منذ ما يربو علي ثلاثة عقود ودولتنا تعيش عدم الاستقرار تحت سيطرة الحكم الفردي , الذي لم يعرف هو الاخر الاستقرار نتيجة الهلع والتدافع نحو كرسي الرئاسة خلسة تحت جناح ظلام الليل تارة او عند بزوغ الفجر الصادق تارة اخري , متأكدين ان صاحب الشــــــــــــأن منزوي في احدي زوايا المسجد منشغلا بوظيفته (لوفايه).
رسخ هذا الحكم مفاهيم اصبحت للأسف الشديد متداولة عند مثقفي الشعب وهي دولتنا الفتية رغم تجاوزها العقد الخامس , والديمقراطية الفتية وهي قاب قوسين او ادني من اكمال عقدها الثالث ,واقتصادنا وثقافتنا وماضينا وحاضرنا ومستقبلنا وكل شيء في هذا البلد توقفت عنه عجلة الزمن ليظل فتيا حتى يولد مع كل حاكم جديد , وهذا من وجهة نظري يرجع الي عوامل منها أن الدولة الفتية هي التي ليس لها تاريخ ولا حضارة و لا ثقافة حتى ولو كانت ثقافة تكريم الحمير علي حساب الانسان المبدع , هذه المكونات لا يمكن أن يحافظ عليها إلا من يعرف كنهها ويثمن قيمتها , و نحن منذ فترة تحت وطأة الحذاء الخشن , وكلما جاء رئيس جديد ولدت الدولة معه وشكل حكومة جديدة باسمها عتيقة في اشخاصها , لعنت اختها التي كانت قبلها وحملتها كل ويلات البلد.
اما ديمقراطية الانقاذ الوطني و الخلاص الوطني و التصحيح الوطني والكتيبة البرلمانية الوطنية وكل هذه العبارات التي لم تعرف طريقها الي الوطنية هي التي جعلت ديمقراطيتنا فتية لأنها تفصل علي كل حاكم جديد آخذة بالاعتبار زيه ورتبته وزبانيته , رافعين شعاراته الخالدة لاهيا بذلك هذا الشعب المسكين بحرية التعبير وإن كانت تمس من المقدسات وبدكاكـــين التضامن ليضيع وقتهم في قوت يومهم , ناسين او متناسين ان الديمقراطية الحقيقة هي انتخابات شفافة ونزيهة تفضي الي التناوب السلمي علي السلطة .
في خضم هذا كله يجري النظام انتخابات صورية فتية هي الاخرى لأنها ستأتي برئيس جديد يخلف نفسه غالبا ان لم يزحه احد ابناء جلدته , وبنواب وعمد جدد همهم الاساسي بعد مصالحهم الشخصية هو تلبية رغبة ولي نعمتهم التي هي الاخرى شخصية بامتياز , فتارة يشكل منهم كتيبة وتارة اخرى فيلقا لصد الخطر عنه كلما داهمه . وهكذا دواليك ظلت الدولة في حلقة مفرغة حتى لا تعرف طريقا الي التقدم.
هل سنستبشر خيرا لنتائج انتخابات 23 نوفمبر التى وجه الشعب من خلالها رسالة واضحة للكتيبة البرلمانية , فأحال احدهم للتقاعـــد والآخريــن ما بين الشوط الثاني والشوط الثالث ؟ أم أن مهمة هذه الانتخابات ستنتهي بانتخاب الرئيس المقبل؟تدل القرائن علي أن منتخبي 23 نوفمبر لن يعمروا طويلا لأن هذه الانتخابات رغم ما شابها من خـــــــــروقات كبيرة واضحة وفاضحة عمتها من رأسها اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات – عفـــــوا (اللجنة المستغلة لتزوير الانتخابات) أو (لجنة لخروطي) كما سماها بعضهم الي اخمص قدمها من حيث فرز النتائج وإدخال البيانات والتلاعب بها, وبعدم مشاركة طيف كبير من منسقيه المعارضة التي تمتد جذورها الي الحليف الغربي , فإننا امام خيارين لا ثالث لهما:
1-أن يخلف الرئيس نفسه سيتودد لولي نعمته هو الاخر (الغرب) بأنه مستعد لحوار شامل تشارك فيه المعارضة يسفر عن انتخابات بلدية وتشريعية , لأن أي حـــــــــــوار لا يفضي الي انتخابات لن تقبله المعارضة لأنها ستبقى خارج المشهد السياسي طيلة خمس سنوات.
2- أن تتوحد المعارضة المشاركة والمقاطعة علي ترشيح مرشح واحد للرئاسات القادمة فتفوز بها فسيحل الرئيس المنتخب المجالس البلدية والتشريعية لكي يشارك المقاطعون لكى يري كل طيف سياسي ذاته , لكن هذا الاحتمال الاخير صعب المنال لما يحمله من خير للوطن والمواطنين لأن قادة احزابنا السياسية لا زالت تتحكم في بعضهم شخصنة الامور إما أنا او لتغرق السفينة .ليست المجموعة الحضرية منا ببعيد والتي كانت تضم ثلاثة احزاب من المعارضة فقط وكانت لديهم أغلبية تمكنهم من تمريغ انف السلطة في وحل برك انواكشوط الملوثة لكن حصل ما حصل فلله الامر من قبل ومن بعد.
هل سنضيع الفرصة الاخيرة لنخلص بلدنا من الاختطاف؟أم أن الوطن لا يحتاج فدية تدفع عنه ولو كانت ارواحنا فضلا عن مصالح شخصية لا تسمن و لا تغني من جوع؟
إطول عمر شيخنا سيدي عبدالله