
بداية لن اتكلم عن الديمقراطية كمفهوم اكاديمي و تاريخي لاني اعتقد ان الأهم هو مناقشة المفاهيم ضمن سياقها الزمني المعاش، أعني الديمقراطية بالشكل الذي يمارس حاليآ في دول العالم.
لذلك قد تكون الإجابة طويلة لكني سأحاول أن اطرح رؤيتي بشكل مبسط.
أسوأ ما اصبانا في بلادنا العربية و معظم دول العالم الثالث الذي كان تحت سلطة الاستعمار المباشر، اننا لم نستطع ان نخرج من تحت عباءة الاستعمار الفكري. ففترة الاحتلالات كانت طويلة و أثرت على النمو الطبيعي للفكر في المنطقة بل شلته لفترات طويلة. لذا وجدنا أنفسنا في ورطة حال سحب الاستعمار جيوشه من بلادنا. فكان السؤال :
ماذا نفعل الآن؟
الخطأ ان صح تسميته او الحل الاضطراري ان كنا موضوعيين كان ان ننظر حولنا و نرى ما يحيطنا من فكر. و لان الفكر القومي و الاشتراكي كانت تسود معظم محيطنا بدأت تظهر تيارات قومية و تيارات اشتراكية في بلادنا، و هذا بحد ذاته ليس سيئ.
لكن المشكلة اننا نسخنا هذا الفكر بالاشكال القائمة في أوروبا و روسيا و الكتلة الشرقية و لم نفهم ان هذا الفكر لم يظهر فجأة هناك بل كان له مراحل و تطورات و صراع فكري و اقتصادي و ظروف مختلفة هي من اوصلتهم لتبني هذا الفكر بينما نحن نسخناه كما هو و فرضناه بقرار سياسي. و لذلك لم نحسن تطبيق او استخدام هذا الفكر بل و لم نسعى لتطويره حسب واقعنا، لذا كان الفشل الذي نراه هو النتيجة الطبيعية.
الديمقراطية، هي جزء من هذه المنظومة الفكرية المنقولة، أو التي حاولنا نقلها. و كما نسخنا افكارآ اخرى و فرضناها بقرار سياسي ،ظن الكثيرين و لازال البعض يظن ان تطبيق الديمقراطية يتم بقرار سياسي او بقرار الحاكم.
لكن القصة ليست كذلك،،،،، لذلك اعتقد اننا يجب أن نفهم كيف يسير نظام الدولة في الغرب الديمقراطي اولآ لنفهم ما معنى و كيف تطبق الديمقراطية .
انا ارى انه في الدول الحديثة في الغرب أصبح المتحكم في مفاصل الدولة ليس حزب ما او تيار فكري ما بل رأس المال، و أصبحت الاحزاب و حتى مؤسسات الدولة هي التي تعمل تحت نفوذ و مصالح رأس المال و ليس العكس.
لكن حتى القوى الاقتصادية الراسمالية في اي بلد متقدم ليست كلها على منهج واحد و هناك خلافات حول السياسات التي يرونها انسب لتحقيق منافعهم الاقتصادية.
الاحزاب و سآخذ مثال الحزب الديمقراطي و الحزب الجمهوري هما حزبان يمثلان تياران رأسماليان في الولايات المتحدة، و مع اننا لا نرى ذلك بشكل واضح وصريح الا ان المهتم و المطلع يعرف ان كل حزب منهما او كل مرشح لاحد الاحزاب يتم دعمه و تمويل حملته الانتخابية من مجموعة اقتصادية عملاقة في الولايات المتحدة. و من يفوز يحاول تطبيق السياسات التي تناسب المجموعة الاقتصادية التي دعمته.
لكن هذه المجموعات الاقتصادية تعرف ان من مصلحتها ان تكون عجلة الإنتاج في البلد في أفضل احوالها و ان تكون خدمات الدولة للمواطنين ممتازة لتأخذ من المواطنين العاملين لديها عملآ ممتازآ كما يهمها انتظام الأمور في كل المجالات في الدولة، فالواقع ان البلد هي بشكل ما مصنعهم الذي يرزقون منه او مزرعتهم التي تدر عليهم المال.
و هم كاقتصاديين و منتجين ليسوا بحاجة لسرقة المواطن بالشكل القميئ الذي تمارسه انظمتنا السياسية ،بل هم فعلآ يسرقون شعبهم من خلال ما تنتجه مؤسساتهم الاقتصادية و ما تقدمه من خدمات ،لكن بشكل قانوني و سلس.
لذلك النمط الغربي من الديمقراطية هو برأيي اسلوب صراع حضاري بين كتل اقتصادية ضخمة حول اسلوب تحقيق الأرباح، و هذه الأطراف الاقتصادية ليست مستعدة للصراع العنيف فمصالحهم متشابكة و لا يرغبون بتكبد خسائر لذلك يمارسون الحوار فيما بينهم من خلال مؤسسات و التي تشكل ما نسمية الديمقراطية.
لكن انت كمواطن تبقى خياراتك الديمقراطية هي ان تختار من بين ما وضعتة أمامك هذه القوى الاقتصادية الكبيرة من خيارات.
في واقعنا العرب، استنساخ هذا النموذج هو في الحقيقة غير ممكن، فلا نحن عندنا مؤسسات اقتصادية ضخمة و لا عندنا أحزاب و ليس هناك قوى سياسية اصلآ خاصة أن الأنظمة التي حكمتنا و لازالت و منذ خروج الاستعمار المباشر كانت قمعية و لن تسمح باي تطور فكري ذو قيمة و لا بتشكل أحزاب او تيارات سياسية.
لذلك وجهة نظري ان الكلام عن الديمقراطية هو حرق لمراحل التطور و لا يمكن أن تنجح الديمقراطية ان فرضت بقرار، فلا الاقتصاد و لا التيارات السياسية و لا الثقافة العامة تساعد على نشوء نظام حكم ديموقراطي.
و اعتقد اننا بدل ان نبحث عن نماذج لتقليدها حرفيآ كما كنا نفعل دومآ فإن الأهم و الأفضل أن نبدأ بدراسة مشاكلنا الاقتصادية و الثقافية و محاولة فهم الواقع و إنتاج فكر قادر على الانتقال بنا تدريجيآ لنصل إلى أنظمة حكم قادرة على تحقيق حاجات و طموحات المواطنين.
افتراض النماذج السياسية الأخرى كحلول لمشاكلنا غالبآ لن ينجح كونها لا تتوافق مع واقعنا.
لذلك أنا اعتقد ان لا أحد لديه حلول جاهزة و لن تنفع الحلول المنسوخة ، بل يجب العمل على استنباط الحلول بما يتناسب مع واقعنا و قد لا تكون الديمقراطية بالشكل الذي تمارسه الدول الغربية هي الأنسب لنا.
اتمنى ان نبدأ بداراسات حقيقية و جادة لمجتمعاتنا و مشاكلها لننطلق في محاولة إيجاد الحلول المناسبة