لقد قرأت بتمعن كبير مقال الأستاذ جميل منصور المعنون بمقاربات حول الإسلام والديمقراطية وأستغرب كثيرا حجم التناقض الكبير فيه واستغربت اكثر ان يقع زعيم حزب كبير وشخصية عامة مثل جميل منصور في مثل هذا التدليس الواضح إذا اردنا ان نلتمس له احسن المخارج .
وسأتناول النقاط بالتفصيل التي أثارها الأستاذ جميل منصور
1 ذكر ان الديمقراطية لا تتناقض مع الإسلام وانا اسأله هل يا تري إذا جري استفتاء علي تطبق الشريعة الإسلامية وجاءت النتيجة ب 56 في المئية بلا في هذه الحالة الحكم للشعب وبالتالي سوف لن يتم تطبيق شرع الله لأن الأغلبية ترفضه وهنا نجد ان الأسلوب ديمقراطي والنتيجة جاءت ضد الإسلام مثال اخر تم إجراء استفتاء حول تحريم بيع الخمور وجاءت الأغلبية مؤيدة لعدم تحريم بيع الخمور فهل هنا اتفقت الديمقراطية مع الأسلام ثم لنستعرض اسلوب حكم الأسلام ونقارن رأيه بأستخدام نفس الأمثلة السابقة هل الحكم للأكثرية في الأسلام الجواب لا بل الحكم لله وهو الذي خلق الأنسان ويعلم طبعه }ألا يعلم من خلق {ورسم له طريق النجاة الذي يتناقض جملة وتفصيلا مع الهوي قال تعالي : }أَيَحْسَبُ الْإِنْسَان أَنْ يُتْرَك سُدًى{ يقول القرطبي في تفسيره : قوله تعالى} أيحسب الإنسان{ أي يظن ابن آدم} أن يترك سدى{ أي أن يخلى مهملا، فلا يؤمر ولا ينهى؛ قال ابن زيد ومجاهد، ومنه إبل سدى : ترعى بلا راع.
إذ حسب الشرع الإسلامي في الحكم لله ورسوله ولو رفضت الأغلبية ذالك }ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا 60 وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا 61 فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا 62 أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا . {
وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم أستهموا على سفينة بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها. وكان الذين في أسفلها اذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا! فان تركوهم وما أرادوا هلكوا، وهلكوا جميعا، وان أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعا" رواه البخاري.
وهذا احد الأسس التي يرتكز عليها الإسلام وهو مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن السفهاء منع حكم الأمة حتي ولو كانوا أكثرية. فالعبرة في الإسلام ليست بالكثرة العددية بل بالرأي الصواب والسديد والذي يتفق مع الشرع وولي الأمر ملزم بتنفيذ الشرع ولنقس مسألة قانون منع الخمر علي مقياس الشرع فنجد ان حكمه المنع لما له من أثار سلبية علي المجتمع ولا عبر هنا بأن الأغلبي راغبة به بل مصلحة المجتمع مقدمة علي مصالح الأفراد ورغباتهم .
2 يقول الأستاذ جميل منصور : والديمقراطية – لعلم من يعلم أو لا يعلم – تحدد الآلية التي يختار بها الناس كيف يشرعون وعلى أي أصل يعتمدون في ذلك التشريع، ألا ترون معي هذا الجدل الواسع في كتابة الدساتير حول مرجعية التشريع، هل هي الشريعة الإسلامية حصرا أو أساسا أم لا تذكر سكوتا عنها أو إلغاء لها...إلخ، ألا يؤكد أن مصدرية التشريع تتقرر حسب التوجه العام للمجتمع ويمكن أن تكون الوحي أو الوضع،وبالتالي فالديمقراطية تحسم في مصدر الشرعية وهنا تتفق مع أحكام الإسلام وقواعد الخلافة الراشدة، ورحم الله الإمام محمد الغزالي حين لخص ذلك المعنى "لقد تعلم المسلمون من دينهم أن طغيان الفرد في أمة ما جريمة غليظة، وأن الحاكم لا يستمد بقاءه المشروع، ولا يستحق ذرة من التأييد إلا إذا كان معبرا عن روح الجماعة ومستقيما على أهدافها، ومن ثم فالأمة وحدها هي مصدر السلطة، والنزول على إرادتها فريضة، والخروج على إرادتها تمرد، ونصوص الدين وتجارب الحياة تتضافر كلها على توكيد ذلك" الإسلام والاستبداد السياسي، ص: 62. أنتهي
لا أدري كيف يقر ان الديمقراطية تتفق مع الأسلام عندما يقرر عامة المسلمين بما فيهم السفهاء واصحاب الهوي ومن لا يكتب ولا يقرء ان لايتحاكمو الي شرع اين هو الأتفاق بل انه التنقاض الصريح كما بينا فرأي الإسلام واضح بلأخذ علي يد السفهاء وتطبيق الشرع علي من رضي ومن ابي.
