف لحالة لا تحتاج لتبصيرْ، ويكون النطق به هو فقط من باب التذكيرْ.
لا يخفى على إدراك الفطن النحريرْ، أن هذه مسائل قد تحتاج لفهمها حيازة أدوات التفسيرْ، أو التوسل بمن هو بعلوم القانون خبيرْ، ودوري كمستشار ليس البحث لأخطاء الغير عن معاذيرْ، أو الدفاع عن ما يبدر منهم من إخلال وإيجاد لهم التبريرْ، وإنما فقط توضيح ما في القوانين من تنويرْ، وما يتضمنه صريح أحكامها من أمر وتحذير، وما يحمله مبهمها من مفاهيم وتفاسيرْ، بحسب ما هو مسطر في النص وما يمليه عليّ الواجب والضميرْ.