3 – يقول الأستاذ محمد جميل منصور: .... ولكني أود أن أشير إلى أن رفض الديمقراطية بحجة حد الردة لا يستقيم، لأن التشريع الجنائي كغيره من التشريعات مبني على ما يقرره المجتمع انطلاقا من خصوصيته وثقافته، وأي تشريع يجاز بالقنوات المؤسسية والديمقراطية نافذ ديمقراطيا، وعموما إذا كان العالم على استعداد للاتفاق على قيم الحرية ورفض الإكراه والعنف فلا أخال الإسلام والفاهمين من أهله إلا على استعداد لعقد من هذا النوع يعلي قيم الحرية والإنصاف وقبول الآخر... انتهي
نفس السؤال السابق الأستاذ جميل منصور هل إذا قرر المجتمع ان لايقيم حد الردة علي من خرج علي إجماع المسلمين ومن سب الرسول صلي الله علي وسلم هل هذا هو الأسلام من وجهة نظركم واترك الإجابة لكم.
4- ويقول في المحور الرابع: غريب هو هذا الحرص على التفريق بين الناس عامتهم وخاصتهم، جهلتهم وعلمائهم، نسائهم ورجالهم، صغارهم وكبارهم، وأن الديمقراطية تجعل الجميع في نفس الدرجة يختارون ويحددون المصير، بينما الإسلام يفرق ويفصل، والحقيقة أنه لا الإسلام يفرق في الشأن العام (اختيار الحاكم) ولا الديمقراطية تسوي بين الناس. انتهي
وكأنني بلأستاذ الكريم ينسي أو يتناسي جماعة الحل والعقد والتي كانت تختار الخليفة وتزكيه وكانت تنحيه وتختار من يصلح للأمة من بعده وشروطها معروفة : أ ـ العدالة الجامعة لشروطها الواجبة في الشهادات، من الإسلام والعقل والبلوغ وعدم الفسق واكتمال المروءة. ب ـ العلم الذي يوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط المعتبرة فيها. ج ـ الرأي والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو للإمامة أصلح. د ـ أن يكون من ذوي الشوكة الذين يتبعهم الناس، ويصدرون عن رأيهم، ليحصل بهم مقصود الولاية. هـ ـ الإخلاص والنصيحة للمسلمين.( الموسوعة الفقهية).
5- في هذا المحور نجده يخلط بين الأكثرية في موضوع رواية الحديث وهو امر مطلوب وبين الأكثرية في حسم خيارات الأم الأسلامية وهو خلط غير مبرر ولا يحتاج الي رد واسال هنا الأستاذ جميل منصور إن لولي الأمر ان يستشير وهو مبدأ الشوري ولكن هل يستشير اصحاب الخبرة والتخصص ام يستشير العوام لا شك ان ابسط تلميذ يمكن ان يجيب بأن الرأي والمشورة تكون من من يعلم لمن يتخذ القرار ولا عبرة بالكثرة او القلة.
حين يقولُ النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق". أو يقولُ "إنما الطاعة في المعروف". و"على المرءِ المسلم السمعُ والطاعةُ فيما أحبَّ أو كرِهَ، إلا أن يؤمرَ بمعصيةٍ. فإن أُمِرَ بمعصيةٍ، فلا سمعَ و لا طاعةَ".
حين يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك، فهو يؤسِّسُ لمبدأ سيادة الشريعة. لأنه في كلامه هذا لا يقرِّرُ حُكمَاً فَردياً والتزاماً شخصياً وحسب، بل قد أسَّسَ -أيضاً- لمعنى سيادة الشريعة سيادةً قانونيةً. فحين يأتي التشريعُ المناقضُ صراحةً لدين الله، فلا سمعَ ولا طاعةَ. سواءٌ جاء هذا التشريع عبر فردٍ متغلِّبٍ، أو عبر تصويتٍ عامٍ، أو بواسطةٍ برلمانٍ منتخَبٍ. فكلُّ هؤلاء مخلوقون، ولا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق.
فليس لأحدٍ أن يلتزمَ التشريع المناقض صراحةً للدين إلا مع الإكراه.
تلك هي البدهية الشرعية التي لم يدرك بعضُ الناسِ آثارها القانونية في نظام الإسلام. فالحكومات حين تنبذُ مرجعية الإسلام بالقوةِ أو بالتصويت، ثم تحولُ بين الناس وبين الاحتكام إلى دينهم، فالنتيجة سقوط شرعية الحكومة، لا سقوط سيادة الإسلام.
لذالك ارجو من الأخوة الذين يدعون انهم اسلاميون ان يلتزمو بلإسلام وان يتركو الميكافيلية ومحاولة تكيف الإسلام مع نظم وضعية اتي بها الغرب لاتصلح لنا.
محمد ولد أفلواط